كان الشيعة مبدأ ظهورهم مجرد جماعة سياسية داعمة لأحد المرشحين للسلطة بعد وفاة النبى، صلى الله عليه وسلم (على بن أبى طالب)، دون أية رؤية سياسية واضحة، وكان السند الوحيد الذى يستندون إليه فى الدفاع عن أحقية «على» بالخلافة هو الانتماء إلى بيت النبى. وبمرور الوقت بدأت تظهر بعض الأسانيد الأخرى التى حاول الشيعة إكسابها سمتاً دينياً حتى تحقق تأثيرها فى نفوس المسلمين. كان من أبرزها حديث غدير خم (مكان بين مكة والمدينة). والحديث أصله فى صحيح مسلم من حديث زيد بن أرقم -رضى الله عنه- أنه قال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يُدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتى رسول ربى فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما: كتاب الله، فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثم قال: وأهل بيتى، أذكركم الله فى أهل بيتى، أذكركم الله فى أهل بيتى، أذكركم الله فى أهل بيتى». وجاء فى بعض طرق الحديث أن النبى -صلى الله عليه وسلم- أمر بالصلاة فأخذ بيد على -رضى الله عنه- فقال: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم»؟ قالوا: بلى. قال: «ألست أولى بكل مؤمن من نفسه»؟ قالوا: بلى. قال: «فهذا ولىُّ من أنا مولاه، اللهم والِ من والاه، اللهم عادِ من عاداه» وفى رواية «من كنت مولاه فعلى مولاه». وحقيقة الأمر فإن هذا الحديث لا ينهض كدليل واضح وبيّن على أن النبى، صلى الله عليه وسلم، عهد بأمر الحكم من بعده لعلى بن أبى طالب، رضى الله عنه. ولو أن مسلماً اعتمد على أحاديث كهذه فى الدفاع عن اسم معين من أسماء الصحابة الأجلاء وحقه فى الخلافة بعد النبى لوجد معيناً لا ينضب يحتج به. فمن أراد الاحتجاج لأبى بكر فليس عليه سوى أن يذكر الحديث الذى روته عائشة، رضى الله عنها، وتقول فيه: «قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه: ادعى لى أباك أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتاباً، فإنى أخاف أن يتمنى متمنٍّ أو يقول قائل أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر». ومن أراد الاحتجاج بأحقية عمر فعليه بحديث النبى، صلى الله عليه وسلم، الذى يقول فيه: «لو كان بعدى نبى لكان عمر بن الخطاب»، ومن مال إلى الاحتجاج لسعد بن عبادة، رضى الله عنه، فعليه بحديث النبى، صلى الله عليه وسلم، الذى قال فيه: «اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة». وقد كان «سعد» أول من نافس على منصب الخلافة بعد وفاة النبى ورفض بيعة أبى بكر ومن بعده عمر بن الخطاب. وحينما بعث أبوبكر الصديق إلى «سعد» أن أقبل وبايع فقد بايع الناس وبايع قومك قال: «لا والله لا أبايع حتى أراميكم بما فى كنانتى وأقاتلك بمن تبعنى من قومى وعشيرتى». ويحمل هذا النص دلالة صريحة على أن سعد بن عبادة كان معارضاً شرساً لكل من أبى بكر وعمر، ورغم ذلك لا تذكر كتب التاريخ أن أحداً تعرض له بسوء، ويبدو أن سياق الموقف هو الذى دفع إلى ذلك؛ إذ كان وحيداً فى موقفه ذاك، فى حين استقرت الأغلبية على حكم الشيخين، ولولا ذلك لاتخذ الأمر منحى آخر. نستطيع أن نتفهم أن تحاول فئة منحازة لمرشح سياسى معين البحث عن مسوغات تؤكد شرعية موقفها، وما أقصده هنا هو الشرعية بمفهومها السياسى، والمشكلة أن شيعة «على» كانوا يبحثون عن «شرعية دينية»، ولم يكن ذلك موقفهم وحدهم، بل حاول منافسوهم أيضاً إيجاد أسانيد دينية مناقضة تبرر مواقفهم وانحيازاتهم فى صراع سياسى بحت، وأخشى أن أذهب مع من ذهب إلى أن هذا التوجه أدى فى بعض الأحوال إلى انتحال الأحاديث ولىّ عنق بعض النصوص الدينية عند تأويلها، لتخدم أصحاب رؤية أو توجه معين. إذن الاحتجاج بحديث «خم» لا ينهض كدليل حاسم على أحقية «على»، رضى الله عنه، بالخلافة بعد وفاة النبى. وقد جعل الشيعة من اليوم الذى شهد واقعة الغدير (18 من ذى الحجة) عيداً لهم يحتفلون به. وقد تُدهش إذا علمت أن المصريين ظلوا يحتفلون بعيد الغدير الذى ورثوه عن مصر الفاطمية الشيعية حتى عهد قريب. ومن يراجع تقاويم الأعياد التى كانت تصدر فى مصر حتى السبعينات -وربما بعدها- سيلاحظ وجود هذا العيد ضمن الأعياد التى يحتفل بها المصريون!