حينما التحقت بالإذاعة المصرية بعد تخرجى وأثناء فترة التدريب تحت الهواء، التى استمرت ما يقرب من عام، تعلمت أن الكلمة على الهواء كالرصاصة الحية، إذا انطلقت لا يمكن استرجاعها وقد تفتك بصاحبها أو قد تقتل من يستمع إليها! فى أيامنا هذه يستغل البعض الهواء لتصفية الحسابات أو ادعاء بطولات أو إطلاق شائعات دون أدنى شعور بوخز الضمير، وهو ما يطلق عليه فى أى وظيفة أخرى: استغلال الوظيفة لأغراض شخصية، لكن فى دنيا الكاميرا وعالم الميكروفونات، لم تعد قيم الإذاعيين الأوائل الذين علمونا أن الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة، وأنه فى البدء كانت الكلمة، أقول لم تعد تلك القيم هى معايير تقييم البرنامج أو المذيع، لكنه عصر الصراخ والتمثيل وأحياناً الردح والشرشحة! ثم يتساءل البعض لماذا تحول مجتمعنا إلى مجتمع عنيف، انتشرت فيه ظواهر غريبة لم تكن معتادة من قبل، كيف لنا أن نتساءل وبعض الإعلاميين يطلق الشتائم والسباب الذى يصل حد الاغتيال المعنوى لشخصيات عامة إذا كانت لا تتوافق مع أفكار هذا المذيع؟! «لا تجلدوا آذان المستمعين بالصراخ»، كانت هذه أولى نصائح الأستاذ العملاق الراحل محمود سلطان لتلاميذه، وأنا منهم، ترى ماذا كان يقول «سلطان» عن هؤلاء الذين يعتقدون أنه كلما صرخوا فى وجه المشاهد وعنّفوا الضيف كلما كانت الحلقة «جامدة» وزادت نسبة انتشارها على اليوتيوب! صرنا فى عصر الصوت العالى والاتجاه الواحد، سقطنا فى بئر اللاأخلاقية واللاموضوعية فى التناول، إنهم ذات الفئة الضالة التى تمارس تطبيلاً بلا حدود، وتبريراً منقطع النظير بالأمر، هى ذاتها التى تقوم بتشويه واغتيال الشخصيات العامة لمجرد أنها تنتقد قانوناً أو قراراً للحكومة! وقد تتحول هذه الأصوات المأجورة إلى أحد أفراد الحكومة بالاغتيال المعنوى والتشويه لمجرد خروج الوزير من الحكومة! وهو ما تابعناه يحدث للوزير الهمام نبيل فهمى، وزير الخارجية السابق، بعد صدمة الرأى العام لدى خروجه من الحكومة والتساؤلات عن جدوى تغيير نبيل فهمى بعد أن كان أنشط وزير فى الحكومة السابقة، برأيى، وجدنا ماكينة التشويه من هذه الأسماء نفسها تطلق اتهاماتها على «فهمى» لدرجة أن أحدهم مرق لحد وصف الرجل بالإخوانى وصاحب الأجندة الأمريكية! ويشاء القدر أنه فى الصباح الذى كانت حكومة محلب 2 تحلف اليمين الدستورية، كان قرار مجلس السلم والأمن الأفريقى بعودة عضوية مصر فى الاتحاد كاملة، وهو ثمرة لجهود الوزير نبيل فهمى وكل جهاز الدبلوماسية المصرية العريقة، وهنا وجب توجيه الشكر والتقدير لجهود الوزارة والوزير نبيل فهمى، الذى تحمل مسئولية جسيمة فى وقت صعب جداً، وأدى الأمانة كما ينبغى لها أن تكون بكل وطنية، وكان يعمل فى صمت متحملاً كل صنوف الاتهامات والبذاءات، فضلاً عن السفير بدر عبدالعاطى، المتحدث باسم الوزارة، الذى لم يبخل على أى برنامج أو جريدة بمعلومة أو توضيح من داخل مصر أو خارجها. أفيقوا يا سادة واعلموا وزن الكلمة فهى سلاح فتاك إذا كانت على لسان من لا ضمير له، وقد تسبب أزمة دبلوماسية أو تغتال بلا قلب شخصية وطنية، وهى فى الوقت ذاته أمانة بناء وتوعية ورسالة تنويرية إذا جاءت على لسان من يخشى الله ويملك ضميراً يقظاً، أتمنى أن تكون رسالتى قد وصلت.. ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد.