يبدو المبنى من الخارج للحظة الأولى مكاناً عادياً مثل عشرات المبانى المجاورة، لكن الخطوة الأولى فى الداخل تحمل قصصاً لا تنتهى عن الألم. «مركز قرية الأمل للتأهيل النفسى وحماية أطفال الشوارع» مكان يحوى بين جدرانه قصصاً عجيبة ومخيفة، يأوى إليه ضحايا الاغتصاب والزواج العرفى، وأمهات وأطفال الشوارع. ورغم الوجع البادى على أرجاء المكان، فإن طاقة الأمل والحب المفتوحة من كل العاملين هناك، تمنح هؤلاء الضحايا رغبة فى انتظار غد قد يبدو مختلفاً. يعمل المركز على تأهيل أمهات أطفال الشوارع نفسياً للتغلب على الآثار النفسية السيئة الناتجة عن الاغتصاب، مثل عدم الإحساس بالأمان والشك فى كل الموجودين، والعنف ضد نفسها وضد الآخرين، ومحاولة الانتحار وعدم التوازن النفسى، وغيرها من الآثار المدمرة. يتكون المركز من 4 طوابق، يعيش فيها أكثر من 50 امرأة بجانب أطفالهن، حتى يتيسر لهن سبيل للزواج أو للعمل فى أماكن مناسبة. تحمل كل فتاة بالمركز قصة ورواية مختلفة تصلح لأن تكون فيلماً سينمائياً. فى الطابق الأرضى من المركز يجرى استقبال الحالات بعد تدوين بياناتها إن وجدت. منذ يومين استقبل المركز فتاة عشرينية عاجزة عن نطق أى كلمة، بل لم تذكر حتى اسمها للإخصائيين الاجتماعيين، الذين فضلوا تركها حتى تهدأ تماماً ربما تستعيد ذاكرتها المجهدة. فى الطابق الأرضى ورشة لتعليم الفتيات تصنيع الإكسسوارات، وفنون صناعة الحلوى. وفى الطابق الثانى يعيش أطفال هؤلاء الأمهات، وفى الطابق الثالث غرف خاصة بالفتيات من أطفال الشوارع. يقول إسماعيل عبدالعزيز، الإخصائى الاجتماعى بالمركز، الذى يعمل فى الجمعية منذ 23 سنة، إن الدرس الأهم فى هذه التجربة الطويلة الصبر على هؤلاء الأطفال، «دورنا أن نقبلهم كما هم، علينا فقط فى البداية كسب ثقتهم وكسر حاجز الخوف لديهم، لأنهم يظنون أننا نفعل معهم ذلك مقابل أى مصلحة». ويضيف عبدالعزيز «الدولة أهملت هذه الفئة زمناً طويلاً». الدكتور عبلة البدرى، مديرة المركز، قالت إنه «من بين 35 ألف جمعية أهلية فى مصر لا تعمل سوى 50 جمعية فقط فى تأهيل ضحايا التحرش والاغتصاب على أقصى تقدير، ومن بين 100 حالة اغتصاب لا تبلغ عن الواقعة سوى 25 سيدة فقط، والنسبة الباقية تخاف من الفضيحة». البدرى أوضحت أن المركز يعمل منذ 26 عاماً على تأهيل أطفال الشوارع من الجنسين، وعلى مدار تلك الأعوام حاز خبرات عديدة فى التعامل مع مشكلات أطفال وفتيات الشارع، وأصبحت لديه قاعدة بيانات كبيرة عن حياة وأماكن وجود هؤلاء من خلال نزول الإخصائيين الاجتماعيين إلى الشارع تارة، ومن تدوين حكايات الاغتصاب والتحرش تارة أخرى. وتابعت البدرى قائلة «يتبع جمعية قرية الأمل 13 مركزاً فى القاهرة الكبرى والإسكندرية، وتقلص العدد من 17 مركزاً إلى 13، بسبب ضعف التبرعات، لأن الحكومة لا تقدم دعماً للجمعيات التى تؤهل أطفال الشوارع. وأوضحت أن أهالى ضحايا التحرش والاغتصاب يفضلون الصمت وعدم تقديم محاضر ضد البلطجية، لكن بمجرد مساندة حالة واحدة تظهر باقى القضايا. والمركز لا يستقبل ضحايا التحرش والاغتصاب العاديين، لكنه يهتم ويركز على فتيات الشوارع، لأنهن أولى بالرعاية ممن يستطيعون العلاج على نفقتهم. وأضافت البدرى أنه يأتى إلى المركز بنات صغيرة يحملن فى أحشائهن أطفالاً نتيجة الاغتصاب الجماعى فى أحيان كثيرة، ورغم فتوى شيخ الأزهر السابق بجواز إجهاض حمل الاغتصاب، فإننا لا نستطيع القيام بذلك خوفاً على حياة هؤلاء الأطفال، موضحة أنه يوجد لدى المركز حوالى 212 طفلاً من أمهات الشارع، جاءوا للدنيا نتيجة الاغتصاب أو الزواج العرفى حسب قانون الشارع، قائلة «مش كل بنات الشوارع مغتصبات لكنهن أحياناً يكن مضطرات لتنفيذ قانون المجموعة، الذى يجبرها على ممارسة الرذيلة مع أكثر من شخص فى اليوم الواحد». وعن ضحايا الاغتصاب العاديين من غير أطفال الشوارع قالت البدرى «لا يتصل بنا أولياء أمورهن سوى من يريد أن يبعد فتاته عن المنطقة، التى يعيش فيها حتى تنتهى من الولادة تجنباً للفضيحة، ونحن لا نستقبل هؤلاء لأن أمهات الشارع لا يهتم بهن أحد. كما نجرى لهن تحاليل فى وزارة الصحة ونرعاهن رعاية كاملة». وأضافت أن طفل الشارع معرض للاستقطاب والولاء ويكره المجتمع بسبب ما يتعرض له فى حياته المريرة، «ورغم هجوم بعض وسائل الإعلام وبعض مؤسسات الدولة علينا بتهمة تشجيع هؤلاء الفتيات على ممارسة الرذيلة عندما طالبنا بسن قانون الطفل لمعالجة قضية الأطفال مجهولى النسب، كان ردنا الوحيد على كل هؤلاء نحن نحاول الاقتراب من هذا المجتمع الغامض ونعالج بعضهم متحملين الكثير من الصعاب، فى الوقت الذى نفض الجميع يده من تلك المشكلة ودفن رأسه فى الرمال».