«غادة» فتاة جميلة غير متزوجة، عمرها 19 عاما، ولديها طفل عمره 4 أشهر! وتحكى «غادة» التى تعيش فى «بيت المغتصبات» الوحيد من نوعه فى مصر منذ عامين، قصتها قائلة «تعرفت على شاب وتزوجت منه عرفيا ثم هربت منه لأنه كان يقوم بضربى وتعذيبى طوال الوقت، ولم أكن أعلم أننى حامل إلا بعد هروبى، بعدها لا يدافع عنى أحد، وكان الجميع يخاف منى، وكأنى مرض معدٍ، عملت تبّاعا على ميكروباص، وكنت أحصل على يومية قدرها 50 جنيهًا فى اليوم، وكنت أقوم بحلاقة شعرى حتى لا يعلم أحد أننى فتاة ويظنوننى رجلًا. بعدها حضرت إلى «بيت المغتصبات» وولدت طفلى فى أمان وأخرجت له شهادة ميلاد وأسميته «عبد الرحمن»، ولا أتعرض إلى أذى من أحد، والمكان الذى نعيش فيه راقٍ جدًا، والجميع حولنا يعاملوننا معاملة طبيعة. وحاليًا كل ما يشغلنى تربية ابنى الصغير واكمال دراستى بعد تعلمى حرفة الكوافير وصناعة الحلويات». ولكن «غادة» ليست الوحيدة من نوعها، إذ يكشف تقرير للمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية عن حقيقة مذهلة، وهى أن هناك حالة اغتصاب تقع كل نصف ساعة فى مصر، وأن معظم الضحايا يفضلن الصمت على «الفضيحة». أشياء مثيرة رصدتها «الصباح» فى زيارة خاصة للبيت الذى يحرص على الدقة فى التعامل مع الفتيات، والذى جمع لهم عددًا من المختصين فى المجال النفسى والاجتماعى ، ليعالج بحكمة فتيات من طبقات اجتماعية مختلفة بأية من الطبقة الدنيا وحتى الطبقات العليا، لأن المأساة لا تفرق بين الطبقات. والبيت عبارة عن فيلا صغيرة مكونة من 3 طوابق تبدأ عندها رحلتنا، يسودها الهدوء والنظافة، يضم 3 متطوعات من دولة التشيك، تطوعن من أجل تعليم الفتيات المغتصبات صناعة الحلوى والطبخ. وفى الطابق الثانى هناك حضانة للأطفال الصغار ثمرة الاغتصاب بعد ولادتهم. تحدثنا مع «فاطمة برادة» رئيسة مجلس إدارة قرية الأمل وبيت المغتصبات، والتى قالت: «المؤسسة تمارس العمل الخيرى منذ سنوات طويلة، وكان الدور الأكبر لنا فى البداية رعاية الأطفال والأيتام لكن مع الوقت ومنذ 6 سنوات فقط اكتشفنا أن الفتيات المغتصبات فى الشارع المصرى لا تقل معاناتهن عن الأطفال، وأيضًا وجود الأمهات من الفتيات الصغيرات فى السن فكانت تحضر إلينا الفتيات من سن 11 أو 12 سنة فقط حامل من علاقة اغتصاب، لأن فى العشوائيات يعيش 10 أشخاص فى غرفة واحدة ويتم اغتصابها فى الشارع». وأضافت: «عندما نجحنا فى الفكرة كان هناك دور إيجابى لانتشار فكرة بيت المغتصبات لرعاية الفتيات ومتابعتها ولجوئهن إلينا، فالفتاة التى تأتى لنا نرعاها حتى تلد، ونستخرج شهادة ميلاد للمولود حتى منع وجود جيل جديد من أولاد الشوارع، وعن طريق شهادة الميلاد يمكنه الحصول على التطعيم ويدخل المدرسة مثل الطفل الطبيعى، ويستطيع الزواج فليس لقيطصا أو طفل شارع. وتتابع السيدة «فاطمة»: «تحضر إلينا حالات من الصعيد والأماكن العشوائية فنرعاهم حتى الولادة، ويحضر أطباء متخصصون للإشراف على حالة الأم حتى تلد الطفل وأصغر حالة حضرت الى الدار عمرها 11 عامًا، وهذه مشكلة فعندما نفكر فى إخراج شهادة ميلاد للطفل لابد أن تكون أمه عمرها 16 عاما، وهنا ننتظر حتى تكبر الأم ونخرج إليها بطاقة الرقم القومى، وفى حالة معرفة الأب نحاول أن نذهب إليه كى يتزوجها ولو يوم واحد فقط حتى ينتسب الطفل لأب». «أبى اغتصبنى» التقينا مع «شيماء» الإخصائية النفسية داخل بيت المغتصبات، والتى قالت «للصباح»: «كان لى دور كبير فى بداية عملى للبحث عن الفتيات المغتصبات فى الشوارع والأماكن العشوائية وتعريفهن بوجود بيت المغتصبات لأن90% من الشعب المصرى لم يسمع به، وبالتالى لن يحصل على خدماته، وكنت أتعرض للعديد من المواقف الصعبة لرفض بعض الأشخاص فى الأماكن العشوائية مساعدتى أو مساعدة الأم المغتصبة». وتضيف «شيماء» أن «أصعب الحالات فى المعالجة النفسية هى الفتاة المغتصبة من الأب أو الأخ، لأنها فقدت الثقة فى كل شىء، ورجوعها إلى الحالة السوية يحتاج الى وقت وجهد مكثف». وأغرب الحالات التى تعاملت معها «شيماء» كانت لفتاة يعمل والدها طبيب جراح ووالدتها سورية الجنسية، هذه الأم السورية تركت والدها وهربت منه تاركة الفتاة وراءها، ولأن الفتاة كانت تشبه والدتها كثيرًا ظل الأب يضرب ابنته ويسبها لسنين طويلة لتخيله أنها مثل أمها فى كل شىء طاما هما متشابهان . الإخصائية النفسية تتواجد بشكل نهارى فى المنزل، لكن فى وجود حالات إدمان يستدعى الأمر بقاءها مع الفتيات بشكل مستمر ليلًا ونهارًا حتى يتم شفاؤها، لأنه يتم عزلها مع الممرضة والحالة، ولو ساءت الأمور وتدهورت صحة الفتاة يتم نقلها إلى المستشفى فورًا. عدد الأطفال الذين تم ولادتهم نتيجة حالات الاغتصاب داخل البيت 20 طفلًا تتراوح أعمارهم من سنة الى 5 سنوات، أما سن الفتيات المغتصبة فى بيت المغتصبات فيتراوح بين 14 عامًا إلى 21 عامًا فقط، وهناك محافظات وأماكن تكثر منها حضور الفتيات المغتصبة فى مصر مثل منطقة الدويقة والهجانة وعزبة أبو قرن وتل العقارب نظرًا للعشوائية فى العلاقات بين السكان وانعدام الخصوصية والانفلات الأمنى الذى يسمح بحدوث حالات اغتصاب فى الشارع تمر بلا عقاب. البيت يتواجد به ثلاثة إخصائيين إجتماعيين بصفة مستمرة للتعامل مع الفتيات وتحسين سلوكياتهن، ومن أهم تلك السلوكيات الحفاظ على نظافتها وعلى نظافة طفلها وإعداد الطعام وترتيب غرفتها وتعلم مهنة حتى تستطيع الاعتماد على نفسها، ومن أهم نقاط نجاح العمل هو فهم طبيعة الفتيات التى تحتاج إلى مزيج من الحزم والاحتضان، وفى حالة وجود حالات لفتيات سيئة الخلق يتم علاجها عن طريق الجلسات النفسية، ومحاولة دفعها للتحكم فى تصرفاتها والتفريق بين الشارع وبين المؤسسة. المغتصبات إذا اقتربت من إحدى نزيلات الدار لن تخطىء فى رؤية نظرات الخجل فى الوجوه، رغم أنهن ضحايا جرائم ولسن مذنبات، لكن ظروفهن الصعبة جعلتهن دائما فى خانة المتهم. تقول «سناء»، التى كانت تعيش مع جدها حتى ظهر والدها فذهبت للعيش معه لكنها وجدته مدمن مخدرات وسكيرًا، والدى قام بتعليمى تعاطى المخدرات حتى أصبحت مدمنة مثله، وخرجت إلى الشارع، وتعرفت على أوساط سيئة جدًا، وتعرضت للاغتصاب من شاب لا أعرفه، بعدها دلنى بعض الأصدقاء على بيت المغتصبات وعلمت منهم أنه سوف يحتضنى ويحافظ على طفلى من الشارع. وحاليًا كل ما يشغل بالى هو أن أعود الى الدراسة بعد أن أخذت دورة علاجية كاملة من المخدرات داخل بيت المغتصبات، وكل ما يهمنى هو ضمان حياة كريمة فى المستقبل لطفلى. أما «داليا» 18 عاما ، فتقول: «تعرضت لحالة اغتصاب من أحد الشباب فى الشارع أثناء عملى على إحدى فروشات العيش من أجل الإنفاق على أسرتى، وعندما اكتشفت أننى أصبحت حاملًا كنت أفكر كثيرًا كيف أحاول الخلاص من هذه المصيبة التى ستصيبنى بالعار، حتى جلست معى بعض الفتيات وأخبرونى بوجود بيت لاحتواء مثل حالتى ورعايتها بشكل كامل، فحضرت إلى «بيت المغتصبات» والحمد لله أنجبت طفلى وعمرة سنة الآن، وتعلمت مشروع الشمع، وعن طرق العائد المادى الذى يأتينى منه أنفق على نفسى وعلى أسرتى وابنى، لكننى لا أفكر فى الزواج أبدًا لأننى لا أظن أن رجلًا سيقبل بظروفى.