ملف الجمعيات الأهلية فى مصر يستحق الفتح. فهى تحصد ملايين مملينة من تبرعات المصريين الذين يستسهل بعضهم دس صدقاته فى يد أقرب عابر سبيل، الأمر الذى جعل ميزانية بعض هذه الجمعيات تتفوق على ميزانيات شركات أعمال كبرى. ربما أتيحت لك فرصة تجولت فيها داخل مقر واحدة من هذه الجمعيات، ولعلك تعلم أن بعضاً منها يوجد له أفرع فى شتى محافظات الجمهورية! ولو أنك راجعت حجم الإعلانات التليفزيونية عن أنشطة هذه الجمعيات وحسبت التكلفة المالية لبثها فسوف تدرك حجم الأرقام التى تتعامل بها، خصوصاً إذا أخذنا فى الاعتبار أن سعر الإعلان يتم تحديده -فى بعض الأحوال- بنسبة مما تقوم هذه الجمعيات بحصده. خذ عندك مثلاً أن إحدى هذه الجمعيات جمعت فى شهر واحد «400 مليون جنيه» كاملة من التبرعات. كان ذلك بالطبع خلال شهر رمضان فى إحدى سنوات ما قبل ثورة يناير، ولك أن تتخيل حجم ما يتم جمعه من تبرعات خلال الشهر الكريم الذى يطرق أبواب المصريين هذه الأيام. من المؤكد أننا أمام عدة مليارات يتم جمعها سنوياً لحساب هذه الجمعيات الخيرية. لست أتهم هذه الجمعيات بأى اتهام بطبيعة الحال، لكننى فقط أتساءل: أين تذهب هذه الأموال، وهل تنفق كلها على الحالات الإنسانية التى ترعاها كل جمعية، وإذا كان ذلك كذلك فلماذا لا تفصح كل جمعية بشكل معلن وصريح عن حجم التبرعات التى تجمعها سنوياً والأوجه المختلفة التى تنفقها فيها؟ ربما كان بعضها يلتزم بالإعلان عن الميزانية السنوية لها، ولكن ما الوضع بالنسبة للجمعيات الأخرى التى لا تلتزم بذلك؟ لا أريد أن أقول إن بعضاً من هذه الجمعيات تحوّل إلى مجرد «سبوبة» للمتاجرة بمعاناة عيّنات بشرية من الأيتام أو المرضى أو ذوى الاحتياجات الخاصة واستخدامهم كواجهة لجمع المال، لكن ما أريد التأكيد عليه أن المليارات التى تحصدها هذه الجمعيات يمكن أن تسهم مع الدولة فى حل بعض المشكلات التى يواجهها المواطنون. ولست أدرى هل تكتفى الحكومة بالحصول على نسبة من التبرعات التى يتم إدخالها على حسابات بنكية معينة وتكتفى بذلك، أم ترى أن لها دوراً أكبر من ذلك، يتمثل فى متابعة الطريقة التى أنفق بها هذا المال، وهل تم توجيهه إلى مستحقيه أم لا؟ ريما تصادف أن جاءك تليفون من واحدة من هذه الجمعيات يطلب فيه محدثك أن تتبرع للجمعية من مالك أو من ملابسك القديمة وغير ذلك، لو حدث لك ذلك مستقبلاً جرِّب أن تداعب من يحدثك وقل له إنك ممن يحتاجون مساعدة، واطلب منه أن يدلك على الخطوات التى يجب أن تقوم بها لتحصل على معونة من الجمعية، أتوقع -والله أعلم- أن إجابته سوف تكون: «ليس لدىّ معلومات حول هذا الأمر تعال الجمعية واسأل»! أليس مال هذه الجمعيات جديراً هو الآخر بضريبة مستحقة تساهم مع حزمة الضرائب الأخرى التى تنوى الدولة إقرارها فى خدمة فقراء هذا الوطن؟ تعاطفك لوحده مش كفاية!