ها هو التاريخ يعود لكى يثأر.. أسرة عبدالحكيم عامر تتهم جمال عبدالناصر ومجموعة من قيادات جيشه بقتل المشير عامر. لا نعرف مدى صحة هذه الاتهامات. لكن ذلك محتمل. بالتأكيد عبدالناصر قادر على القتل. لقد بدأ «ناصر» ورفاقه حكمهم بقتل مصطفى خميس ومحمد البقرى. كل جريمتهما كانت فى قيادة إضراب عمالى فى كفر الدوار. تخيلوا؟! الإضراب حق مشروع للعمال. حين تمنع عنهم سلطة ما هذا الحق نقول عليها سلطة مستبدة. وعندما تسجن المضربين نقول عليها سلطة غاشمة. فماذا نقول عمن يقتل المضربين؟ «ناصر» كان له أسبابه التى تبرر قتل المشير. فعامر قائد عسكرى فاشل هُزم فى كل الحروب التى دخل فيها. وهو يقاوم عملية إزاحته من القيادة لكى يأتى مكانه قيادات أكفأ تستطيع خوض الحرب ضد إسرائيل. إذا كان «ناصر» قد قتل «عامر» فهو بالتأكيد وجد «تخريجة» أخلاقية لذلك. لكن الحقيقة أن إزاحة «عامر» بتلك الطريقة التى قد تكون وصلت للقتل ناتجة عن رفض «عامر» تحمله وحده مسئولية الهزيمة وإصراره على تحمل «ناصر» نصيبه من المسئولية، وهو ما كان «ناصر» يرفضه. أقصى ما كان «ناصر» مستعدا لتحمله هو مسئوليته عن بقاء المشير عامر على قمة الجيش، بالرغم من أدائه العسكرى الضعيف. لكن هنا كان أنصار عبدالناصر يلتمسون له الأعذار ويقولون إن الرجل معذور؛ لأنه كان يريد إزاحة «عامر» لكن المشير بنى مراكز قوة داخل الجيش جعلت من إزاحته مهمة صعبة لا يمكن أن تتم إلا بعد هزيمة مشينة. فى صراع الرئيس مع المشير بعد الهزيمة كان المشير يلعب دوراً تقدمياً. فهو رفض أن «يشيل» وحده الهزيمة وهو راغب فى الدفاع عن شرفه العسكرى فى مواجهة الاتهامات له بالجبن والانسحاب أمام الأعداء بلا مقاومة. ومن هنا طالب بمحاكمة علنية. وهذا آخر ما كان «ناصر» يريده؛ لأن أى محاكمة علنية للمشير ستتحول إلى محاكمة للنظام السياسى الذى وضع على قمة المسئولية مجموعة من المغامرين الذين يعتمدون على الفهلوة أكثر من اعتمادهم على العلم والتخطيط. لكى يخرج النظام سليماً من عار الهزيمة كان على «عامر» أن «يشيل» القضية ويختفى، وتختفى معه كل أدلة القضية.. قضية هزيمة جيش هزيمة منكرة بلا قتال. إن فتح قضية قتل المشير عامر التى تتهم فيها أسرته عبدالناصر بقتله هو شىء إيجابى؛ لأن حادثة مقتل أو انتحار المشير هى أحد المداخل للتعرض الأمين لهزيمتنا فى يونيو 1967، هى أحد المداخل لصناعة رواية جديدة عن الهزيمة؛ لأن كل الروايات المتاحة عن الهزيمة غير مقنعة. إهمال المشير وسوء أدائه العسكرى يمكن أن يفسر هزيمتنا أمام إسرائيل، لكنها لا يمكن أن تفسر هزيمتنا بلا قتال. النبش فى قبر المشير عامر عمل تقدمى بامتياز؛ لأن القبور فيها مصدر معرفة عن الأموات. أو ليس دراسة قبور المصريين القدماء هو المصدر الأساسى لمعرفتنا عن حياتهم، وبالتالى عن حياتها. فحياتنا هى استمرار لحياتهم. سيقول البعض دعونا من الأموات ولننظر للمستقبل. لكن فى الحقيقة من يخاف من الأموات يخاف من التاريخ ومن علم التاريخ. ومن يخاف من علم التاريخ لا يمكن أن يصنع مستقبلا؛ لأن علم التاريخ هو علم قوانين تطور المجتمعات. من لا يفهم فى التاريخ لا يفهم فى المستقبل.