بأدلة مادية دامغة، يؤكد طارق عامر، نجل شقيق المشير عبدالحكيم عامر، أن الفصل الأخير فى الإعلان عن قاتل «عامر» بات قريبا للغاية، بعد أن ظلت مطالب أسرة المشير بإعادة التحقيق فى أسباب وفاة المشير حبيسة أدراج مغلقة 40 عاما، كما يؤكد أن المشير اغتيل بالسم ولم ينتحر، قائلا: «إنها قضية عمر بالنسبة لنا». فى الوقت الذى يعتبر عماد فصيح محامى أسرة عامر، أن تمكن الأسرة من تقديم 4 تقارير طبية موثقة للنيابة العامة مؤخرا، طاقة النور التى أتاحت لهم إحياء أمل إعادة الاعتبار للمشير وأسرته، مع صدور قرار النائب العام بإحالة ملف القضية إلى القضاء العسكرى. معلومات خطيرة وموثقة يكشف عنها عامر وفصيح للمرة الأولى فى هذا الحوار مع «الوطن»، تقدم الدليل القاطع -برأى محاورينا- على أن المشير الذى توفى فى 14 سبتمبر 1967 مات مقتولا وليس منتحرا، ليصمت للأبد وتدفن معه الأسباب الحقيقية لهزيمة 67 وهزائم سابقة، منيت بها مصر فى عهد عبدالناصر. ووفقا لأسرة المشير فإن بعض المتورطين فى قضية قتله مع سبق الإصرار والترصد، لا يزالون على قيد الحياة، فيما تكشف هنا عن بعض تلك الأسماء للمرة الأولى، مؤكدة أنها لن تتركهم حتى ينالوا القصاص العادل. * لأى مدى يعد قرار النائب العام إحالة بلاغ الأسرة حول اغتيال «عامر» للقضاء العسكرى مؤشرا على قرب ظهور الحقيقة؟ - عماد فصيح: إن القرار نقطة فى منتهى الأهمية، فمن الطبيعى أن تحال للقضاء العسكرى، لأن كل من اشترك فى الجريمة عسكريون، ما عدا صحفى واحد، إن كان شريكا حقيقيا، فهناك شبهات تحوم حول دوره فى اغتيال المشير، والمجنى عليه عسكرى. وأعتبر إحالة الملف للقضاء العسكرى انتصارا كبيرا لتحقيقات استمرت لمدة عامين متواصلين، منذ عام 2010، وخلصت فى مجملها إلى استبعاد شبهة الانتحار. * ما أهم الأسماء التى يمكن الكشف عنها حصريا ل«الوطن» ممن تضمنتهم أدلة الاتهام فى التحقيقات؟ - فصيح: هناك أطراف عدة فى عملية قتل المشير، فهناك من دبر وخطط، ومن نفذ، ومن أصدر الأوامر، ويمكننى القول إن الفريق محمد فوزى أشرف على التنفيذ، والفريق عبدالمنعم رياض اشترك فى القبض على عامر وتعذيبه، وهناك شبهات تحوم حول الصحفى محمد حسنين هيكل بالمشاركة فى الاغتيال. * ما طبيعة تلك الشبهات حول دور «هيكل» فى الاغتيال؟ - طارق عامر: «هيكل» كان يتابع هذا الموضوع بشدة، وهناك أدلة كثيرة وشهود عيان -أتحفظ على الكشف عنهم حاليا- تؤكد أن هيكل تحوم حوله الكثير من الشبهات عن دوره فى التحريض والتخطيط لعملية الاغتيال، وأقل هذه الأدلة أن التقارير التى صدرت وقتها بعد وفاة عامر، صادرها هيكل، وشطب بخط يده العديد من العبارات الواردة فى تقرير الوفاة، ووزعها بنفسه على الصحفيين للنشر فى ذلك الوقت، والأدهى من ذلك أن المشير توفى الساعة 6 مساء، بينما وصلت النيابة الساعة الواحدة فجرا، والأهرام خرج من المطبعة الساعة 2 فجرا بمانشيت «المشير انتحر بالسم». أضف إلى ذلك أن عبدالناصر حاول استدراج عامر إلى القاهرة أكثر من مرة، بعد شعوره بالخطر وسفره إلى قريته «أسطال» فى المنيا، لكنه لم يفلح، فأرسل له وزير الداخلية آنذاك شعراوى جمعة وصلاح نصر ورفض العودة معهما، إلى أن أرسل له محمد حسنين هيكل فاستطاع استدراجه للقاهرة بالفعل، وهنا جرى اعتقاله وبدأوا فى القبض على كل الضباط الموالين له فى الجيش، وتنفيذ عملية الاغتيال. * تتحدثون عن أدلة وأسانيد جديدة قدمت للنيابة العامة ستقلب أوراق القضية رأسا على عقب، ما أهم هذه الوثائق؟ - فصيح: هناك 4 تقارير طبية موثقة تعد المدخل الرئيسى لإعادة فتح التحقيق بعد مرور ما يزيد على 43 عاما على وفاة المشير، وأؤكد أن الموضوع ليس سياسيا أو تصفية حسابات، بل إنقاذ سمعة عائلة وشهادة للتاريخ بحق رجل ظلم طوال تلك السنوات بترويج أنه انتحر للرأى العام، وأهم هذه التقارير، بل أخطرها، أول تقرير صدر عن وفاة المشير وكتبه الدكتور عبدالغنى سليم البشرى، رئيس الطب الشرعى، عام 1967، الذى تضمن دحضا كاملا للتقرير الذى تم إجبار واضعيه على صياغته بطريقة تؤكد أن المشير انتحر. * وكيف احتفظ «البشرى» بهذا التقرير كل تلك السنوات؟ - فصيح: قبل وفاته بفترة قليلة، جاء البشرى إلى حسن عامر شقيق المشير وقال له حرفيا: «هذا نص التقرير الطبى الأصلى الذى كتبته بخط يدى بعد وفاة المشير وظللت محتفظا به طوال هذه السنوات فى خزينتى الخاصة خوفا من اغتيالى، وأسلمه لك اليوم إرضاء لضميرى، وحينما تجد الوقت مناسبا لإظهاره عليك أن تفعل ذلك حتى يعرف الناس الحقيقة». * ما أبرز ما جاء فى هذا التقرير السرى؟ - فصيح: يفند البشرى فى التقرير مزاعم انتحار المشير من خلال الكشف عن سقطات علمية، لا يمكن أن تقع بأى حال من الأحوال فى حالة الانتحار، مؤكدا أنه لا يمكن أن يكون تناول السم عن طريق الفم، وإنما جرى حقنه فى جسم المشير من خلال الوريد. * هل جاء التقرير متوافقا مع التقارير الثلاثة الأخرى التى قدمتموها للنيابة؟ - فصيح: تماما، وكان التقرير الثانى قد صدر سنة 1975 بعد أن تقدمت أسرة المشير مرة أخرى للنيابة بطلب إعادة فتح التحقيق فى وفاته، وبالفعل أحال النائب العام البلاغ وقتها رسميا للمركز القومى للبحوث، الذى كان به قسم متخصص فى السموم، وانتدب المركز الدكتور على محمد دياب أستاذ السموم لإعداد التقرير الطبى، فقال فى تقريره إن الوفاة تمت نتيجة إعطائه حقنة سامة، بل الأدهى أن الحقنة أعطيت قسرا للمشير، بدليل وجود 3 جروح وخزية بمناطق الحقن فى الوريد، ما يدل على أنه كان يقاوم أخذ الحقنة بكل الطرق، فى جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد، مكتملة الأركان. * أين ذهب هذا التقرير بعد ذلك؟ - فصيح: فى اليوم التالى جرى سحب الملف بالكامل من قبل المخابرات العامة، وتم التكتم على التقرير ليغلق الملف مجددا، حتى جاء عام 2010 وأعدنا طلب فتح الملف أمام النائب العام، وذهبنا إلى جامعة عين شمس، لأن بها أكبر مركز متخصص فى تحليل السموم، وبالفعل خرج تقرير طبى للمرة الثالثة يؤكد أن الوفاة جاءت نتيجة الحقن بالسم، قامت بإعداده الدكتورة خديجة عبدالفتاح أستاذ الطب الشرعى والسموم الإكلينيكية بكلية طب عين شمس، التى تقدمت بشهادتها أمام النيابة العامة دون خوف. * هل أخذت النيابة بهذه التقارير الثلاثة مع إعادة فتح التحقيق عام 2010؟ - فصيح: قدمناها بالفعل، وزيادة فى التأكيد قامت النيابة بانتداب اثنين من أطباء مصلحة الطب الشرعى كجهة رسمية، أحدهما رئيس مصلحة الطب الشرعى الحالى، حيث فحصا كل الأوراق والتقارير، وخرجا بنتيجة فى تقرير طبى رابع معتمد رسميا، باستبعاد شبهات أن المشير انتحر، وتجاوزت عدد صفحات هذا التقرير 86 صفحة، أيدت التقارير الطبية السابقة، التى تشير إلى حقن المشير بمادة سامة من أشباه القلويات. * لكن هناك روايات متداولة تشير إلى انتحار المشير بجرعة 150 مللىجرام من مادة «الأكونتين» شديدة السمية؟ - عامر: كل التحاليل التى أجريت للمشير بعد وفاته، أثبتت أن جسمه كان خاليا من أى نوع من المواد المخدرة والسموم التى تؤخذ عن طريق الفم عندما حاولوا إشاعة أنه تعاطى السم، والدليل على ذلك أن تحاليل الدم والكلى والكبد جاءت نتائجها خالية تماما من أى سموم، والمثير فى الأمر وفقا للتقارير الطبية الأربعة أنه إذا لامست نقطة واحدة فقط من محلول «الأكونتين» البالغ التخفيف -أى بنسبة 1 إلى 10 آلاف- طرف اللسان تفقد السيطرة على الجسم تماما، والجرعة المنسوبة زورا فى التقرير الرسمى الصادر من الدولة وقتها تقتل كتيبة كاملة من الرجال الأقوياء فى 5 دقائق. * قيل إن شريطا لاصقا «الريتالين» وجد ملتصقا بجسد المشير وبه مادة «الأكونتين»؟ - فصيح: من المدهش أن تحقيقات النائب العام أثبتت أن مادة «الأكونتين» المعبأة فى جزء من شريط «الريتالين» الذى ألصق بجثة المشير مصدره الوحيد المخابرات العامة المصرية، وتأكد ذلك من خلال الفحص المقارن عند فحص الأحراز المسلمة بمعرفة مندوب المخابرات العامة مختار ذكرى. * ماذا عن لفافة السوليفان التى قيل إن بها مخدر أفيون كان يمضغه عامر قبل وفاته؟ - فصيح: أثبتت التقارير الطبية أن عامر لم يتناول الأفيون، بل إن لفافة السوليفان قدمها ضابط المخابرات العامة وقتها بعد الوفاة بأربعة أيام كاملة، وحينما سألته النيابة: لماذا تأخرت كل هذه المدة فى تقديم هذه اللفافة؟ قال: «نسيتها فى جيب البنطلون». * هل صحيح أنكم تجهلون حتى اليوم قبر المشير؟ - عامر: نعم بكل أسف، وهذه كارثة، فحتى اليوم ليس لدينا معلومة مؤكدة عن المكان الحقيقى الذى دفن فيه المشير، فبعد وفاته اعتقل كل أفراد عائلته، وعرفنا أنهم نقلوا جثته دون مراسم جنازة أو عزاء فى السر تحت تهديد السلاح، بل إن قبره الذى يقال إنه دفن فيه فى قرية «أسطال»، ظلت عليه حراسة مشددة لمدة 4 أشهر، وهناك ناس يقولون إن المشير ليس مدفونا فى ذلك القبر، حتى لا يعرف مكانه وتستخرج جثته ويعاد تشريحها، وإنه دفن فى مكان ما عند الجندى المجهول. * إذا كان المشير قد اغتيل، فمن وضع خطة الاغتيال؟ - عامر: أتهم الدولة بقتل المشير عبدالحكيم عامر، فكل جريمة لها دافع ومنفذ ومن يعطى الأمر بتنفيذها، ويجب أن نعيد الكشف عن التاريخ السياسى لهذه المرحلة. * تقصد أن القيادة السياسية دبرت اغتيال عامر، فما دوافعها؟ - عامر: كل قادة الجيش يوم 11 يونيو 1967، أرادوا عودة المشير للجيش، وقالوا له: «يجب أن تعود ونحن سنحارب وننتصر»، الجيش كان مع عامر 100%، ما أقلق عبدالناصر، وتكلم عامر عن الديمقراطية منذ عام 1962، ولكن ناصر لم يقتنع، والمشير قال لناصر: «أنا مشيت خلاص وضباط الجيش جاءوا علشان أرجع لكنى رفضت، وانت قلت إنك ماشى ولكن رجعت فى كلامك بعد كل النتائج»، ثم أخبره بأنه ذاهب إلى «أسطال» تاركا القاهرة. لقد كان خائفا على حياته بالفعل. * هل يكفى هذا الحوار والهواجس دافعا لاغتيال النظام لعامر؟ - عامر: عبدالناصر «ودى البلد فى داهية»، والمشير كان رافضا للعديد من قراراته فى الحرب، ويوم 7 يونيو اتصل عبدالناصر بالمشير وقال له بالحرف الواحد وهو يبكى: «سامحنى يا حكيم أنا غلطت»، بعد هزيمة الجيش الساحقة، ومقتل آلاف الجنود المصريين، فقال له المشير: «ما تزعلش يا ريس، هرجع لك ولادك سالمين». عبدالناصر كان عامل كل حساباته إن مفيش حرب، لكنه أجبر الجيش على الحرب فى مقامرة كبيرة، لم تكن مقامرته الوحيدة، التى كان المشير رافضا لها، فمصيبة حرب اليمن أكبر من مصيبة حرب 1967، فالضباط المصريون كانت تنهش جثثهم الكلاب فى الشوارع ولا أحد يلتفت لهم، لأن الحرب «مش بتاعتهم»، والأسباب كانت مخزية وسيكشف عنها التاريخ يوما ما. * لكن خطة الحرب كانت مسئولية عامر؟ - عامر: عبدالناصر تدخل فى العديد من قرارات الخطة العسكرية والمشير كان رافضا لها، بل إن الروس لهم دور كبير فى اغتيال المشير لأنهم فى فترة الستينيات كانوا يريدون السيطرة على الجيش، لكن المشير رفض، وقد لا يعرف أحد أنه قبل الضربة الأولى ليونيو 1967 بثلاث ساعات، نحو الثالثة فجرا ذهب السفير الروسى فى مصر إلى عبدالناصر فى منزله وأيقظه، وهدده قائلا: «لو ضربت الضربة الأولى روسيا لن تقف معك»، حتى يعطوا الفرصة للإسرائيليين ليدمروا الطائرات المصرية على الأرض. * هل استجاب جمال عبدالناصر للتهديد الروسى؟ - فصيح: كان متخذا قراره المتوافق مع هذا التهديد سابقا، والدليل على ذلك تفاصيل الاجتماع الذى انعقد فى قيادة الجيش فى نهاية مايو 1967، وكان الشخص المدنى الوحيد الذى حضر الاجتماع الصحفى محمد حسنين هيكل، وهو شاهد على هذا الكلام، فالجيش كان مصمما على أن يكون صاحب الضربة الأولى، حتى لا تتحطم مصر بجيشها، لكن عبدالناصر رفض، كان عبدالناصر مقامرا، والضباط ثاروا ورفضوا كلامه وقالوا له: «هذا لعب قمار واحنا انضربنا فى 56 ولا بد أن تكون الضربة الأولى لنا»، لكنه صمم على موقفه بعد أن أوعز له هيكل «كاذبا» أن خسائرنا لن تتعدى 10% فقط إذا لم نقم بالضربة الأولى، فرفض المشير منفعلا وهو يقول: «دى تبقى كارثة ومصيبة لو طبقنا الكلام ده». * هل ترك المشير عامر أى شهادات أو مذكرات يفصح فيها عن بعض أسرار حرب يونيو 67؟ - عامر: نعم، كتب 14 ورقة قبل وفاته بثلاثة أيام يكشف فيها كيف تدخل جمال عبدالناصر فى قرارات الجيش فى الحرب، وأفسد الخطة العسكرية، وكيف أن قراراته قضت على اللواء 41 وقضت على الفرقة 14 مشاة، وكيف قضى كذلك على الفرقة الرابعة مدرعة، بعد أن سحبها المشير كاملة سليمة، إلا أنه رفض وقرر عودتها للمحافظة على خطوطنا فانسحقت الفرقة كلها، لقد أضاع عبدالناصر الجيش المصرى. * أين ذهبت هذه الأوراق؟ - عامر: هى لدينا، وهناك أوراق أخرى مهمة كتبها المشير بخط يده، منها نص خطاب استقالته عام 1962، ووصيته التى عبر فيها عن مخاوفه المباشرة من قتله، وهناك الكثير من المستندات والوثائق الأخرى. * هل ستخرج هذه الأوراق والوثائق إلى النور على شكل مذكرات؟ - عامر: نعم، قريبا ستخرج موسوعة كاملة عن المشير عبدالحكيم عامر ودوره الحقيقى فى صنع الجيش المصرى وفى التاريخ، وسنكشف فيها كم الزيف والأكاذيب التى طالته لكى يطمس التاريخ ويظل عبدالناصر هو البطل فى عيون الناس، فبعد أن حطموا الجيش أرادوا تحطيم صورة المشير حتى يكون هو المسئول الأول والأخير عن الهزيمة، ونالوا من سمعته بالأكاذيب التى تقول إنه كان يقيم حفلات ساهرة وقت الحرب وغيرها من الكلام المشين، وما هى إلا محاولات رخيصة لتشويه صورته بكل الطرق..! لقد نهشت سيرة عبدالحكيم عامر على مدار 40 عاما ومن أقرب زملائه وأصدقائه وهذا قمة الخسة والنذالة. * ما اسم دار النشر التى ستتولى نشر هذه الوثائق التاريخية؟ - عامر: لا أستطيع الإفصاح عنها الآن.