لا شك أن من أهم التحديات المُلحّة، التى تواجه رئيس الدولة، أزمة الفقراء، والتوزيع العادل للثروات، ومسألة الحدين الأدنى والأعلى للأجور.. وهى تحديات مرتبطة بسياسات وبرامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، التى لا تؤتى ثمارها فى يوم وليلة، وإنما قد تستغرق سنوات، فهل سينتظر الفقراء؟! إن لرئيس الدولة الحق، فى إصدار تشريعات عاجلة، لمواجهة الأزمات المُلحّة، إلى أن تؤتى برامج التنمية ثمارها، وهذه التشريعات تستند إلى المادة الثانية من الدستور، والتزام الدولة بتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية. ومن مبادئ الشريعة الإسلامية، ومقاصدها العليا، «التعاون على البر والتقوى»، خاصة إذا كانت الدولة أمام أزمات مطلوب إدارتها بشكل حاسم وسريع، وعلى رأسها «أزمة الفقر»، والتوزيع العادل للثروات، وعدم تمركزها بيد طبقة أو فئة معينة من الناس.. مع كامل الاحترام للملكية الشخصية، وضرورة عدم المساس بها. أما عندما تكون الدولة فى حالة حرب مع «الفقر»، فإن للحروب ظروفها الاستثنائية، التى يمكن استنباط أحكامها قياساً على حالتين ورد ذكرهما فى القرآن الحكيم: الأولى، قوله تعالى فى سورة (الأنفال/41): «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْءٍ فَأَنَّ لِله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ...» الآية. والثانية، قوله تعالى فى سورة (الحشر/7): «مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَىْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ». صحيح أن هذه الآيات تتحدث عن توزيع «الغنيمة» و«الفىء»، فى حالة الحروب، إلا أنها تتجاوز هذا الحدث إلى مبادئ عامة، يقوم عليها النظام الاجتماعى، والمالى، والاقتصادى، للدولة. فلماذا لا نتعامل مع (أزمة الفقر) على أنها حالة حرب، وأننا فى ظروف استثنائية، وأن على جميع أفراد الشعب تحمل مسئولياتهم؟! لماذا لا نعتبر أموال (الغنيمة) و(الفىء) التى تؤخذ فى حالة الحروب، وتوزع على من يستحقونها، من الفقراء والمساكين.. لماذا لا نعتبرها موجودة فى أيدى هذه الفئات: الأولى: رجال الأعمال، حيث نضاعف حصة الفقراء والمساكين فى أموال الزكاة (ثلاثة أضعاف مثلاً)، تسدد مقدماً من حساب الزكاة، إلى أن تؤتى برامج التنمية ثمارها، ثم تعود الأمور إلى ما كانت عليه. الثانية: الموظفون، خصم نسبة معينة من أصحاب المرتبات المرتفعة، لفترة زمنية محددة (ولتكن سنة مثلاً)، بعدها تعود الأمور إلى ما كانت عليه. الثالثة: عموم الشعب، صندوق (دعم الفقراء)، يضع فيه الصغير والكبير جنيهاً واحداً (أو أكثر) حسب الاستطاعة. إن هذه المقترحات، يمكن أن تتحول إلى برنامج عمل، يضع تفاصيله خبراء المال والاقتصاد.. على أسس ومعايير تقوم على قاعدة «لا ضرر ولا ضرار»، وتضمن رفع مستوى معيشة الفقراء إلى الحد المقبول، الذى يحول دون انقسام المجتمع إلى طبقتين: أقليّة ثريّة، وأكثرية فقيرة: «كَىْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ»!! إن كل تشريع ينتهى إلى أن يكون المال (دُولة بين الأغنياء وحدهم)، ولا يحقق للشعب الأمن والسلام والعدالة الناجزة.. تشريع يخالف مبادئ الشريعة الإسلامية التى نص عليها الدستور.