بقدر ما سعدت بلقاء المشير عبدالفتاح السيسى بفنانى مصر، بقدر ما أحبطنى المحاور التى قام عليها اللقاء، والتى ركز فيها الفنانون على فكرة واحدة؛ أن الفن هو جزء مهم من بناء أى حضارة فى الكون كما أشار الفنان عزت العلايلى، وأن الفن مصدر للدخل القومى لمصر بعد القطن، وأن انتشار اللغة المصرية يعود الفضل فيه للفن والفنانين. كذلك تطرّق الحديث لدور الفن فى تشكيل وعى وثقافة المجتمع، وأهمية أن تستثمر الدولة فى الفن وأن تُعيد دورها المفقود، حيث أكد الفنان جلال الشرقاوى أن الدولة لم تبنِ مسرحاً واحداً منذ ثورة يوليو 1952. ليس لدىّ أدنى اعتراض على كل ما سبق، فأنا من أشد المؤمنين بدور الفن فى نهضة أى مجتمع، لكن فى حال مجتمعات تعيش أزمة اقتصادية حقيقية انعكست على ثقافته وعاداته وتقاليده وأخلاقه، مثل ما نعيش فيه الآن فى مصر، لا بد أن يكون هناك دور إيجابى وفاعل للفن والفنانين، فمنذ تداعيات الأزمة التى نعيشها لم نسمع عن مبادرة واحدة خرجت من فنان من أجل مساندة مصر فى أزمتها باستثناء الفنان محمد صبحى الذى أعلن عن تبرعه بمبلغ 50 ألف جنيه، ضمن مبادرة أطلقها لتأمين المتاحف المصرية، ودعا صبحى زملاءه الفنانين إلى التبرع للمشاركة فى الحفاظ على التراث المصرى، فربما يكون هناك من تبرع لكننى لم أقرأ أو أسمع عن ذلك. وحتى لا أخرج عن نطاق القضية الأساسية التى تتمحور فى دور أهل الفن وليس فى تبرعاتهم، فمصر لا تحتاج لتبرع أحد، لكننا فى مرحلة حاسمة وحثيثة تحتاج إلى أدوار فئوية وليست مظاهرات فئوية. فمع خالص تقديرى لما تم طرحه من قضايا مهمة تُعنى بدعم الفن، فإننى كنت أنتظر أن أسمع عن مبادرة من أهل الفن لدعم الاقتصاد المصرى الذى يمثل المشكلة الآنية الآن، وعلينا ألا ننسى التجارب السابقة مثل «مشروع القرش» الذى أطلقه أحمد حسين وفتحى رضوان عام 1931 من أجل إنقاذ الاقتصاد المصرى عقب انخفاض أسعار القطن، وشارك فيه فنانون ومثقفون وأدباء وفرق موسيقية ومسرحية كانت تجوب المحافظات، نجحوا فى بناء مصنع للطرابيش فى العباسية عام 1933 ليكون أول مصنع بأموال مصرية خالصة من «قروش» المصريين الغلابة. ولا ننسى أيضاً مبادرة السيدة أم كلثوم، عقب نكسة عام 1967، حين تبنت وعدد من أدباء مصر وفنانيها، حملة للتبرع للمجهود الحربى من أجل دعم الجيش المصرى، عبر تنظيم عدة حفلات ذهبت أرباحها لهذا الغرض تحت شعار «الفن من أجل المجهود الحربى»، وقالت: «لن يغفل لى جفن وشعب مصر يشعر بالهزيمة»، وبدأت تتلقى التبرعات من جميع المصريين، وتبرعت بمجوهراتها للمجهود الحربى، وتبرعت سيدات مصر بمئات الكيلوجرامات من الذهب. وأذكر أن سيدات الإسكندرية وقتها وحدهن تبرعن بأكثر من 40 كيلوجراماً من الذهب، وفاق حجم إجمالى ما جمعته أم كلثوم حتى عام 1970 الثلاثة ملايين دولار، هذا خلاف المؤسسات الخيرية التى أسستها بأموالها الخاصة. ولا أعنى بذلك أن يُبادر الفنانون بحملة تبرعات، لكن لك أن تتخيل فناناً بشعبية عادل إمام لو بادر بحملة من أجل ترشيد استهلاك الماء والكهرباء، وبادر بجولات فى محافظات مصر، أو فناناً بقيمة محمد صبحى لو بادر بحملة من أجل تطوير التعليم فى مصر، هذا على سبيل المثال لا الحصر فالأفكار كثيرة، لكنها تحتاج إلى رغبة حقيقية وإخلاص فى حب هذا البلد، لقد هرمنا من الشعارات. كلمة أخيرة: أعزائى الفنانين، مصر تنتظر منكم ما هو أهم من رفع العلم وتلوين الوجه فى ميدان التحرير، مصر لا تريد تبرعاتكم، ولكنها تريد أن تعطوها قدر ما أعطتكم، فتحركوا حتى نراكم، فمصر تنتظر منكم الكثير.