أعتقد أن كل ما يطلق عليه «زىّ إسلامى»، هو محل اختلاف وصراع وممارسات للسلطة، سلطة الفتوى والنصح والتوجيه، بل وسلطة ادعاء المعرفة. فثمة اختلافات حول النقاب، بينما ظهر الحجاب والخمار فى عدة أنماط بحيث يصعب عليك إيجاد نمط متفق عليه بين الناس، بحيث يطلق عليه زىّ إسلامى، خاصة أن المرأة المصرية أضافت إليه فى ضوء ثقافتها كثيراً من الألوان والموديلات، فلم يقتصر «الزى الإسلامى» على اللون الأسود كما هو الحال فى بعض الدول العربية، بل أدخلت عليه المصريات تحسينات، يراها الكثيرون خروجاً عن الشرع. صحيح أن أغلب المصريات يحرصن على ارتداء الحجاب ولا يُظهرن سوى الوجه والكفين، لكن بعض ملابس المحجبات تصف تفاصيل الجسد، مما قد يجعلها أكثر إثارة من الملابس الغربية التى تسمح بكشف الوجه والشعر أو تعريه أجزاء من الجسد. توليفة غريبة وجديدة تجمع بين الحداثة الغربية المعولمة فى الأزياء وتغطية الجسد، ولكن فى إثارة ودلال مقصود. هذا النمط من الزى، وما يصاحبه من أدوات زينة ومكياج يبتعد عن مضمون الزى الإسلامى، فلم يحقق الاحتشام أو البساطة، أو يحض على الفضيلة أو يشجع الشباب على غض البصر. لذلك تندّر عليه البعض وأطلقوا عليه «حجاب على الموضة» أو «الحجاب الأمريكى»!!. ورغم طرافة التسمية وفوضى وتداخل هذا الزى فإنه هو البطل والمسيطر بامتياز على طريقة لبس المصريات المسلمات. ويعكس هذا الحجاب تحايلاً ما على قيود الحجاب التقليدى والخمار، فهو يجردهما من مضمونهما الحقيقى، ويخلق صيغة جديدة للتعايش، بين ما يُعتقد بأنه زى أو تعاليم إسلامية موروثة، وبين أزياء وموديلات غربية مرغوبة ومروَّج لها بقوة عبر آليات العولمة. هل هو نوع من التناقض فى الشخصية والثقافة المصرية؟ أم اجتهاد وإبداع وصيغة توفيقية جديدة يجب أن تحسب فى ميزان حسنات وسيئات المرأة المصرية؟ مهما كانت الإجابة أو التفسير فمن المؤكد أن زى غالبية المحجبات انفصل عن رمزيته ومعانيه الدينية، والسياسية، ولم يعد كما كان قبل سنوات تعبيراً عن هوية، أو عن الانتماء لإحدى جماعات الإسلام السياسى، أو حتى عنواناً للالتزام الأخلاقى والعفة، فقد صار مجرد عادة، أو ربما موضة وزى مقبول اجتماعياً وثقافياً، يتسم بالسهولة فى ارتدائه وانخفاض التكلفة أحياناً. لذلك فكل أنواع الحجاب عند معظم المصريين مقبولة وتعتبر إسلامية، وفى هذا السياق تدور ممارسات للسلطة والتمايز بين المحجبات، وبين المحجبات والمنتقبات، وبين المحجبات والمتنقبات وغير المحجبات. فالمحجبات معاً هن جبهة افتراضية ضد غير المحجبات، والحاصل أن معظم المسيحيات غير محجبات وقليل من المسلمات غير محجبات، من هنا صار الحجاب، أياً كان نوعه، علامة للتمييز الطائفى، فكل من هى غير محجبة يفترض ضمنياً أنها مسيحية إلى أن يثبت العكس، وهو شكل من التمييز غير المقبول، بل سابقة فى تاريخ مصر الحديث، تتعارض مع التقاليد الموروثة التى كانت قد استقرت على ملابس وعادات، ما تزال موجودة فى الريف، تحقق الستر والحشمة للمرأة المسلمة والمسيحية ولا تميز بينهما. المنتقبات فى الشوارع المصرية لهن حضور محدود، لكنه متنامٍ، وعندما يسرن جوار محجبات أو سافرات يظهرن كعلامات على التزام حقيقى، وعيش فى الماضى، ومع ذلك فإنهن يمارسن نوعاً من التعالى السلطوى على المحجبات والسافرات على حد سواء. فقد يشعرن بأنهن أكثر التزاماً بالتعاليم الإسلامية الصحيحة. الشعور نفسه قد يبدو على وجوه المحجبات ضد غير المحجبات. بينما تبدو غير المحجبات، معظمهن، غير قادرات على تبرير عدم تحجبهن فى ضوء التعاليم الإسلامية والتأويلات السلفية السائدة. فأغلبهن قد لا يمتلكن أو يجرأن على اعتماد مرجعية بديلة، وهو ما يعكس هيمنة المرجعية الدينية على ثقافة المصريين -مسلمين ومسيحيين- الذين أصبحوا أكثر اعتماداً على تلك المرجعية فى تسيير شئون حياتهم والتخطيط لمستقبلهم. فكل النقاشات تبدأ أو تنتهى بحكم الشرع وما انتهى إليه الفقهاء من اجتهادات، بينما تراجعت مرجعيات أخرى كالمصلحة والبيئة والقانون والفكر الإنسانى.