«عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم»، فلو أن المرشح الرئاسى المشير «عبدالفتاح السيسى» لم يتعرض لأكثر من محاولة لاغتياله، لربما لم يضطر لعقد لقاءات مباشرة من قطاعات مختلفة من الشعب المصرى.. كان من بينها قطاع رجال الأعمال الشباب واتحاد الصناعات. رجال الأعمال، هم «الفئة المدللة» فى عصر «مبارك»، التى تضخمت ثرواتها واستفحل نفوذها السياسى حتى أصبحت تدير الدولة لحسابها فى العشر سنوات الأخيرة من عهد «مبارك»، وتشكلت آخر وزارة من رجال الأعمال.. فهل آن الأوان ليشاركوا فى انتشال الوطن من محنته. إذا كنا نشبه المشير «السيسى» بالزعيم الراحل «جمال عبدالناصر»، فقد تسبب قلة من رجال الأعمال فى خلق مناخ أشبه بالذى أدى لقيام ثورة يوليو 52: «انتشار الفساد والرشوة والمحسوبية».. فقام «ناصر» ورفاقه بالثورة للقضاء على الإقطاع.. فهل يصح لنا الآن أن نطالب من حولوا الوطن إلى «إقطاعية» يحكمونها، بتوفير مناخ تسوده العدالة الاجتماعية؟ قطعاً لا أحد يطالب بمصادرة ثرواتهم كما فعلت ثورة يوليو 52، رغم أن البعض حاول الترويج لأن «السيسى» طالب رجال الأعمال بتوفير 100 مليار دولار، يفترض أن يتم توظيفهم فى استثمارات جديدة وتوفير فرص عمل للشباب، واستغل الموقف لإثارة الوقيعة بين الطبقة المخملية و«الرئيس المقبل بإذن الله». لكن الحقيقة أن المطلوب منهم هو تحقيق البعد الاجتماعى للاستثمار، كما يحدث فى كل دول العالم، وألا يعتبروا الوطن «محطة ترانزيت» يغتنمون خلالها ثروات بالمليارات.. ثم تعبر الثروات خارج الحدود لترقد فى بنوك أوروبا!. لقد عرف المواطن «العيشة الضنك» مع «انفتاح السادات»، وعرف «الجوع الكافر» فى احتكار أمانة سياسات «جمال مبارك» لفرص الحياة الكريمة.. حتى سقطت الطبقة الوسطى تحت خط الفقر.. فهل كثير أن يطالب المشير «السيسى» رجال الأعمال الشباب واتحاد الصناعات بمساندة مصر؟!. لقد قالها المرشح الرئاسى بوضوح، فى لقائه بالإعلاميين (خالد صلاح ووائل الإبراشى ولبنى عسل)، قال إنه طلب من رجال الأعمال الاصطفاف من أجل المصلحة الوطنية.. لكن الإعلام حول الموقف إلى مواجهة بينه وبين «أهل البيزنس»!. أليس من المنطقى أن يطالب قائد يدير أزمة وطن بتخفيض الأسعار للناس «الغلابة»، وأن يعمل مع الحكومة والقطاع الخاص للارتفاع بجودة السلع والخدمات المقدمة للمصريين.. أم أن المطلوب منه أن يوزع الوعود الانتخابية دون وضع آليات لتحقيقها؟. فى حواره الأخير أكد «السيسى» أن التنمية الشاملة ستتم بالحوار والاتفاق بين الحكومة والقطاع الخاص، وأنه سيعمل من أجل تعديل التشريعات المتعلقة بالاستثمار التى تجعل يد الحكومة مرتعشة والتنمية بطيئة.. لكن البعض يحلو له تسميم الأجواء وافتعال صدام لم يحدث. تحقيق العدالة فى توزيع الثروات لن يتم ب«الكرباج» ولا بالإكراه، لكن كما قال المشير «السيسى»: «سكان القصور لا يستحقون دعم الكهرباء.. حتى يصل الدعم للفقير الذى يسكن غرفة واحدة».. لكن حتى ثقافة ترشيد الاستهلاك غائبة عن مواطن قام بثورتين من أجل (العيش والحرية والعدالة الاجتماعية)!. مفهوم العدل نفسه مختلف عليه، فسكان العشش الصفيح فى العشوائيات لا يطلبون إلا «الستر».. بينما أصحاب الطائرات الخاصة واليخوت قد يرون العدل فى «تسقيع الأراضى» ثم بيعها بعشرة أضعاف الثمن الذى قسطوه للدولة على عشرات السنوات. لقد قال لى أحد رجال (أمانة سياسات الوطنى) إنه إذا اشترى الأرض، (طبعاً بأموال البنوك)، وباعها بعد عدة سنوات يكسب أضعاف سعرها، وإذا بناها عمارة سكنية يكسب الضعف، أما إذا بنى مصنعاً فقد يخسر.. إنها عقلية مقامر وليست عقلية «رجل أعمال».. يقامر بالشعب والبلد ولا يهتم إلا بالمكسب!. المشير «السيسى» يقدر تماماً الكساد الاقتصادى الذى تعرض له رجال الأعمال فى السنوات الأخيرة، لكنه يدرك أيضاً أن موجات الغلاء جرفت البسطاء إلى قاع بئر عميقة.. ولهذا تعجبنى دائماً كلمة «التوازن» كلما رددها سيادة المشير. مصر لن تقبل بعد الآن تقطيعها كقالب حلوى وتوزيعها على مئات الأشخاص، مقابل ملايين الشباب يعانون البطالة والعنوسة.. وملايين آخرين يسحقهم العوز. لم يعد بيننا مكان للمقامرين بالمستقبل، البلد يتسع للمليارديرات شريطة أن يتصرفوا كما يحدث فى أعتى الدول الليبرالية.. ويسددوا فواتير المواطنة من ضرائب وفرص عمل ورعاية للبحث العلمى والمتفوقين علمياً أو رياضياً.. صحيح أن بيننا رجال أعمال يفعلون الكثير من الأعمال الخيرية.. لكنهم قلة نادرة.. وما تطلبه مصر ليس صدقة أو منة.. لكنه حق وواجب على جميع من أثروا من خيراتها.