وجود حمدين صباحى داخل مشهد الانتخابات الرئاسية كان ضرورة، ليس من أجل إكمال أو تجميل الصورة أو إخراج حدث اختيار رئيس الجمهورية الجديد فى شكل انتخابات وليس استفتاء، بل بهدف تقديم رؤى مختلفة للناخب المصرى يستطيع الاختيار فيما بينها. أفكار «حمدين» جيدة، وأداؤه الانتخابى متميز، وبرنامجه منحاز للفقراء وأكثر تعبيراً عن ثورة 25 يناير، وفى المقابل من ذلك يتمتع المشير «السيسى» بشعبية واضحة، وقبول تام من جانب أجهزة الدولة، ورضا من جانب المؤسسة العسكرية، لكن برنامجه غير واضح، وأفكاره -كما بان من حواراته- تبدو متماسكة فى أحوال وعائمة فى أحوال أخرى، فهو يتحدث عن الفقراء كثيراً، دون أن يمنحهم وعوداً، كما يفعل «حمدين»، بل إنه على العكس يطلب منهم التقشف فى المأكل والمشرب والملبس والمركب، إلى أن تستطيع مصر الوقوف على قدميها، وبعد ذلك يعطيهم! المنطق يقول إن أفكار وبرنامج «حمدين» أقدر على إغراء الكثير من أبناء الطبقة الفقيرة والوسطى بتأييده والتصويت له فى الانتخابات الرئاسية، لكن ذلك صعب الحدوث بعض الشىء. هذا الأمر يمكن تفسيره بوجود إحساس لدى المواطن بأن الدولة ومؤسسات الدولة -بعد التجربة المريرة مع «المعزول»- لن ترضى بغير «السيسى» بديلاً، كرجل منتمٍ إلى واحدة من أبرز مؤسسات الدولة، التى ظلت مؤسسة الحكم ومصدر شرعيته طيلة ستين عاماً، ولم يخرج من حضانتها سوى عام واحد. المواطن يفهم أن مؤسسات الدولة قد تتردد فى التعاون مع «حمدين صباحى» إذا وصل إلى السلطة، بل قد تضع فى طريقه العراقيل والعقبات بشكل يحول دون أن يكمل مدته، لتدخل البلاد فى حلقة جديدة من حلقات عدم الاستقرار، ذلك ما لا يريده الكثيرون، لذلك تجد أن من يُعجب من هؤلاء بأفكار أو أداء «حمدين» لا يستطيع أن يمنحه صوته بسهولة، أملاً فى تحقيق الاستقرار على يد «السيسى». تجربة السنة التى حكم فيها «مرسى» ما زالت أوجاعها حية لدى الكثيرين. ولو أنك سألت هؤلاء عن موقفهم من التصويت فى الانتخابات الرئاسية فسوف تجدهم يقولون لك: «معجبون بحمدين لكن سنصوّت للسيسى»! هذا التفكير يتسم بنوع من الخلط البين. فالوضع بالنسبة ل«حمدين» مختلف أشد الاختلاف عن وضع «مرسى». ف«حمدين» ليس عضواً فى جماعة، وليس لديه التزام تنظيمى محدد، والأهم أن «صباحى» لديه رؤية إصلاحية، وقطع على نفسه العديد من العهود والوعود. الله تعالى أعلم بنيته لكننا نحكم على الظاهر من كلامه، وما نطق به «حمدين» نستطيع بسهولة أن نحاسبه عليه. وشواهد عديدة تدلل على أن «حمدين» يتمتع بدرجة لا بأس بها من الجدية فى تحقيق الإصلاح، وهو أمر كان يفتقر إليه «مرسى» من جميع الوجوه الذى وضع لنفسه هدفاً واحداً يتمثل فى تمكين جماعته من رقبة الدولة. لو جاء «حمدين» وبدأ مشوار الإصلاح سيرضى عنه الناس، لن يدعو أحدٌ الشعبَ إلى النزول ضده، كما حدث مع «مرسى»، ولن تقوى أية مؤسسة من مؤسسات الدولة على مواجهته، لأن الإصلاح سيُمكنه من الاستناد على ركن ركين اسمه الشعب!