الابتسامة لا تفارقه.. الراحة أول شعور يصل إلى قلبك عندما تراه، الكرة أحبته بعد أن غازلها، والجماهير عشقته بعد أن وضعها فوق رأسه، الغرور غاب عنه، فدائما ما يرفع يديه إلى الله دعاءً، ويسجد له شكراً، إنه "تاجر السعادة" و"أمير القلوب" .. اللاعب الخلوق محمد أبو تريكة. دخل إلى بوابة النادي الأهلي في عام 2003، وفي يده العصاة السحرية، وعلى قدمه كانت التعويذة الغريبة التي لم تصمد شباك المنافسين أمامها، وابتسامته كانت مفتاحا لقلوب الجماهير، التي تربع فيها ملكا متوجا، ببطولات محلية رصيدها 14 هي الأروع، و7 ألقاب قارية كانت الأكثر لجيل ذهبي، عرف معه معنى أن تكون على القمة دائما. صاحب القميص "22" ليس مجرد لاعب كرة قدم موهوب، أو شخصية مشهورة يعرفها الجميع خارج مصر وداخلها، إنما هو رجل صنعته مواقفه الإنسانية، والتي ظهرت واضحة في عام 2006، ليكون الصديق الوفي لرفيق الملعب الراحل محمد عبد الوهاب، فيرتدي القميص رقم 3 لجناح مصر الطائر عبد الوهاب في أول مباراة بعد وفاته، وينهمر في البكاء عقب إحرازه هدف المباراة، ويقبل الشارة السوداء، في يوم لا تنساه الكرة المصرية. أبو تريكة، لم يصمت على مجازر الاحتلال الإسرائيلي في غزة، وأعلنها صريحة في كأس الأمم الإفريقية يناير 2008، عندما حول الاحتفال بهدفه في مرمى السودان إلى صورة إنسانية رائعة، فكشف عن الشعار المكتوب على ملابسه تحت قميص اللعب وهو "تعاطفا مع غزة"، وهو القميص الذي روجت به نقابة الأطباء لحملتها لجمع التبرعات لفك حصار الشعب الفلسطيني. "يجب علينا أن نساعد الفقراء بقدر الإمكان، حتى لا يشعروا بالغربة في المجتمع"، لم تكن تلك كلمات ناشط حقوقي، بل قالها أبو تريكة بكل صدق، عندما أبدى تعاطفه مع فقراء العالم، وانضم إلى اللاعب البرازيلي رونالدو، واللاعب الفرنسي زين الدين زيدان، إضافة إلى 40 من نجوم الكرة العالمية في مباراة ضد الفقر، من أجل جمع التبرعات والتوعية بمحاربة الفقر في شتى أنحاء العالم، وليس ذلك فقط، فاختير أبو تريكة سفيرا لبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة لمحاربة الفقر. محمد أبو تريكة، ليس مجرد إنسان متدين، يؤم زملاءه في الصلاة، ويخطب بهم الجمعة، ويلقنهم دعاء السفر في رحلاتهم الخارجية، إنما هو يمثل الدين في سماحة أخلاقه وتواضعه، وإحساسه بمعاناة الآخر، فتجده بين أطفال صغار، يعيد لهم الأمل بعد أن فقدوه بالمعاناة مع مرض السرطان، فيلعب معهم ويشاركهم أحزانهم، ويتبرع من أجل علاجهم، وعودتهم للحياة الطبيعية. " أنا كنت بحلم أشوفك.. وربنا حقق حلمي"، كلمات أخيرة نطق بها أحد شهداء بورسعيد، قبل أن تصعد روحه للسماء، هذه الكلمات هزت كيان أبو تريكة وأبكته، وجعلته يضع نصب عينيه كلمة واحدة هي "القصاص"، فرفض مصافحة المشير طنطاوي أثناء استقباله للاعبي الأهلي بعد الحادث الأليم، وشارك أهالي الشهداء أحزانهم، ووعدهم بألا تذهب الدماء هدرا دون قصاص من القتلة، ويثبت ذلك فعلا لا قولا، عندما يرفض عودة الدوري والمشاركة في مباراة السوبر، قبل استرداد حق الشهداء، ليكون أبو تريكة والأولتراس "إيد واحدة"، من أجل نفس بشرية لا تعلم بأي ذنب قتلت.