بعد نحو 4 أشهر من ظهور فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" فيها، تمكنت ألمانيا من مواجهته وبداية استعادة الحياة فيها من جديد بشكل عادي، كونها تمتلك واحدا من الأنظمة الصحية القوية والمتميزة بالعالم، حيث تتجه لرفع إجراءات الإغلاق المفروضة "بشكل كامل" خلال الشهر الجاري، وهو ما ستحسمه، اليوم الأربعاء. ووفقا لوكالة "فرانس برس"، فإن مسودة اتفاق بين الحكومة ومسؤولي المناطق تظهر أن ألمانيا تستعد لإعادة فتح كل المحلات التجارية والمدارس واستئناف دوري كرة القدم اعتبارا من مايو الجاري، بشروط محددة والنظافة، حيث باتت تلك الإجراءات ممكنة في حال استمرار عدد الإصابات الجديدة بكورونا "ضئيلا"، وبالنسبة للمطاعم والمقاهي والحانات والفنادق، يترك النص المجال للحكومات المحلية لاتخاذ قرار بشأن استئناف العمل فيها. وشهدت ألمانيا 6 آلاف و993 وفاة بسبب فيروس كورونا، في حين بلغ عدد الإصابات 167 ألفا، أما عدد المتعافين من المرض فقد تجاوز 135 ألف شخص، حيث إنها واحدة من بين الدول الأوروبية الأقل تضررا بفيروس كورونا، وهو ما يرجع إلى الخطة المحكمة التي وضعتها الحكومة منذ بداية ظهور المرض، والتي اعتمدت على استراتيجية تتبع دقيقة منعت انتشار الجائحة بضورة كبيرة. ساهم ذلك، في زيادة شعبية المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، كما حظيت بتقدير واسع لإدارتها الجيدة لأزمة الفيروس، حيث أكدت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن ميركل تولت "القيادة العالمية" بعد تراجع كل من واشنطن وبكين. كيف احتوت ألمانيا أزمة كورونا؟ تمكنت برلين من احتواء واحدة من أسوأ الأوبئة في العالم الحديث، بطريقة ناجحة للغاية، ساعدها فيه كونها تمتلك واحدة من الأنظمة الصحية الأفضل في العالم، لذلك وتستند الاستراتيجية الألمانية لمواجهة الفيروس بشكل أساسي لإجراء الفحوص المكثفة، ووضع المرضى في الحجر الصحي، منعا لاستنفاد طاقات مستشفياتها وأطقمها الطبية. وتفرض الولايات الألمانية حجرًا صحيًا صارما مع تفشي فيروس كورونا، في أنحاء البلاد، حيث إنه منذ وصول الوباء إليها، لجأت السلطات لإجراء نحو 300 إلى 500 ألف فحص للكشف عن الفيروس أسبوعيا، والآن تتجه إلى رفع الحد يوميا؛ ليصل إلى 200 ألف فحص، وهو ما يجعل برلين مثالا كما يقول البعض، لطريقة إدارتها لأزمة الوباء، إذا ما قورنت مع دول أوروبية أخرى مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا. وسبق أن أكد رئيس ديوان المستشارية، هيلغه براون، أن ألمانيا تريد اتباع نهج كوريا الجنوبية لمواجهة المرض، عبر استخدام GPS والبيانات لتحديد دائرة المصابين بالمرض، لكن مع ضرورة احترام البيانات الشخصية. وكشف استطلاع حديث للرأي، أجراه معهد "يوجوف" لقياس مؤشرات الرأي، أن نصف الألمان تقريبا ليس لديهم مانع في استخدام بيانات هواتفهم المحمولة للغرض ذاته، فيما رفضت نسبة 38% الإجراء، و12% اختارت عدم الإجابة. الصمود الألماني أمام أوروبا صمود ألمانيا وقلة أعداد الإصابات والوفيات فيها، كان مثيرا للتساؤل والانتباه، لذلك أورد موقع "أن بي سي نيوز" الإخباري الأميركي، أن برلين مجهزة بشكل أفضل من معظم البلدان عندما يتعلق الأمر بالرعاية الصحية، إذ لديها 28 ألف سرير للعناية المركزة، وهو أعلى بكثير من المتوسط الأوروبي، كما أنها لم تتعرض للوباء في وقت مبكر مثل إيطاليا وأماكن أخرى، وبالتالي فقد كان لديها الوقت الكافي للاستعداد. وتابع أن العديد من الخبراء يعتقدون أن السبب الرئيسي وراء معدل الوفيات المنخفض نسبيا هو العدد الكبير من الاختبارات التي تمكنت من إجرائها. إجراءات احترازية في منتصف مارس الماضي، بدت شوارع ألمانيا خالية من المارة، حيث اتفقت المستشارة أنغيلا ميركل مع رؤساء حكومات الولايات الألمانية على عدد من الإجراءات الحاسمة لمواجهة الفيروس، منها منع التجمعات في الأماكن العامة، والتي يزيد عدد الحاضرين فيها عن اثنين، واحترام مسافة 1.5 متر على الأقل في الأماكن العامة، مع غلق المطاعم وصالونات الحلاقة، وسبقهم قرار تعطيل الدراسة. كما أوصت الحكومة الاتحادية باستخدام أقنعة الحماية "الكمامات" في المواصلات العامة وداخل المتاجر "كأمر ضروري"، والحظر على الأحداث الرئيسية مثل الفعاليات الرياضية حتى 31 أغسطس، وكذلك إغلاق الحانات، وحظر التجمعات الدينية في الكنائس والمساجد والمعابد، بحسب موقع "دويتش فيله" الألماني. العودة التدريجية كما أصدرت ميركل قرارا بتمديد فترة التباعد الاجتماعي حتى الثالث من شهر مايو، مع وضع قواعد موحدة وملزمة للوقاية من فيروس كورونا، منها الالتزام بمسافة متر ونصف متر، على الأقل، بين كل شخص وآخر في مكان العمل، وبالأحرى داخل المباني، وكذلك في الأماكن المفتوحة ووسائل النقل. وتابع "دويتش فليله" أنه يجب تنظيم مسارات العمل بحيث لا يحدث اتصال مباشر بين الموظفين، إلا بأقل قدر ممكن، على فترات الراحة وتبادل نوبات العمل، وخلال الوجود في المكاتب، إضافة لمنع حضور أي مريض إلى مكان العمل. وستسمح السلطات للمواطنين بالعودة إلى حياتهم الطبيعية وأعمالهم، بعد فترات الحظر الطويلة، عن طريق إصدار "شهادات مناعة"، حيث إنه من المنتظر أن تسمح الشهادات لمئات الآلاف بالعودة للخروج من منازلهم والتنقل، في وقت سابق عن باقي المواطنين، لكن بعد إتمام إجراء حتمي، بحسب صحيفة "دير شبيجل" الألمانية. شهادات المناعة، هي اختبارات لاكتشاف ما إذا كان الشخص طوّر أجسامًا مضادة لفيروس "كوفيد-19"، ما يعني أنّه كان في وقت من الأوقات حاملا للفيروس، وبالتالي يكون قد استطاع بالفعل تكوين مناعة من الوباء الذي يروع العالم، والتي تم تصميمها بالفعل، وفقا للصحيفة الألمانية. وفي 15 أبريل الماضي، أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أن المتاجر الأصغر ستفتح الأسبوع المقبل، وسيعاد فتح المدارس لبعض التلاميذ اعتبارا من 4 مايو، لكن مجموعة أخرى من القيود واسعة النطاق ستظل سارية، بما في ذلك حظر تجمعات أكثر من شخصين في الأماكن العامة وفي المناسبات العامة الكبيرة. وبعد يومين، أعلن وزير الصحة الألماني ينس سبان، أن جائحة كورونا في ألمانيا "تحت السيطرة"، بفضل الإجراءات التي فرضت بعد زيادة مبكرة في الحالات، حيث إن إبقاء الناس في منازلهم منذ منتصف مارس كان ناجحا، حيث تستعد البلاد لتخفيف الإجراءات وزيادة إنتاج الأقنعة الواقية، موضحا أنه: "لقد تراجعت أعداد الإصابات بشكل ملحوظ، خاصة الزيادة النسبية يوما بعد يوم، تفشي المرض اليوم أصبح تحت السيطرة". ومنذ ذلك الحين، من إعادة الفتح في 20 أبريل الماضي كمرحلة أولى، شهدت البلاد تطورا، حيث نه لم تسجل "أي موجة جديدة" للعدوى حتى الآن، وفقا للمسودة التي نشرتها "فرانس برس". وفي مطلع الشهر الجاري، أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية الألمانية، اليوم، أن بلاده، المشتركة في منطقة الشنجن مفتوحة الحدود في أوروبا، ستمدد إجراءات الفحص على حدودها حتى 15 مايو، وفقا لما نشرته وكالة "رويترز".