سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
صيادو بورسعيد يواجهون البلطجة و«مصنع الموت» ويتخلون عن مهنتهم بعد موت أسماك بحيرة المنزلة «سنمار للكيماويات» يقع على بعد 200 متر فقط من المناطق العمرانية فى «القابوطى».. بالمخالفة لقانون البيئة
رغم السعادة التى أبداها أهالى منطقة القابوطى فى محافظة بورسعيد بالحملة الأمنية للتخلص من بلطجية بحيرة المنزلة، فإن فرحهتم لم تدُم طويلاً، بسبب ما يتعرضون له من تهديدات بالموت كل لحظة، جراء تفاقم الانفلات الأمنى فى الجزء الواقع من البحيرة فى بورسعيد، الذى يعد قناة الاتصال بين بحيرة المنزلة وقناة السويس، فضلاً عن وجود مصنع «تى سى آى سنمار» للكيماويات، الذى تسبب، حسب قولهم، فى جفاف البحيرة، وموت الأسماك بها. بُحّ صوت أهالى «القابوطى» لمطالبة المسئولين بإنقاذهم من مصنع «سنمار» الذى أطلقوا عليه «مصنع الموت»، حيث إن صرف المصنع يصب داخل البحيرة ويؤدى إلى هلاك الأسماك بها، فضلاً عن الضرر الذى يلحق أيضاً بسكان المنطقة التى يتواجد بها المصنع، حيث أثبتت التقارير تجاهل وزارة البيئة للقانون، الذى ينص على أن إقامة المصانع يجب أن تبتعد مسافة لا تقل عن 5 كيلومترات عن المناطق العمرانية وليس 200 متر، كما هو قائم حالياً فى منطقة القابوطى. ويقول فهمى السيد، أحد العاملين بالمصنع، إن «المصنع به مواد ضارة جداً، تتسبب فى أغلب الأحيان عند تصريفها فى ترك السكان لمنازلهم، وخروجهم إلى الهواء الطلق»، ويحكى «فهمى» عن مهنته كصياد التى زاولها لمدة ثلاثين عاماً، بأن بناء المصنع جعله يترك الصيد ويعمل فيه، حيث توقفت مهنة الصيد تماماً، إذ إن المصنع قد نال من جزء كبير من البحيرة، وهو ما يعد أحد التعديات على أرضها وأكبر الملوثات لها. ويكمل «فهمى» الذى يبلغ من العمر 48 عاماً، أنه يوجد داخل المصنع بعض التقنيات الحديثة للتنقية التى يجرى استخدامها فقط أثناء تواجد لجنة من وزارة البيئة بالمصنع، وبعدما تنصرف اللجنة يعود كل شىء كما كان عليه فى السابق. ويضيف أن النائب السابق أكرم الشاعر عاين المكان أكثر من مرة بعد شكاوى وصلت إليه ضد المصنع، لكن النتيجة لم تتغير، والوضع ظل على ما هو عليه، وحين يتحدث أهالى القابوطى مع أى مسئول يكون الرد: «المصنع ده مش هيتهد دى سياسة عليا». ويقول الحاج أشرف العراقى (63 عاماً) الذى يعمل صياداً، إنه يذهب بشكل يومى للصيد مع أهالى القابوطى، لكنهم يتعرضون لهجوم من البلطجية، الذين يهددونهم فى لقمة عيشهم هم وأكثر من 3000 صياد بتلك المنطقة من بورسعيد، وعندما يتوارى البلطجية، يواجهون هروب الأسماك من الماء، بسبب التلوث الناجم عن إفراغ مصنع «سنمار» للكيماويات الخاصة به، والأسماك التى تفشل فى الهرب تعوم على سطح المياه، لكنها تعوم «ميتة». ويطالب الصياد محمد حميد (42 عاماً) بوجود نقاط أمنية داخل البحيرة، حتى تحميهم من المجرمين، الذين ينتهكون حقوق البيئة، على حد وصفه، بصناعة شبك ضيق، يصيد السمك «الزريعة»، ومنع السمك من النمو، ويوضح: «دا غير المجرمين اللى بيسرقوا مواتير مراكب الصيد وبيقتلوا أصحابها وبيقطعوا تحاويط الغزل، اللى بيجمع به الصياد السمك، ومحدش يقدر يوقفهم». يُذكر أن اللواء أحمد عبدالله، محافظ بورسعيد، وافق مؤخراً على تشكيل لجنة شعبية لتقصى الحقائق للوقوف على الحالة الحقيقية لمصنع «تى سى آى سنمار» كأحد مصادر تلويث قناة الاتصال فى بحيرة المنزلة ضمن مجموعة من الصناعات الأخرى، مثل الصناعات الكيميائية والدهانات والمنظفات، التى يعتبرها أهالى بورسعيد ملوثة ومدمرة للبيئة الخاصة ببحيرة المنزلة، وجاء رد فعل المحافظ نتيجة لضغوط مجموعة من منظمات المجتمع المدنى والعلماء والبيان الختامى للمؤتمر الأول للدفاع عن حقوق المواطنين البيئية فى محافظة بورسعيد الذى عقد يوم 28 يوليو 2011 تحت رعاية المؤسسة الدولية للحفاظ على البيئة والاستدامة. ويؤكد إبراهيم نوفل، شيخ الصيادين، أنه قدم العديد من الشكاوى بشأن مشكلة مصنع «سنمار» للكيماويات، دون جدوى، وأبدى حزنه الشديد لما يحدث للصيادين حالياً، حيث يخرجون فى الصباح على أمل الرزق الوفير لأسرهم، لكنهم يعودون خائبى الرجاء. ويضيف «شيخ الصيادين» أن الحملة القائمة حالياً على البحيرة من المتوقع أن تؤتى ثمارها، لكنها يجب أن تستمر فى عملها لشهور، حتى يمكن القضاء على البلطجة والإجرام فى البحيرة بشكل نهائى، كما تحدث عن اتصالات لا تنقطع بينه وبين الجهات الأمنية، مطالباً بمزيد من الجهود للقضاء على المجرمين، الذين يسكنون البحيرة، ويستولون على خيراتها. ويكمل «شيخ الصيادين» أن الجمعية العمومية لصائدى الأسماك بمنطقة القابوطى تقدمت إلى وزير الزراعة بطلب إحاطة، حيث إن الحفارات الخاصة بتطهير بحيرة المنزلة فى منطقة بورسعيد مملوكة بالأساس لبعض الخارجين على القانون وأصحاب المزارع السمكية وشاغلى المراحات داخل البحيرة، الذين يهمهم مصلحتهم ولا يهمهم تطهير البحيرة، مشيراً إلى أنهم يخرجون مع الحملة بالفعل، لكن بعد الانتهاء منها يفتحون السدود ويعيدون الوضع إلى ما كان عليه مرة أخرى. ويتحدث الحاج العربى إسماعيل بأسى عن مهنة الصيد التى ورثها عن والده، وعدم انتظاره لوظيفة الدولة، رغم حصوله على شهادة من معهد إعداد الدعاة، فرغم بلوغه سن الأربعين أصبح غير قادر على تلبية متطلبات أسرته، لأنه لا يعرف سبيلاً للرزق سوى الصيد، الذى أصبح صعباً فى ظل انعدام الأمن وانتشار القتل والسرقة وتهديد الصيادين داخل مياه البحيرة. ويوضح أن البحيرة خاصة فى منطقة بورسعيد أقيم عليها كثير من المصانع خلال السنوات الماضية، على ضفاف الطريق بين محافظتى بورسعيد ودمياط، كما كان هناك بحيرة بالكامل فى جنوب «القابوطى» جرى ردمها بالقمامة من قِبل الحكومة وأهدرت ثروة سمكية كبرى، حيث إن نسبة عمق المياه كانت تبلغ 9 أمتار داخل «القابوطى» وهى قناة الاتصال بين بحيرة المنزلة وقناة السويس، الآن أصبحت لا تتجاوز مترين، وذلك نتيجة تراكم التسريبات والمخالفات، وانتشار المخلفات داخل البحيرة وتلوثها. ويقول رضا أحمد، الذى تبدو على ملامحه علامات الشقاء، أثناء إعداده للشبكة الخاصة بالصيد: «بشتغل صياد من وأنا طفل صغير، لأنها وراثة عن عائلتى، الحال هنا فى منطقة القبوطى أصبح سيئاً جداً، فالصيادين لم يعد لهم القدرة على الصيد كما كان فى الماضى، نتيجة التعديات على بحيرة المنزلة وانتشار القتلة والسرقة فى البحيرة». ويكمل الرجل الأربعينى بأن البحيرة تحتوى على عصابات منظمة، اتخذت منها مأوى لها للهروب والعيش وممارسة أعمال البلطجة على الأهالى والصيادين. ويوضح أنه عندما ذهب الصيادون للشكوى من البلطجة بقسم الشرطة كان الرد من أحد الضباط: «خلى الثورة تنفعكوا»، لكن «رضا» يؤكد أنه لا يريد سوى عودة الشرطة لعملها وفقط. ويقول الصياد محمد غنيم (35 سنة) إنه لم ينزل البحيرة منذ بداية الحملة خوفاً من القبض عليه، دون وجه حق. ويوضح أنه يرى تلك الحملة فاشلة كسابقتها، على حد وصفه، لأن المجرمين الحقيقيين هربوا وسيعودون إلى البحيرة بعد هدوء الأوضاع، وكعادة «الداخلية» ستقبض على أبرياء لا دخل لهم بالقضية، وفق رؤيته. ويطالب محمد القماش (49 سنة - صياد» بحملة أخرى لمنع التلوث فى البحيرة بجوار الحملة الأمنية للقبض على المجرمين. ويوضح أن الرحلة اليومية للصيد تنتج عن مكسب 5 أو 6 جنيهات، لكن التلوث وردم البواغيز يعمل على منع وصول الأسماك إلى باقى البحيرة، كما أن الحفارات التى تملكها الحكومة والتى تعمل 8 ساعات يبيع سائقوها السولار إلى أصحاب المزارع السمكية ثم يوقعون على المستندات بأنهم أجروا عمليات توسيع البواغيز. ويحكى محمد الدسوقى (45 سنة) الذى يقطن بمنطقة القابوطى، وتحول من مهنة الصيد التى ورثها عن أجداده إلى عامل بمشحمة سيارات، ليتمكن من الإنفاق على علاجه من قرحة فى المعدة، قائلاً: «سكان القابوطى يعانون الفقر والتلوث، والمسئولون لا يعيرون اهتماماً لمشكلاتنا». ويكمل: «مصنع الكيماويات يفتح خزانات الصرف الكيميائى بعد العصر يومياً فى مياه البحيرة، مما أدى إلى جفافها، وتحولها إلى بحيرة صغيرة لا يوجد بها سوى سمك الشبار الملوث، بعد أن كانت تنتج أفضل أنواع الأسماك».