الحياة سلسلة من الاختيارات.. اختيار يعقدها وآخر يصحح مسارها.. والعالم المتحضر يختار العلم، فيُصحح حياته ويطورها ونحن فى مصر نمتلك قدرةً مذهلة على تحوير العلم وتحويله إلى سبوبة وتشويه المعارف بالبحث عن طريقة للنصب باسمها.. فنحن نمتلك طابوراً خامساً فى كل شىء فى الحياة. قد ندرك بعضه ولا ندرك أكثره. عندما يتزاوج الفساد والجهل، فالمؤكد أن الناتج هو البطالة ونقص الوعى، والبعض يجيد الاستثمار الجيد فى حاجة الناس ويجد ضالته فى انعدام العلم والتنوير، فيأخذ من العلم قشوراً لامعة براقة تسهل صيد الفريسة، ولأننا نبحث دائماً عن النجاح والتحقق والتفوق، ولأن هناك علماً يرشدنا كيف نصبح فى نجاح وكيف نحقق أهدافنا فى الحياة.. علم يؤكد أن الظلام بداية النور، والضغوط بداية الراحة، والفشل بداية النجاح، ولكننا نعانى فى مصر منذ سنوات من ترجمة هذه الشعارات واستغلالها فى بيزنس جديد من خلال دورات فى الارتقاء بالذات ودورات للبرمجة اللغوية العصبية.. دورات فى الشفاء الذاتى والطاقة الكونية، وكله بحسابه والبيزنس يتضخم، وبالتالى فهناك من يدخل هذه الدورات ليطور نفسه ثم يجد أنها فرصة من الهواء ليصبح مدرباً بالتنمية البشرية فى عشرة أيام ليتم تشويه الإرشاد النفسى ويختلط الحابل بالنابل والعلم بالفهلوة والتجارة باستغلال إحباطات الناس وبيع الوهم لهم، وتزيد جيوش الموهومين، حيث الاعتقاد بأن النجاح وصفة جاهزة معلبة تتناولها فتصبح ناجحاً، والسعادة كبسولة تتعاطاها فتصبح سعيداً، فقط قل لنفسك أنت إنسان ناجح وسوف تنجح، أما العلم والكفاءات والموهبة فهى أشياء ثانوية. علم التنمية البشرية يساعدنا فى تطوير الذات وفى التواصل مع الآخرين وكيفية إدارة الأزمات وتحسين القدرة على الاختيار، ولكنه تحول فى مصر بفضل أدعياء العلم إلى بيزنس وسبوبة تعطى أملاً كاذباً وتقدم مسكنات وقتية تنهار مع أول اختبار لتبقى مجالات التنمية البشرية بوابات سحرية جديدة للنصب وعالماً غامضاً تختلط فيه المعايير، خصوصاً عندما يصدق البعض أن هناك من يمتلك علاجاً لأمراض السرطان بالطاقة الخاصة، وبالتالى أصبح البعض يتصوّر أن عالم التنمية البشرية هو الحل السحرى لكل مشاكل الحياة، مع كامل السهولة واليسر وأن مدرب التنمية البشرية ساحر وقادر على إطلاق مارد النجاح من سباته العميق، بينما دورات التنمية البشرية بيزنس يستنزف العقول والجيوب. إنهم يأخذون من سحر الكلمات والشعارات والتحفيز النفسى ليقوموا بغسل مخ بعض الموهومين ووضع السم فى العسل وإعطاء صورة نفسية زائفة للشخص عن نفسه وقد ترتد عليه. علم التنمية البشرية يحفز الطاقات الإيجابية، ولكنه لا يحيى العظام وهى رميم، ولكن الاستسهال والكسل العقلى والرغبة فى الحصول على كل شىء فى كبسولات، جعلت لهذا البيزنس أرضاً خصبة فى مصر. لو كان النجاح خيالاً فقط لتخيلناه، ولكن للأسف البعض يمتلك خيالاً غير مبدع وعقلاً كسولاً والحلول الحقيقية لا تدرك بمجموعة دورات، والحلول ليست قابعة فى أى مكان هناك فى انتظارك.. العلم والتنوير والتفكير الجيد والوعى وإعمال العقل والتجربة والإرادة ليست كبسولات أو دورات، ولكنها ثقافة ومنهج وأسلوب حياة. مصر تحتاج إلى تنمية بشرية حقيقية ولكنها ممتلئة بالأكاذيب والضلالات.