فى هذه الرسالة الثانية إلى الرئيس القادم أثير معه قضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفق منهجية تقوم على التخطيط المتكامل وتراعى الأبعاد والظروف المحلية والخارجية التى مرت بها مصر منذ سقوط نظامى «مبارك» و«مرسى». إن المشكلة الأساسية فى جهود التنمية السابقة على مدى سنوات ما قبل 25 يناير كانت التجزؤ والانفصال بين خطط التنمية الاقتصادية وأهداف العدالة الاجتماعية من ناحية، وغياب التناسق بين محاولات زيادة الناتج القومى الإجمالى من مصادر للنمو الاقتصادى الحقيقى المتمثل فى نمو الإنتاج السلعى من الزراعة والصناعة والخدمات اللوجستية الحقيقية وبين نمو الاقتصاد الريعى الذى لا يضيف إلى الناتج القومى شيئاً ذا قيمة من ناحية أخرى. فى ذات الوقت خلت خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى نظم الحكم الساقطة من الربط بين عناصر النمو الاقتصادى المرتفع والتشغيل الكفء لعناصر الإنتاج وأهمها المورد البشرى وبين العدالة الاجتماعية. فقد كان الحكم السابق أيام «مبارك» يزهو بتحقيق معدلات نمو اقتصادى مرتفعة قيل إنها بلغت فى أواخر عهده 7%، بينما كان المواطنون لا يشعرون بعائد ذلك النمو حيث زادت معدلات البطالة حتى وصلت 13% فى عام 2011/ 2012، وارتفعت نسبة الفقر إلى 25% من إجمالى سكان المحروسة، وتفشت العشوائيات، ناهيك عن انتشار الفساد وسيطرة رأس المال على الحكم. من جانب آخر، افتقدت جهود التنمية فى فترة ما قبل ثورة 25 يناير الربط بين التنمية المكانية بمعنى انتشار جهود التنمية فى كل المناطق الواعدة فى مصر، وبين التنمية الزمانية بمعنى امتدادها عبر الزمن والحفاظ على موارد الوطن وحمايتها للأجيال القادمة. وثمة بعد آخر هو ابتعاد منطق التنمية فى الفترات السابقة عن التطورات الحديثة فى فقه التنمية والمتمثلة فى عدم التركيز على استخدام الموارد التقليدية فى إنتاج السلع من منتجات الصناعة والزراعة، إلى التحول ناحية التركيز على النمو المعرفى والانتقال إلى نظام يتبنى «اقتصاد المعرفة»، حيث تكون المعرفة الناتجة عن التقدم العلمى والتطورات التقنية هى الأساس فى الإنتاج، وتكون المعرفة المتجددة بهذا المعنى هى المصدر الحقيقى للنمو حيث يستند «اقتصاد المعرفة» إلى تعظيم القدرة المجتمعية فى مجالات الابتكار بتطوير نظم التعليم وبناء الموارد البشرية وتطوير نظم وإمكانيات البحث العلمى والتطوير التقنى. فى ضوء تلك الاعتبارات، اهتمت وزارة التخطيط والتعاون الدولى فى فترة ولاية الوزيرة فايزة أبوالنجا بوضع «إطار استراتيجى» لخطة رئيسية تجميعية تغطى فترة العشر سنوات من 2012 إلى 2022، وكانت تستهدف مضاعفة الدخل والقضاء على البطالة فى نهاية فترة الخطة. وقد اجتهد الفريق المعاون للوزيرة فى وضع ثلاث خطط مرحلية فى إطار الخطة الخمسية، أولها خطة انتقالية تتراوح مدتها من 12-18 شهراً كان الهدف منها تحقيق معدل للنمو بين 2%-4%. ثم كان المستهدف وضح خطة خمسية لتحقق معدل نمو من 4%-6%، وأخيراً، خطة رباعية لتشهد انطلاق التنمية بمعدل من 6%-8%. وقد حدد الإطار الاستراتيجى لخطط التنمية هدفاً رئيساً هو تحسين جودة الحياة تحت شعار «نحو حياة أفضل فى مصر» عن طريق تكامل الركائز الثلاث للتنمية؛ اقتصادية، اجتماعية، بيئية، والانتقال من اقتصاد يعتمد على تحويل الموارد التقليدية إلى اقتصاد يعتمد على المعرفة والتطورات العلمية والتقنية. وقد تمثلت سمات المجتمع الجديد الذى بشر به هذا الإطار الاستراتيجى فى توفر واستثمار طاقات التجديد والابتكار، تحقيق الرفاهية لجميع فئات المجتمع، سيادة العدل والمساواة والسلام لجميع المواطنين، توفير خدمات الصحة والأمن للكافة، الانفتاح والشفافية، تكافؤ الفرص لجميع الراغبين فى العمل والجادين فى تحمل مسئولياته، توفر فرص المنافسة القائمة على تضافر الجهود الوطنية بلا احتكار. واعتبر المخططون أن تلك السمات الإيجابية تخلق فرصاً حقيقية لاستقرار المجتمع وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. وقد حرص المخططون على رصد أهم الفرص المتاحة للتنمية المستدامة فى مصر. وأهمها الموقع العبقرى عند ملتقى قارات أفريقيا، آسيا، أوروبا، والمطل على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر. ثم المورد البشرى الضخم الذى يصل إلى 83 مليون إنسان، منهم نحو 50% فى الفئة العمرية أقل من 15 سنة إلى 44 سنة فئة العمل والإنتاج، وما يقرب من ثمانية ملايين مصرى يعيشون ويعملون فى الخارج يمثلون رصيداً لإمداد الوطن بالخبرة والتمويل، والأرض المصرية وتبلغ 238 مليون فدان، منها أرض زراعية نحو 8.6 مليون فدان [3.6%]. وتمثل التكوينات الشبابية المتطلعة إلى التغيير والمستوعبة لتقنيات الاتصالات والمعلومات الحديثة والقادرة على التواصل الفعال مع الغير محلياً وخارجياً، أحد أهم فرص تطوير الاقتصاد الوطنى إلى اقتصاد معرفى، وفى المقدمة منهم الطاقة العلمية من أساتذة الجامعات والباحثين فى مراكز البحوث. وقد كانت من أهم الفرص المتاحة للتنمية قناة السويس وشبه جزيرة سيناء، فضلاً عن نهر النيل الذى يجرى من جنوب مصر إلى شمالها بطول 1532 كيلومتراً، ناهيك عن الموارد المعدنية المتوافرة فى صحارى مصر ومصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. لم يكن هدف هذا المقال العرض التفصيلى لمكونات «الإطار الاستراتيجى لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية 2012 - 2022»، بل مجرد التنبيه إلى ذلك الجهد العلمى المتاح لمؤسسة الرئاسة الجديدة التى نتوقع أن تبادر إلى تبنى ذلك الإطار جنباً إلى جنب مع «المخطط الاستراتيجى القومى للتنمية العمرانية» الذى عرضنا له فى مقال الأسبوع الماضى مع التحديث الضرورى لكليهما، حتى يكون الرئيس القادم قادراً على النفاذ بسرعة وإيجابية إلى حلول علمية ومجدية لمشكلات الوطن. حمى الله مصر!