في سبتمبر الماضي، وفى غرفة مغلقة داخل مبنى الأممالمتحدة في نيويورك، كان لقاء عاصف بين نبيل فهمي، أول وزير خارجية لثورة يونيو، ونظيره جون كيرى، وزير خارجية الولاياتالمتحدة، التي تجد صعوبة إلى اليوم في استيعاب ثورة 30 يونيو ونتائجها. وفي نوفمبر، استجابت القاهرة لطلب «كيري» بالحضور إلى مصر، وجاء قبل يوم من أولى جلسات محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي، ليخرج كيري عن التزاماته تجاه البيت الأبيض، وتحديداً تجاه مستشار الأمن القومي سوزان رايس، وتجاهل الحديث عن محاكمة «مرسي» علانية بناء على نصيحة معاونيه، وفي أبريل الحالي، سيذهب «فهمي» إلى واشنطن بدعوة من «كيري». بين الاجتماعات ال3 تغيرت أمور كثيرة على الساحتين، المصرية والدولية، تحتاج إلى رصدها ووضعها في السياق السليم، لفترة سيسجلها التاريخ بأنها الأكثر صدامية بين القاهرةوواشنطن منذ سبعينات القرن الماضي، حيث حملت في مجملها خسائر متلاحقة لسياسة خارجية انتهجتها إدارة أوباما في مصر والخليج وإيران وسوريا وأخيراً أوكرانيا. هذه الأزمات موثقة بالصوت والصورة، ووضعها نواب الكونجرس أمام «جون كيري» قبل أيام، في جلسة استماع سيتذكرها مبنى «الكابيتول»، ظهر خلالها وزير خارجية أوباما تائهاً، مثل سياسته الخارجية. تسجل الأوراق المصرية الأمريكية انتفاض أوباما عند فض اعتصام رابعة، وفشله في تدويل الملف المصري داخل مجلس الأمن، وتصدى له حينها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حيث جرى تنسيق مصري سعودي توجه على أثره وزير خارجية المملكة سعود الفيصل إلى فرنسا، التي كانت قد دعت مجلس الأمن للانعقاد، وحمل هذا اليوم مباحثات هاتفية عنيفة بين فهمي وكيري، ورغم أن الإدارة الأمريكية لم تصف ثورة يونيو وقتها رسمياً بالانقلاب، فإنها أطلقت إعلامها ومراكز أبحاثها للترويج لمصطلح الانقلاب ليل نهار، واستخدم «أوباما» كارت حجب المساعدات، ومع ذلك لم يتغير الأمر الواقع في مصر، بل إنه دفع مصر لاتجاه سليم، وهو إقامة علاقات شديدة القوة مع روسيا، ونجح المصريون فى تثبيت أقدامهم على خارطة الطريق، وإقرار الدستور الجديد، فيما تجاهل «أوباما» ذكر مصر فى خطاب حالة الاتحاد، وتحدث عن آخرين وسط ذهول سياسي وأكاديمي للمتخصصين في شئون الشرق الأوسط بأمريكا، وقبلها بلغت الحماقة مداها بتجاهل مصر أثناء الدعوة لحضور القمة الأمريكية الأفريقية، المقرر عقدها فى أغسطس المقبل فى واشنطن. ويُعد توقيت الزيارة بدوره محل جدل واختلاف الآراء، الرأى الأول ذهب إلى أن توقيت الزيارة الآن مفيد لأمريكا أكثر من كونه مفيداً لمصر، التى أوشكت على اختيار رئيس لها خلال أسابيع قليلة، وأنه كان من الأفضل أن يذهب وزير الخارجية وعلى رأس مصر نظام منتخب وحكومة منتخبة، لا سيما أن أمريكا أحرقت كل سفنها مع مصر، فما الذى ستجنيه القاهرة الآن من واشنطن، وما الفائدة التى ستعود عليها؟! بل ستكون الزيارة باب عودة مبكرة للإدارة الأمريكية رسمياً إلى المشهد المصرى قبيل فترة وجيزة من انتقال مصر من الثورة والفوضى إلى مرحلة «الدولة». كلمة الحسم بين هذه الآراء ستكون فى الأوراق التى سيحملها وزير الخارجية المصرى إلى واشنطن، وما ستسفر عنه مباحثاته مع جون كيرى بخصوص المساعدات، بعدما ألقى الكونجرس الأمريكى الكرة فى ملعب الخارجية الأمريكية، وكذلك مسألة دعوة مصر لحضور القمة الأمريكية الأفريقية، إذ لا يليق أن تغيب مصر، وهى أكبر الدول الأفريقية، عن هذا المحفل، بجانب حسم موقف واشنطن من «الإخوان» التى صنفتها مصر وعدد من دول الخليج ك«منظمة إرهابية»، ووضع الإطار والأسس لانطلاق الحوار الاستراتيجى بين البلدين.