وزير الإسكان: تقنين الأراضي المضافة للمدن الجديدة أولوية قصوى لحماية أملاك الدولة    السلطة المحلية في حضرموت اليمنية: نؤيد قرارات مجلس القيادة ونؤكد الاستعداد لتنفيذيها    مصرع تاجر مخدرات وضبط آخرين في مداهمة بؤرة إجرامية ببني سويف    الثقافة تختتم الموسم الثامن من المواهب الذهبية لذوي الهمم    محافظ الدقهلية يتفقد مستشفى التأمين الصحي بسندوب    محمد يوسف: حسام حسن يثق في إمام عاشور.. وكنت أنتظر مشاركته ضد أنجولا    كل ما نعرفه عن محاولة الهجوم على مقر إقامة بوتين    إحالة سائق إلى محكمة الجنايات في واقعة دهس شاب بالنزهة    تشكيل آرسنال المتوقع لمواجهة أستون فيلا في الدوري الإنجليزي    معبد الكرنك يشهد أولى الجولات الميدانية لملتقى ثقافة وفنون الفتاة والمرأة    أمم أفريقيا 2025.. موعد مباراة أوغندا ونيجيريا في ختام المجموعة الثالثة    رئيس الوزراء يشهد افتتاح مستشفى جامعة الجيزة الجديدة    الصحة: تقديم 3.4 مليون خدمة بالمنشآت الطبية بمطروح خلال 2025    هيئة السكة الحديد تعلن متوسط تأخيرات القطارات اليوم بسبب أعمال التطوير    الأهلى ينعى حمدى جمعة لاعب الفريق الأسبق بعد صراع مع المرض    قد يزامل عبد المنعم.. تقرير فرنسي: نيس دخل في مفاوضات مع راموس    حازم الجندى: إصلاح الهيئات الاقتصادية يعيد توظيف أصول الدولة    متحدث الأوقاف يوضح أهداف برنامج «صحح قراءتك»    محافظة الجيزة تعزز منظومة التعامل مع مياه الأمطار بإنشاء 302 بالوعة    نقل مقر مأموريتين للتوثيق والشهر العقاري بمحافظتي القاهرة والوادى الجديد    فيتو فى عددها الجديد ترصد بالأرقام سفريات وزراء حكومة ابن بطوطة خلال 2025    "تبسيط التاريخ المصري القديم للناشئة" بالعدد الجديد من مجلة مصر المحروسة    فيديو.. متحدث الأوقاف يوضح أهداف برنامج «صحح قراءتك»    "إكسترا نيوز": القافلة 105 تضم آلاف الأطنان من المواد الإغاثية الأساسية متجهة لغزة    وزيرا التموين والتنمية المحلية يفتتحان معرض مستلزمات الأسرة بالسبتية    تراجع معظم مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات الثلاثاء    الصحة تنفذ المرحلة الأولى من خطة تدريب مسؤولي الإعلام    تأجيل محاكمة 4 متهمين بإشعال النيران في أنبوبة غاز داخل مقهى بالقليوبية ل4 يناير    بنك مصر يخفض أسعار الفائدة على عدد من شهاداته الادخارية    وزير الري يتابع موقف مشروع تأهيل المنشآت المائية    حسام عاشور يكشف سرًا لأول مرة عن مصطفى شوبير والأهلي    رئيس جامعة الجيزة الجديدة: تكلفة مستشفى الجامعة تقدر بنحو 414 مليون دولار    فطيرة موز لذيذة مع كريمة الفانيليا    اليوم.. طقس شديد البرودة ليلا وشبورة كثيفة نهارا والعظمي بالقاهرة 20 درجة    موعد بدء إجازة نصف العام الدراسى لجميع الصفوف    اسعار الفاكهه اليوم الثلاثاء 30ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    وزير العمل يبحث تحديات صناعة الملابس والمفروشات مع اتحاد الصناعات    6 جولات دولية ل أمين "البحوث الإسلاميَّة" في 2025 تعزز خطاب الوسطية    إليسا وتامر وعاشور في أضخم حفلات رأس السنة بالعاصمة الجديدة    وزير الصحة يعلن خطة التأمين الطبي لاحتفالات رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد المجيد 2026    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في محافظة القاهرة    أكسيوس: ترامب طلب من نتنياهو تغيير السياسات الإسرائيلية في الضفة    تفاصيل انطلاق قافلة "زاد العزة" ال105 من مصر لغزة    لهذا السبب| الناشط علاء عبد الفتاح يقدم اعتذار ل بريطانيا "إيه الحكاية!"    تعاني من مرض نفسي.. كشف ملابسات فيديو محاولة انتحار سيدة بالدقهلية    مجانًا ودون اشتراك بث مباشر يلاكووووورة.. الأهلي والمقاولون العرب كأس عاصمة مصر    القبض على المتهمين بقتل شاب فى المقطم    إصابة منصور هندى عضو نقابة المهن الموسيقية فى حادث تصادم    هدى رمزي: مبقتش أعرف فنانات دلوقتي بسبب عمليات التجميل والبوتوكوس والفيلر    بيان ناري من جون إدوارد: وعود الإدارة لا تنفذ.. والزمالك سينهار في أيام قليلة إذا لم نجد الحلول    محافظة القدس: الاحتلال يثبت إخلاء 13 شقة لصالح المستوطنين    الناقدة مها متبولي: الفن شهد تأثيرًا حقيقيًا خلال 2025    ترامب ل نتنياهو: سنكون دائما معك وسنقف إلى جانبك    في ختام مؤتمر أدباء مصر بالعريش.. وزير الثقافة يعلن إطلاق "بيت السرد" والمنصة الرقمية لأندية الأدب    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحياة فى الأنفاق .. عمال ب " السخرة" وأحلام مهددة ب "استمارة 6"
«الوطن» تحت الأرض لرصد معاناة عمال ومهندسى المرحلة الثانية بالخط الثالث للمترو
نشر في الوطن يوم 08 - 09 - 2012

يعملون 12 ساعة يوميا، وسط تعليمات صارمة ودرجات حرارة مرتفعة وظروف قاسية، جمعتهم تحت الأرض فى قلب مدينة القاهرة. جميعهم ارتضوا ما هم فيه، وتعودوا عليه، بل واكتسبوا فيه خبرات كبيرة، لكن استقرارهم فى عملهم ما زال مزعزعاً، فهم معلقون فى الهواء؛ لأنهم أجبروا على التوقيع على «استمارة 6» قبل توقيعهم عقود عمل شكلية، مدتها 3 أشهر فقط. هذا هو حال معظم العاملين بالمرحلة الثانية من الخط الثالث للمترو.
«الوطن» أجرت زيارة ميدانية إلى محطات المترو الجديدة، التى ما زالت تحت الإنشاء، وصاحبت الحفار العملاق «أمنحوتب» فى باطن الأرض، بين محطتى كلية البنات والأهرام، والتقت بطاقم العمل فيه، كما رصدت الهروب الجماعى لمهندسى الهيئة القومية للأنفاق إلى الخارج.
فى البداية، اكتشفت «الوطن» أن دخول أى محطة مترو تحت الإنشاء ليس بالأمر السهل، إذ يتطلب الأمر الحصول على تصريح من وزارة النقل والهيئة القومية للأنفاق، ويبلغ عدد محطات المرحلة الثانية للخط الثالث 4 محطات، وهى: (الاستاد- المعرض - كلية البنات - الأهرام)، وهناك مفاوضات جارية لضم محطة هارون بمصر الجديدة إليها، لتصبح 5 محطات، من أجل توفير 70 مليوناً.
بعد الحصول على التصريح، استقبلنا رئيس المرحلة الثانية من الخط الثالث، المهندس عبدالعليم أحمد موسى، بمحطة المعرض بمدينة نصر، وبعد مقابلته أصبح من المتاح أمامنا النزول إلى محطة المعرض، وهى عبارة عن 3 مستويات تحت الأرض. فى هذه المحطة قابلنا عدداً لا بأس به من العمال والمهندسين. الكل يعمل فى دأب، يرتدون زياً فوسفورياً موحداً بجانب خوذة الرأس.
على عمق 20 مترا، يوجد رصيف المحطة بشكله البدائى، حيث كان عبارة عن حوائط خرسانية فقط، وفى قاع الرصيف وجدنا عمالا يقومون بعمل حقن للفواصل الأسمنتية.
قال أحد العمال عبدالعزيز عاطف ل«الوطن»: «أعمل فى مشروع الخط الثالث للمترو منذ 5 سنوات، وطبيعة عملى هى حقن الفواصل الخرسانية فى قاع المحطات بالأسمنت، حتى لا تتسرب منها المياه الجوفية إلى باقى أجزاء المحطة».
ويضيف: «أصعب ما يواجهنا فى هذا العمل هو المياه، فلو أنك تخلصت من نقطة مياه فى مكان معين، يمكن أن تخرج لك من ناحية أخرى، لذلك نظل طوال النهار نبحث وننقب؛ لأن هذا الأمر فى الغالب يرجع إلى عيوب فى القواعد الخرسانية»، وتابع: «طبعا شغلنا كله فى الأنفاق تحت الأرض، ومع الأتربة والغبار اللى بيطلع نتيجة الشغل بيكون التنفس صعب شوية، وبتكون درجة الحرارة عالية عشان نقص التهوية».
يقترب منا شاب ثلاثينى، يحمل خراطيم على كتفه ويقول بصوت عال مملوء بالحسرة والضيق: «جيل سن 35 إلى 45 سنة مظلوم؛ لأننا عندما انتهينا من التعليم وتخرجنا من الكليات لم نجد عملاً، فاشتغلنا أى حاجة، عشان نعرف نعيش، وعندما قامت الثورة كان كل شىء انتهى، وأصحاب العمل والشركات قالوا لنا إنهم لا يوظفون من هم فوق سن ال30 عاما»، وتحدث عن نفسه قائلا: «أنا خريج كلية الحقوق منذ أكثر من 10 سنوات، لكن أرجوك لا تذكر اسمى لأننى عضو فى نقابة المحامين، وأعمل حاليا «لحّام» فى الخط الثالث، ولا أعرف ماذا أفعل عندما ينتهى هذا المشروع بعد شهر أو شهرين».
أعمال التشطيبات بالمحطة جارية على قدم وساق، بجانب تجهيز النفق ووضع «فلنكات» السكك الحديدية به، بعد صب قاع النفق بالخرسانة المسلحة «لتربيعه» حتى يستوعب قطارين متجاورين.
التقت «الوطن» بعبدالعليم أحمد موسى، رئيس المرحلة الثانية، أثناء وجوده بمحطة المعرض، وقال: «تنفيذ أى مرحلة للمترو لا يتم إلا بعد دراسة مستفيضة، حيث يتم تحديد مسار الخط ومراجعته مع الجهات المعنية، لتفادى الأخطاء، بعدها يتم اعتماد المسار للتنفيذ، ثم تبدأ مرحلة العطاءات، التى يتم قبول أقل سعر فيها طبقا لقانون 1989، وتتقدم فى هذه العطاءات شركات عالمية، وعند إنشاء المحطات لا بد من تحويل المرافق إلى منطقة مجاورة لموقع المحطة حتى تكون المحطة خالية تماما من جميع مرافق الصرف الصحى والغاز ومياه الشرب».
ويواصل رئيس المرحلة الثانية سرده لخطوات تنفيذ المراحل الجديدة قائلا: «بعد أن يتم تحديد موقع المحطة، يتم تنفيذ الحوائط الإرشادية، ويتبعها إنشاء حائط خرسانى، سمكه متر واحد، ويصل عمقه إلى 20 مترا تحت سطح الأرض، وبذلك تكون المحطة عبارة عن صندوق كامل من 4 جوانب، ونقوم بعمل فتحات فى سقف كل محطة «عشان نشتغل منها»، مثل إنزال المعدات ومواد البناء عن طريق ونش عملاق متحرك وزنه 50 طنا، وبعد الانتهاء من تشطيبات المحطة، نغلق هذه الفتحات تماما».
ويواصل: «مستوى معظم محطات مترو الأنفاق عبارة عن 4 مستويات، الأول مستوى صالة التذاكر، والثانى مستوى الصالة الفنية لكهرباء الإنارة، والثالث خدمات الصالة الفنية، وأخيرا رصيف المحطة الذى يوجد أسفله دور صغير يوجد به كابلات الكهرباء»، موضحاً أن طول المرحلة الثانية يبلغ نحو 7 كيلو مترات، وأن الحفار أمنحوتب انتهى من أكثر من 75% من حفر النفق.
ويروى موسى المخاطر التى تواجهها عملية الحفر، ويقول: «أحيانا يواجهنا خطر المياه الجوفية؛ لأننا نعمل تحت سطح الأرض بحوالى 20 مترا، لذلك ننشئ مبنيين إضافيين فى المسافة الواقعة بين كل محطتين، بغرض جمع هذه المياه، ونضع مضخات فى هذه المبانى، ويمكننا إعادة استخدامها فى مقاومة الحريق، ويضيف: «آلة الحفر العملاقة «TBM» فرنسية الصنع، وهى أحدث من الحفارين اللذين قاما بحفر المرحلة الأولى من الخط الثالث، وهى متخصصة فى حفر التربة الرملية أو الصخرية، عكس الحفار كليوباترا صاحب حادثة هبوط التربة الشهير بباب الشعرية، أو الحفار نفرتارى الذى استكمل المرحلة الأولى بالخط الثالث بدلا منه، وتزيد نسبة العاملين بالحفار من المصريين على 90%، وقد اكتسب المصريون خبرة كبيرة من العمل فى الأنفاق، لدرجة أننا أصبحنا نستطيع الاعتماد على أنفسنا فى إنشاء خطوط جديدة للمترو على الأقل بنسبة 70%، ويختتم حديثه قائلا: «مش عاوز أقول بنسبة 100%، ولو احتجنا حاجة هتكون فى تجميع الحفار أو الصيانة».
بسبب كثرة الحديث عن الحفار العملاق اشتقنا إلى رؤيته، ومقابلة أفراد طاقمه؛ لمعرفة كيف يعمل وما هو أصعب شىء يواجهه أثناء العمل. سألنا عن مكان وجوده الآن، فأبلغنا مهندسى المشروع بأنه يعمل ما بين محطتى كلية البنات والأهرام، وبالفعل ذهبنا إلى محطة كلية البنات ولاحظنا وجود عدد كثيف من العمالة والمهندسين وحركة عمل غير عادية عكس محطة المعرض، علمنا أن سبب هذا النشاط هو وجود الحفار بالقرب من المحطة حيث يحتاج إلى دعم وإمدادات كبيرة أثناء العمل على مدار 24 ساعة. ووجدنا بالمحطة مكانا كبيرا مخصصا لتجميع ناتج الحفر به لوادر وسيارات نقل بجانب جرار قطار صغير يستعد للنزول إلى النفق فى حال تعطل أحد القطارات الموجودة بالداخل. أعلى مربع ناتج الحفر يوجد ونش أصفر عملاق متحرك يقوم برفع صندوق كبير من باطن النفق ويخرجه إلى أعلى ويفرغ حمولة الصندوق إلى مربع ناتج الحفر ليقوم «اللودر» بتحميله على سيارات النقل والتى تلقيه فى مكان معلوم. هذه حركة ديناميكية تستمر طوال النهار والليل.
استوقفنا عددا من العمال بسطح المحطة، الذين أخبرونا بأن مشاريع خطوط مترو الأنفاق هى التى تفتح بيوتهم، وبدونها سيصبحون من «العاطلين»، وأن بعضهم يعمل بالأنفاق منذ إنشاء الخط الأول، وهو ما جعلهم يكتسبون خبرة طويلة، وقال أيوب محمد صبرى، مبيض محارة: «عاوزين مساعدة من الحكومة والرئيس محمد مرسى عشان يمضى المرحلة الجديدة وإلا حالنا هيوقف ومش هنلاقى شغل واحنا معظمنا شباب خريجين ولم نوظف بالحكومة وعملنا أشبه باليومية»، هذه الجملة تكررت على مسامعنا طول فترة الزيارة؛ لأن العمال قلقون جدا من تسريحهم، إذا لم تعتمد ميزانية للبدء فى المرحلة الثالثة للخط الثالث للمترو «العتبة - إمبابة»، وهذا ما تم مع بعض زملائهم الذين يعملون بالشركة منذ سنوات، حيث إنهم بدون مقدمات تم الاستغناء عنهم.
وأوضح العمل أن هناك تفاوتا كبيرا فى المرتبات، فبينما يحصل بعض العمال على 900 جنيه فى الشهر مقابل 12 ساعة عمل، يحصل آخرون على آلاف الجنيهات، حسب قولهم، ووصفوا الأمر بأنه «فيه كوسة برضه هنا، ولما فيه واحد مننا اتكلم مشوه من الشغل، بس هنعمل إيه أهى فرصة شغل أحسن من القعده كلنا عندنا عيال عاوزين نربيها».
داخل وخارج المحطة توجد شاحنات كبيرة تحمل حوائط أسمنتية سابقة التجهيز، يطلق عليها العاملون بالمحطة «رنجات»، وهى التى تستخدم فى تكوين جسم النفق، وتصنع فى العاشر من رمضان وتأتى بها السيارات إلى محطة كلية البنات. ويقوم الونش العملاق برفعها وإنزالها فى قاع المحطة حيث ينتظرها قطار صغير موجود بالنفق، الذى يدخلها بدوره إلى الحفار، ويبلغ وزن «الرنج» الواحد حوالى 6 أطنان، وعرضه نحو متر واحد وطوله نحو مترين ونصف المتر، وهو ذو شكل ملتوٍ؛ لأنه المكون لحلقات جسم النفق.
وجود الحفار بالقرب من محطة كلية البنات يجعلها كخلية نحل، فى سطح وقاع المحطة على حد سواء، «الوطن» نزلت إلى قاع المحطة للسير فى النفق فى اتجاه محطة الأهرام، قاصدين آلة الحفر العملاقة «أمنحوتب»، وبجوار قطار المهمات الصغير قابلنا خبير الأنفاق العالمى مستر «كريس» الفرنسى الجنسية، الذى عمل فى مشاريع عملاقة على مستوى العالم، من بينها نفق المانش بين إنجلترا وفرنسا، ونفق نيودلهى، وقال الرجل: «لم أتوقع أن يؤدى المصريون العمل بهذه الكفاءة العالية، فهم يعملون بنفس جودة العمال الأوروبيين فى الأنفاق، ولا ينقصهم شىء، لذلك نتمنى أن يستمر العمل فى المرحلة الثالثة والخط الرابع أيضا»، وأضاف كريس: «أعتقد أن مترو أنفاق القاهرة أفضل من مترو دبى؛ لأنه يخدم نسبة كبيرة من المواطنين، وليس الهدف منه الفخامة فقط».
تركنا الخبير العالمى ودخلنا إلى جسم النفق، الذى كان شكله أقرب إلى الماسورة الكبيرة، التى يبلغ قطرها 10 أمتار تقريباً.
فى الجانب الأيسر من النفق يوجد ممشى من الأسلاك والحديد، يسير فيه طاقم الحفار، ويكونون به فى مأمن عن طريق قطار المهمات بعد حوالى 300 متر. وبعد وصول الحفار إلى محطة كلية البنات تم عمل الصيانة اللازمة، التى يقوم بها مصريون وأجانب فى نفس الوقت، وهو عمل متخصص حيث يدخل بعضهم إلى وحدة «الكاترهيد»، لتركيب «سنون ومعدات جديدة بدل التالفة»، ولا يستطيع الدخول إلى تلك المنطقة الملتصقة بالتربة غير العمال الذين يثبت أنهم بصحة جيدة، حيث يتم الكشف عليهم أكثر من مرة، لأنهم يتعرضون لضغط الأرض، ولا يتحمل أحد الوجود بداخل الكاتر هيد أكثر من 5 ساعات، من ضمنها ساعتان يعالج فيها أجسامهم من الضغط.
بعد فترة من السير فى اتجاه الحفار، يظهر آخر جزء من الحفار، وتتصل به 4 مواسير ممتدة بطول النفق، وهى للمياه والتهوية ومادة البونتونايت والصرف.
طول الحفار يبلغ 175 مترا، وهو عبارة عن مصنع متحرك، وهو أضخم حفار من نوعه يدخل مصر حتىالآن مكون من أجزاء متعددة يستغرق تجميعه أكثر من 6 شهور فى منطقة تسمى بئر النزول والتى ينطلق منها الحفار إلى مسار النفق. هذا الحفار من نوع «kpp»، بينما كان حفار المرحلة الأولى من نوع «السلارى» وهو يعتمد فى نظام الحفر على ضغط الهوا والبونتونايت، أما النوع الحالى فيعتمد على ضغط التربة بمعنى أنه يقوم بملء التربة بدلا من التربة وإذا حدث ضغط على الحفار تخفف بالفوم، ويتميز هذا النوع بأنه أسرع من الأنواع الأخرى.
جسم الحفار يحتوى على فراغ من الداخل يسمح بدخول قطار المهمات بداخله حتى الوحدة الأولى منه وهذا يعنى أن القطار يسير لمسافة تزيد على 120 مترا داخل الحفار ليقوم بإدخال الرنجات ويخرج ناتج الحفر، صوت الآلة مرتفع جدا ودرجة الحرارة هنا مرتفعة تشعر بأنك داخل مصنع لا يتحرك لكن هذه الآلة العملاقة تتحرك حوالى 26 مترا كل 24 ساعة حيث تقوم بالحفر والتركيب فى نفس الوقت، فبعد ذلك يتم إدخال الرنجات بداخل الوحدة الأولى يقوم ذراع آلية تحرك ب«ريموت كنترول» ويرفع الرنج الواحدة تلو الأخرى حتى يكون حلقة أسمنية مكتملة قطرها 9.5 متر وزنها 40 طنا. ويتم حقن التربة حول هذه الحلقة بمادة أسمنتية شديدة الالتصاق اسمها «مورتل» من خلال مضختين لتحافظ على سلامة النفق من الانهيار وتضمن عدم تسرب مياه جوفية إلى داخل النفق؛ لأنه على عمق 20 مترا من سطح الأرض، «طريقة عمل الحفار تشبه «دودة القز»؛ لأنها تدفع جسمها للخلف لكى تتقدم للأمام، فبعدما تركب الرنجات وتضغط عليها من خلال 15 «جاك»، بطريقة معينة، وتتقدم للأمام مع دوران «الكاتر هيد» فى مقدمة الحفار، الذى يحفر ويقطع التربة.
طاقم العاملين بهذا الحفار العملاق يزيد على 40 فردا فى الوردية الواحدة، 90% منهم مصريون.
سألنا عن قائد الحفار أو «البايلوت» كما يسمونه، فوجدناه فى غرفة تحكم الحفار، وهى غرفة ضيقة مكيفة الهواء بها عازل صوت، بايلوت الحفار اسمه شريف محمد، عمره 32 عاما، خريج كلية الهندسة بجامعة القاهرة قسم الميكانيكا، وكان يعمل فى شركة «المقاولون العرب» وتدرب على قيادة الحفار فى مصر. هو وزميل آخر له يقودان الحفار فى الفترة المسائية، واكتشفت «الوطن» أن عدد من يستطيعون قيادة الحفارات فى مصر قليل ونادر جدا، ولا يزيد على أصابع اليد الواحدة، كما لا يوجد عرب آخرون يقومون بهذه المهنة النادرة.
يقول شريف: «العمل فى باطن الأرض بطبيعته صعب؛ لأننا نحفر فى المجهول، ومحاطون بمخاطر كبيرة من مياه جوفية وغيرها، وأحيانا نعمل فى تربة هشة، وأسفل شوارع وعمارات سكنية قديمة، بعضها أثرى، وأصعب ما يواجهنا هو المرور من أسفل الكبارى؛ لأن بها خوازيق ممتدة إلى باطن الأرض»، ويضيف: «غرفة «الكنترول روم» هى التى تتحكم فى كل شىء بالماكينة، وبها شاشة عرض كبيرة توضح ما يحدث بها، ويتم تحديد المسار بأشعة الليزر لمتابعة نقاط الاستكشاف ونقاط الهبوط ومتابعة حركة الأرض؛ لأنه إذا كانت التربة ضعيفة تتم تقويتها أعلى الماكينة، لضمان عدم حدوث هبوط للتربة أثناء الحفر؛ لأنها تحدث فراغا بها».
انتهت رحلة «الوطن» داخل النفق والحفار العملاق، وفى نهايتها التقينا بالمهندس عطا الشربينى رئيس الهيئة القومية للأنفاق، الذى قال إنه جار التفاوض حاليا مع الشركة المنفذة للمرحلة الثانية من مشروع الخط الثالث، لضم محطة هارون الرشيد إلى المرحلة الثانية، من أجل توفير 70 مليون جنيه، ستتكبدها الهيئة إذا أخرج الحفار أمنحوتب من محطة الأهرام، «لكن نتفاوض حاليا على إخراج الحفار من محطة هارون أو استكمال أعمال الحفر النفقى فى المرحلة الرابعة، ومن المقرر افتتاح المرحلة الثانية فى نهاية العام المقبل»، مشيرا إلى أن التمويل هو العقبة الرئيسية التى تواجه الهيئة حاليا.
وأوضح الشربينى أنه إذا وفرت الحكومة التمويل المطلوب فسيتم افتتاح المرحلتين الثالثة والرابعة قبل الموعد المقرر سلفا، فضلا عن سرعة البدء فى إنشاء الخط الرابع للمترو «الملك الصالح - دريم لاند»، وستنتهى دراسة المشروع آخر العام القادم، بمعرفة الجانب اليابانى عن طريق منحة، وأبدى الشربينى استياءه من هروب 116 من مهندسى وفنيى الهيئة للخارج، بسبب الإغراءات المادية، التى قد تصل إلى 5 أضعاف المرتب الذى يحصلون عليه فى مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.