برأت محكمة الجنايات اليوم ضباط أقسام المرج وشبرا من تهم قتل المتظاهرين، في حكم ليس الأول من نوعه، فقد سبقه الكثير من الأحكام القضائية في جرائم مشابهة مكتملة الأركان انتهت أيضا بالبراءة، و هو ما يثير التساؤل حول حيثيات هذه الأحكام، والسند القانوني الذي منحت البراءة على أساسه. يوضح محمد زارع رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي أن مشكلة هذه المحاكمات "تتمثل في غياب رغبة الدولة في أن تكون هذه المحاكمات حقيقية، لأن الضباط الذين خضعوا للمحاكمة ما زالوا في الخدمة، ما يصعّب علي زملائهم تقديم المستندات والأوراق التي تدينهم، وتحريك هذه الدعاوي القضائية في الأصل لكي تفسر في مصلحة المتهم، وبالتالي فإن الحصول علي سلسلة من البراءات أمر متوقع". وأضاف زارع أن "نظام الحكم اختزل محاكمة النظام السابق في محاكمة مبارك وأعوانه، من أبنائه ورجال الحزب الوطني من المتهمين في قضية موقعة الجمل، وهي المحاكمات الوحيدة التي يتوقع صدور أحكام قضائية تفصل فيها، وكأن الثورة قامت من أجل التوريث فقط، إن هذا أمر غير صحيح، فالثورة قامت من أجل الحرية والعيش والعدالة الاجتماعية، كما أن الظلم الشرطي كان محركا رئيسيا للثورة". وعن الجانب القانوني الذي أفسد محاكمات الضباط من قتلة الثوار يقول زارع "إن صياغة توجيه الاتهام كانت خاطئة منذ البداية، ولا تضم أدلة كافية، فوزارة الداخلية حتي الآن لم تتطهر من القيادات الفاسدة، كما أن الضباط الذين خضعوا للمحاكمة لم يتم استبعادهم عن العمل، ولم يهتم النائب العام كثيرا بصياغة الاتهامات، حيث أن القانون يقضي بعدم اللجوء إلي العنف إلا بعد استنفاد كل الوسائل الممكنة، وفي هذه الحالة يتم إطلاق النار في الهواء وفي حالة الضرورة القصوى يتم التصويب علي القدم أو الذراع، وليس القتل وفقأ العين وغيرها من الأمور التي حدثت". ويكمل زارع قائلا "إضافة لما سبق، نجد من يبرر بأن الضباط "غلابة و كانوا بينفذوا التعليمات"، وهو ما يرجعه لقيام نفس العقلية القديمة بالسيطرة علي الحكم، وبالتالي تقدم نفس مبررات النظام السابق". ويرى محمد الدماطى رئيس لجنة الحريات بنقابة المحامين أنه "منذ بداية محاكمات النظام السابق وهناك اتفاق ضمني ألا يقدم أحد للمحاكمات، فلا يحاسب مبارك ولا حتي أصغر عسكري، وهو ما تم بالفعل، فالمحاكمات لم تبدأ إلا عندما ظهرت المحاكمات الشعبية في ميدان التحرير وكانت تنوي التوجه إلي شرم الشيخ". ويفسر الدماطي "سلسلة البراءات" علي حد قوله، بأن "الأجهزة الرقابية المتمثلة في ضباط الشرطة، سواء في البحث الجنائي أو غيره، كان من المفترض أن يقدموا الأدلة للمحكمة، فلم يفعلوا، بل ومارسوا الضغوط علي أهالي المجني عليهم والشهود، فجاءت الأدلة أمام المحكمة ضعيفة، ووجد القاضي الجنائي أنها لا ترقي لإصدار حكم بالإدانة، فالقاعدة تقول إن الأحكام تبنى علي الجزم واليقين، وإذا تشككت المحكمة في صحة هذه الاتهامات تقضي بالبراءة، وهذا ما حدث". ويدافع الدماطي عن القضاء المصري الذي يصفه بأنه "وقع بين شقي الرحي، ثورة شعبية تطالب بالقصاص لدم الشهداء وأدلة ضعيفة تقضي بالبراءة". وفي التعليق على البراءات، رفض المستشار محمود الشريف سكرتير نادى القضاة أي تشكيك في نزاهة القضاء المصري، مؤكدا أنه "لا يمكن التدخل في عقيدة القاضي، فهو الشخص الوحيد الذي يحكم بناء علي الأوراق التي تعرض عليه، إذا ما كانت تؤدي للبراءة أو الإدانة، وبالتالي لا يمكن اتهام القضاة بالتخاذل أو المواءمة السياسية، فهم يطبقون القانون بغض النظر عن أي أبعاد أخرى، وطالما أن الأحكام قضت بالبراءة فبالتأكيد لا يوجد سند قوي لأي اتهام، فالقضاء يتعامل مع الوقائع الثابتة والأدلة الدامغة".