المتحدث العسكري ينفي منح ضباط بالقوات المسلحة أي امتيازات بالمخالفة للدستور    "هدايا" جيفري إبستين في عيد الميلاد!    لجنة «مصرية - سعودية» لمتابعة موسم العمرة الحالي واستعدادات الحج السياحي    أموريم: فيرنانديز يغيب عن اليونايتد لفترة طويلة بعد إصابته    سكك حديد مصر تنفي إنقاذ طفل لقطار ركاب بالمنوفية وتوضح ملابسات الواقعة    مظهر شاهين يدعوا صناع وأبطال فيلم "الست" للتعبرع بأجورهم للوطن أسوة بأم كلثوم    نشأت الديهي عن صفقة الغاز مع إسرائيل: لست سعيدًا بها.. لكننا قمنا بما هو واجب    تكريم الزميل عبد الحميد جمعة خلال المؤتمر السادس لرابطة تجار السيارات 2025    تخفيف الحكم على مدرب كونغ فو للحبس 6 سنوات بتهمة التعدي على تلميذته بمدرسة بحدائق الأهرام    محمد بن زايد يبحث مع ماكرون العلاقات التاريخية والاستراتيجية    وزير الثقافة يشهد ختام فعاليات الدورة العاشرة من "ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي" ويُكرم الفائزين ورموز الخط العربي    هنادي مهنى تنضم ل " اتنين غيرنا" في دراما رمضان    من قلب عين شمس إلى قمة الدراما.. أحمد العوضي يروي رحلته في «صاحبة السعادة»    الصحة: إغلاق 11 مركزًا للنساء والتوليد بسبب مخالفات تهدد سلامة الأمهات    الصحة توضح أسباب اعتداء الطلاب على زميلهم في أكتوبر    ترتيب الدوري الإنجليزي بعد مباريات الأحد.. أرسنال يتفوق على السيتي    تامر أمين: الهجوم على محمد صبحي خناقة في حارة مش نقد إعلامي    دعاء أول يوم في شهر رجب.. يزيد البركة والرزق    فلكية جدة: هلال رجب يزيّن سماء الوطن العربي    المعهد القومي للاتصالات يفتح التقديم ببرنامج سفراء الذكاء الاصطناعي    قناة ON تنقل قداس عيد الميلاد من مصر وبيت لحم والفاتيكان    ديانج: مستعد للتضحية بنفسي للتتويج بأمم إفريقيا مع مالي    مصر تتقدم 47 مركزًا فى تصنيف مؤشر نضج الحكومة الرقمية لعام 2025 الصادر عن البنك الدولى    حفل توقيع كتاب "وجوه شعبية مصرية" بمتحف المركز القومي للمسرح.. صور    جامعة العاصمة تنظم معرضا متكاملا بالتعاون مع محافظة القاهرة    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات وحدات المبادرة الرئاسية" سكن لكل المصريين" بعددٍ من المدن الجديدة    تعليم الغربية: عقد لجنة القيادات لتدريب 1000 معلم لقيادة المدارس كمديرين    محمود توفيق يبحث مع وزير الحج والعمرة السعودي أوجه التعاون بين البلدين    ضبط طرفي مشاجرة بعد تداول فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي    رئيس الوزراء يشهد توقيع عقد تشغيل فندق الكونتيننتال التاريخي وسط القاهرة بعلامة تاج العالمية    على أنغام الربابة.. نائب محافظ الأقصر يشهد تعامد الشمس على معابد الكرنك| صور    مفتي الجمهورية: المؤسسة الدينية خَطُّ الدفاع الأول في مواجهة الحروب الفكرية التي تستهدف الدين واللغة والوطن    الجيزة توضح حقيقة نزع ملكية عقارات بطريق الإخلاص    وزير الخارجية يعقد اجتماعاً ثلاثياً حول ليبيا مع نظيريه الجزائري والتونسي    القيمة السوقية لمنتخبات أفريقيا في كان 2025    تشكيل برشلونة - جارسيا في الوسط بدلا من بيدري.. وتوريس يقود الهجوم ضد فياريال    رئيس الوزراء يتابع مع وزير الكهرباء الموقف التنفيذى لمشروعات الطاقة المتجددة    نصيحة للأمهات، احذري من تأثير ضغط الدراسة على علاقتك مع أبنائك    انطلاق المسح الصحي لرصد الأمراض غير السارية بمحافظة قنا    لماذا نشتهى الطعام أكثر في الشتاء؟    برلمانية المؤتمر: تعديلات قانون الكهرباء خطوة ضرورية لحماية المرفق    ضبط 3 محطات وقود بالبحيرة لتجميع وبيع 47 ألف لتر مواد بترولية    توجيهات الرئيس السيسى خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزى ووزير المالية (إنفوجراف)    وزير الخارجية يلتقي نائبة وزير خارجية جنوب إفريقيا لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية    «المصدر» تنشر نتيجة الدوائر الملغاة بالمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب    المغرب يواجه جزر القمر في افتتاح أمم إفريقيا 2025.. انطلاق المنافسات بقوة    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    انطلاق الإثارة في أمم إفريقيا 2025.. المغرب يواجه جزر القمر في افتتاح المجموعة الأولى    حملة للمتابعة الطبية المنزلية لأصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن وذوي الهمم.. مجانًا    فى مباحثاته مع مسرور بارزانى.. الرئيس السيسى يؤكد دعم مصر الكامل للعراق الشقيق ولوحدة وسلامة أراضيه ومساندته فى مواجهة التحديات والإرهاب.. ويدعو حكومة كردستان للاستفادة من الشركات المصرية فى تنفيذ المشروعات    بداية الإثارة في أمم إفريقيا 2025.. المغرب يواجه جزر القمر في افتتاح البطولة    مصرع 3 أشخاص وإصابة آخرين في بورسعيد إثر حادث تصادم بين سيارتين    شهر رجب .. مركز الأزهر العالمى للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    محافظ القاهرة جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام الدراسي    أمم إفريقيا – المغرب.. هل يتكرر إنجاز بابا؟    حبس المتهم بقتل زميله وتقطيع جثمانه إلى أربعة أجزاء وإخفائها داخل صندوق قمامة بالإسكندرية    بعد رؤية هلال رجب.. ما هو موعد شهر شعبان ؟    الإفتاء: الدعاء في أول ليلة من رجب مستحب ومرجو القبول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأزمة تبدأ مبكراً..!!
نشر في الوطن يوم 13 - 04 - 2014


إذن هذا هو عبدالفتاح السيسى!
شخص بسيط، هادئ، وجه يتميز بالسماحة، يفكر فى كلماته قبل أن ينطق بها، تعود أن يجلس صامتاً فى كثير من الأحيان، يسجل الكلمات على الأوراق، أو يختزنها فى الذاكرة، كان معروفاً بانضباطه الشديد، وقدرته على الحسم واتخاذ القرار.. كان مثقفاً وواعياً بالتاريخ وحقائق الواقع.
كانت علاقته مع المشير طنطاوى، قد بدأت منذ سنوات طوال، وتحديداً منذ أن كان مسئولاً عن فرع الأمن والمعلومات بوزارة الدفاع، كان يومها برتبة مقدم، كان دوماً من أقرب الضباط إلى المشير، مضت الأيام سريعة، وعندما تولى منصب مدير المخابرات الحربية، كانت كل المؤشرات تقول إنه وزير الدفاع القادم فى مصر..
عندما تخرج فى الكلية الحربية فى الأول من أبريل 1977، لم يدر فى ذهنه للحظة واحدة، أن القدر كان يختزنه لهذه اللحظة، عندما كان يقال له ذلك من زملائه، كان يبتسم دون تعليق، لقد وصفته مجلة «النيوزويك» الأمريكية «بالجنرال الهادئ، والشخصية المبهمة، الذى يشبه تماماً نظارته الشمسية الداكنة»!!
كان موقعى إلى جواره دوماً، خلال اجتماعات المجلس العسكرى مع قادة الأحزاب فى الفترة من مارس إلى مايو 2012، كان الجدل يدور حول تشكيل جمعية تأسيسية جديدة، كان الصخب يتزايد، وكان «السيسى» يكتفى فقط بتسجيل ملاحظاته.
سألته فى إحدى المرات: لماذا الصمت على الفوضى السائدة فى الشارع والتطاول على رجال القوات المسلحة من بعض العناصر التى تسعى إلى إسقاط الدولة؟ ابتسم بهدوء، وقال: «أنت تعرف أن مصر مستهدفة، وأن الجيش مستهدف، وتدرك أننا نعيش حالة ثورية، كثير من الناس التى تتحرك فى الشوارع، هم من أهلنا البسطاء، نحن أبناء المناطق الشعبية نعرف أهلنا ونعرف طبيعتهم، سيأتى وقت تتضح فيه الحقائق كاملة، ليس أمامنا سوى الصبر، نظر «السيسى» إلى المشير طنطاوى الذى كان يجلس فى منتصف الجلسة، وقال: «هذا الرجل يتحمل الكثير، وغداً سيعرف الناس دوره، لا تقلق كثيراً».
كانت كلماته برداً وسلاماً، شعرت بعمق رؤيته، وقدرته على التحمل، وفهمه لحقائق الأمور، وهكذا أكدت أحداث عديدة، كان فيها طرفاً فاعلاً بشكل معلن أو من خلف ستار.
عندما وجد «السيسى» نفسه وجهاً لوجه أمام محمد مرسى، لم يكن أمامه من خيار، أدى القسم، أدرك الخديعة بعد ذلك، ذهب إلى المشير طنطاوى، احتضنه بقوة، قال له: «أنا مستعد أن أقدم استقالتى فوراً يا أفندم»..
كانت كلمات المشير طنطاوى محددة: «أنت ابنى يا عبدالفتاح، استمر ولا تتردد، أنا أعرفك جيداً، وأثق أنك ستحافظ على الجيش، ومصر ستكون فى أمان، طالما ظل جيشها قوياً وموحداً، أنا أديت رسالتى، والآن جاء دورك».
كان «السيسى» يدرك منذ البداية أن مهمته صعبة، وأن التحديات التى ستواجهه ليست بالهينة، كان يعرف أن مهمته منذ البداية هى الحفاظ على الجيش واستعادة قدرته القتالية.
فى اللقاء الأول بينه وبين مرسى، بعد اختياره وزيراً للدفاع، قال كلاماً محدداً: «أنا لست إخوانياً أو سلفياً، والجيش لن يكون إخوانياً أو سلفياً أو حزبياً، الجيش هو جيش كل المصريين»!
لم يعترض محمد مرسى، لم يناقش «السيسى»، قال كلمات محددة: «ونحن نريده جيشاً لكل المصريين بالفعل، يحافظ على أمن البلاد واستقرارها»..
كان «مرسى» يظن أن الرجل سيكون تابعاً، ينفذ الأوامر والتعليمات، اعتقد أن قائد الجيش لن يعارضه مهما فعل، كيف يعارضه وهو القائد الأعلى، لقد تعود على مبدأ السمع والطاعة وظن أن الجميع سيمضى معه على ذات الطريق.
كان «السيسى» يتذكر دوماً أنه واحد من أبناء هذا الشعب الطيب، البسيط، كان يعرف معنى الوطنية والانتماء، كانت الجمالية بالنسبة له، هى الوطن، سمع من أهالى الحرنفش والبرقوقية كلمات ظلت راسخة فى الذهن منذ الصغر.
هنا، حيث الأصالة وعبق التاريخ، هنا حيث سكن جمال عبدالناصر فى حارة «خميس العدسى»، القريبة من منزله، بعد مجيئه من الإسكندرية مباشرة، وعندما التحق بالجيش، وألحق نجليه بالكلية الحربية، كان يؤكد أن المدرسة العسكرية هى بيته، حياته ومستقبله، هى منبع الوطنية المصرية، أعطاها عمره، وها هو يدفع ابنيه على ذات الطريق.
لم يكن «السيسى» انقلابياً، لم يسع إلى سلطة، كان واضحاً وصريحاً، كلامه داخل الغرف المغلقة هو ذاته موقفه المعلن، ظل يحاول حتى اللحظة الأخيرة، أعطى أكثر من فرصة، كان يأمل أن يترجع «مرسى» عن عناده، وأن يتوقف عن العبث بمؤسسات الدولة ومصالح الشعب، لكنه لم يجد آذاناً مصغية.
منذ الثانى عشر من أغسطس 2012، وجد الفريق أول السيسى نفسه على رأس المؤسسة العسكرية، كان «مرسى» يظن أن الرجل سيكون تابعاً، ينفذ الأوامر والتعليمات، اعتقد أن أحداً لن يستطيع أن يعارضه مهما فعل، وظن أن «السيسى» يمضى على ذات الطريق.
كان الاحتفال بالذكرى التاسعة والثلاثين لانتصار أكتوبر 1973 هو البداية، بالونة الاختبار التى سيطلقها فى وجه المؤسسة العسكرية.
كانت التعليمات الصادرة من مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان قد رسمت صورة الاحتفال وحددت أسماء المدعوين، جرى تهميش وزير الدفاع، ثم رفض دعوة أى من أبطال أكتوبر 1973، وحتى المشير طنطاوى والفريق سامى عنان، تم استبعادهما من حضور الاحتفال.
فى المقابل، كان القرار بدعوة قتلة السادات لحضور الاحتفال، كان المشهد مثيراً للاستفزاز، شعر الفريق أول السيسى بالحسرة والألم، كتم غيظه، وفى اليوم التالى كان السيسى ينقل استنكار القوات المسلحة لدعوة قتلة السادات لتصدر مشهد الاحتفال فى ظل غياب أبطال الانتصار.
أدرك «السيسى» أن الرئيس مرسى تعمد الإساءة إلى القوات المسلحة بهذا الفعل، لكنه لم يسع إلى التصعيد.
كان أخطر ما يقلق «الفريق أول» عبدالفتاح السيسى فى هذا الوقت هو قضية الأمن القومى، كانت لديه معلومات خطيرة عن مخطط جماعة الإخوان بالاشتراك مع الولايات المتحدة وإسرائيل وحماس لتنفيذ خطة إقامة دولة غزة الكبرى على أراضى سيناء.
فى هذا الوقت قدمت المخابرات الحربية تقريراً إلى «السيسى» يتضمن معلومات فى منتهى الخطورة حول هذا المخطط وأبعاده وما يمكن أن يترتب عليه من تداعيات.
لقد رصد تقرير المخابرات الحربية المقدم إلى القائد العام خمسة متغيرات هامة دلل بها على حقيقة هذا المخطط وسبل مواجهته وهى:
1- بدء مرحلة جديدة من العلاقات مع إسرائيل تقوم على أساس طى صفحة الماضى وبدء التواصل معها وهو ما عبرت عنه الرسالة التى بعث بها الرئيس محمد مرسى إلى الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز فى 19 يوليو 2012، والتى سلمها السفير المصرى، عاطف سالم، بمناسبة اعتماده سفيراً لدى تل أبيب، كانت الرسالة تحوى كلمات من عينة «عزيزى وصديقى العظيم، لى الشرف أن أعرب لفخامتكم عما أتمناه لشخصكم من السعادة ولبلادكم من الرغد، صديقك الوفى» وقس على ذلك.
2- الدور المشبوه الذى لعبه د.عصام الحداد، مساعد رئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية، فى التوصل إلى اتفاق لهدنة دائمة بين إسرائيل وحماس، مع إدانة عمليات المقاومة ورعاية مرسى لهذا الاتفاق الذى جرى توقيعه فى 22 نوفمبر 2012.
3- وصول معلومات للمخابرات الحربية عن خطوات يعتزم مرسى الإقدام عليها والتى تضمن لأمريكا مراقبة الحدود بين مصر والعدو الإسرائيلى عبر أجهزة إلكترونية لرصد الأسلحة وعمليات التسلل داخل فلسطين والتجسس على مصر أيضاً.
4- البدء فى تنفيذ خطة تملك الفلسطينيين المنتمين إلى حماس للأراضى الملاصقة للحدود المصرية مع غزة، كتمهيد لإعلان دولة غزة الكبرى على مساحة إضافية تبلغ حوالى 720 كيلومتراً بطول الحدود حتى العريش.
5- فتح أبواب سيناء للإرهابيين من شتى أنحاء العالم ورصد المخابرات الحربية لدخول الآلاف منهم بطرق غير مشروعة إلى داخل سيناء، والبدء فى فتح معسكرات للتدريب بالتعاون مع حركة حماس وعناصر فلسطينية أخرى متطرفة.
كان الفريق أول عبدالفتاح السيسى -فى هذا الوقت- يتابع بنفسه محاولات الاختراق، ومؤامرة تنفيذ مخطط غزة الكبرى، ولذلك أصدر فى الثالث والعشرين من ديسمبر 2012 - فى خطوة استباقية - قراراً يحظر تملك أو حق انتفاع أو إيجار أو إجراء أى نوع من التصرفات فى الأراضى والعقارات الموجودة فى المناطق الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية والمناطق المتاخمة للحدود الشرقية لمصر بمسافة 5 كيلومترات غرباً، ما عدا مدينة رفح، والمبانى المقامة داخل الزمام وكردونات المدن فقط والمقامة على الطبيعة قبل صدور القرار الجمهورى رقم 204 لسنة 2010.
لم يتوقف قرار القائد العام، الذى حمل رقم 203 لسنة 2012، عند هذه الحدود، بل امتد إلى حظر تملك أو انتفاع أو إيجار أو إجراء أى نوع من التصرفات فى الأراضى والعقارات الموجودة فى الجزر الواقعة فى البحر الأحمر والمحميات الطبيعية والمناطق الأثرية وحرمها.
فى هذا الوقت سعى البعض إلى تحريض بعض مشايخ سيناء بزعم أن القائد العام للقوات المسلحة يرفض تملك الأراضى المتاخمة للحدود لأهالى سيناء، وأن هناك مخططاً لهدم المناطق المجاورة، طلب المشايخ مقابلة محمد مرسى، عقد معهم لقاءً مطولاً حرضهم فيه على «السيسى»، وقال لهم: «اذهبوا إلى السيسى وما تتوصلون إليه من حلول معه أنا لن أكون ضده».
وذهب وفد المشايخ إلى «السيسى» بالفعل، وكانوا غاضبين جداً، إلا أن «السيسى»، الذى تحاور معهم لعدة ساعات، شرح لهم حقيقة المخطط، وقال لهم إن هناك آلاف الفلسطينيين ينتمون لحركة حماس ممن حصلوا على الجنسية المصرية فى عهد الرئيس مرسى يسعون إلى وضع أيديهم على هذه الأراضى، ما يشكل خطورة على الأمن القومى.
وبعد أن تفهم المشايخ أبعاد المخطط وحقيقته كان لهم موقف المؤيد والداعم لقرار «السيسى»، بل أعلنوا وقوفهم معه صفاً واحداً للدفاع عن أراضى سيناء.
شكل هذا الموقف صدمة قوية للرئيس مرسى ولجماعة الإخوان التى عقد مكتب الإرشاد بها اجتماعاً لمناقشة القرار الذى أصدره وزير الدفاع دون التشاور مع رئيس الجمهورية وبما يعرقل المخطط الذى جرى الاتفاق عليه مع الأمريكان فى وقت سابق.
منذ هذا الوقت قررت الجماعة وضع الفريق أول عبدالفتاح السيسى هدفاً لها، سعت إلى نشر الشائعات حوله، وتعمد أعضاؤها الإساءة إليه فى الندوات والمؤتمرات، وتطاول المرشد شخصياً فى أكثر من لقاء على المؤسسة العسكرية.
كان «مرسى» ينتظر اللحظة المناسبة لإبعاده، لم يكن البديل قد وجد بعد، لقد استبقه «السيسى»، وأصدر قراراً بتعيين اللواء محمود حجازى، رئيساً للمخابرات الحربية، كان «مرسى» يريد أن يزرع اللواء عباس مخيمر على رأس هذا الجهاز، كان «مخيمر» مسئولاً عن فرع الأمن الحربى فى الجهاز فى وقت سابق، لكنه انضم إلى حزب الحرية والعدالة خلال فترة التقاعد، وأصبح رئيساً للجنة الدفاع والأمن القومى فى مجلس الشعب الجديد بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير والذى كان الإخوان يشكلون فيه أغلبية كاسحة بمشاركة السلفيين وبعض التيارات الدينية الأخرى.
كانت معركة مكتومة، لكن «السيسى» حسم الأمر وأبلغ الرئيس، لم يكن أمام «مرسى» من خيار، لقد أغلق «السيسى» النافذة التى كان يريد «مرسى» أن يطل من خلالها على القوات المسلحة.
فى هذا الوقت، كان خيرت الشاطر غاضباً من ضعف «مرسى» أمام «السيسى»، كان «خيرت» يرى أن هذه المعركة، لا تقل عن معركة الانقلاب على المشير طنطاوى وقادة الجيش، وبخ محمد مرسى، وقال له لقد خسرت أول معركة أمام «السيسى»، وأتمنى ألا تدعه يحقق انتصاراً ثانياً.
كان «مرسى» يهاب خيرت الشاطر، كان يدرك أنه الرجل الأقوى داخل الجماعة، يمتلك التنظيم والمال والخديعة أيضاً، كان «مرسى» يعرف أن وصوله لرأس السلطة ضربة «حظ» قد لا تتكرر، وكان يعرف أنه يمهد الطريق لخيرت الشاطر، ربما بعد دورة واحدة فقط من رئاسته للجمهورية.
لم يكن «السيسى» مرتاحاً لخيرت الشاطر، كان يعرفه جيداً، لقد تحاور معه لعدة جلسات فى مبنى المخابرات الحربية، فى أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير، بعضها جرى بحضور المشير طنطاوى، كان «السيسى» يعرف أن «الشاطر» هو صانع القرار الحقيقى داخل الجماعة، وكان يعرف أن طموحه بلا حدود.
■ ■
قبيل الثانى والعشرين من نوفمبر 2012، رصد جهاز المخابرات الحربية اجتماعاً خطيراً لهيئة مكتب الإرشاد، تم فيه الاتفاق على الإعلان الدستورى الجديد، الذى أحدث انقلاباً صامتاً فى مصر.
كان خيرت الشاطر هو صاحب الفكرة، كانت كل المؤشرات تقول إن المحكمة الدستورية العليا سوف تصدر حكمها فى الطعن المقدم بحل مجلس الشورى وإلغاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور فى الثانى من ديسمبر، وكان «الشاطر» يرى أن الحكم سوف يصدر بحل مجلس الشورى أسوة بمجلس الشعب، ونفس الأمر بالنسبة للجمعية التأسيسية، التى لم يتلاف «الإخوان» الأسباب التى أدت إلى حلها فى العاشر من أبريل من ذات العام، وراحوا يعيدون تشكيلها بنفس المآخذ السابقة التى جرى على أساسها الحكم بالحل.
طلب «الشاطر» فى هذا الوقت إعداد المشروع فى سرية تامة، رفض إطلاع نائب الرئيس «محمود مكى» أو وزير العدل «أحمد مكى» بمضمونه، لقد فوجئا كما فوجئ الكثيرون.
لقد جاء الإعلان الدستورى إلى محمد مرسى قبيل أن يعتمده رئيس الجمهورية بقليل، حاول «مرسى» أن يعدل فى المشروع، إلا أن خيرت الشاطر كان حاسماً فى قراره، ولم يكن أمام «مرسى» إلا الاستجابة.
بعد الإعلان مباشرة، أدرك الفريق أول عبدالفتاح السيسى خطورة الوضع، ذهب إلى الرئيس مرسى بعد أن طلب لقاءً عاجلاً، حذره من المشاكل التى ستنجم عن هذا الإعلان، قال له: «إن الشعب لن يقبل، وإن الجماهير لن تسكت، وإن المظاهرات ستعود إلى الشوارع مجدداً»، إلا أن «مرسى» كان له رأى آخر.
كان محمد مرسى يبدو غير مكترث بتحذيرات «السيسى»، وجه اتهامات شديدة اللهجة إلى المحكمة الدستورية العليا، قال إنها من ذيول نظام مبارك، وإن حلها لمجلس الشعب كان حكماً سياسياً، وإنه لن يسمح بحل مجلس الشورى، أو حل الجمعية التأسيسية للدستور.
حاول «السيسى» مع «مرسى»، أكثر من مرة، غير أن «مرسى» كان مصمماً على موقفه، كانت المعلومات التى وصلت إلى «مرسى»، عبر مكتب الإرشاد، تقول إن جهاز «الرصد الشعبى»، وهو جهاز إخوانى للمعلومات والاستخبارات، يقول: «إن السيسى عقد تحالفاً مع اللواء أحمد جمال الدين، وزير الداخلية، وإن الاجتماع الذى عقد بين الرجلين فى يوم الخميس الثانى والعشرين من نوفمبر 2012 لم يكن بريئاً»! لم يكن الاجتماع تآمرياً، كما حاول مكتب الإرشاد تصويره للرئيس مرسى، بل إن هذا الاجتماع جاء على خلفية حادثين خطيرين وقعا بين رجال القوات المسلحة والشرطة المصرية، كان الأول قد وقع فى شهر نوفمبر من ذات العام، عندما قام عدد من ضباط وجنود الجيش بمحاصرة قسم ثانى القاهرة الجديدة رداً على حادث تعرض أحد أكمنة الشرطة لضابط بالقوات المسلحة، حيث أبلغ وحدته بالاعتداء عليه، فتمت محاصرة قسم الشرطة وحدثت أزمة عنيفة بين الجانبين.
أما الحادث الثانى فقد وقع فى مدينة الإسكندرية عندما انتشرت شائعة عن احتجاز أحد أقسام الشرطة لضابط من القوات البحرية، فقام زملاؤه باقتحام قسم الشرطة وتفتيشه ولم يعثروا على زميلهم.
فى هذا الوقت تم الاتفاق بين وزيرى الدفاع والداخلية على عقد لقاء عاجل لإنهاء هذه الأزمة المتصاعدة.
عقد اللقاء بمقر القرية الأولمبية بنادى الدفاع الجوى بالتجمع الخامس وبحضور 1500 من ضباط الجيش والشرطة. فى هذا اللقاء تحدث الفريق أول السيسى وقال: «علينا أن نعرف أن ما يراد بمصر لن يتحقق إلا لو استطاع الأعداء هزيمتنا، نحن الجيش والشرطة»، وقال: «إن هناك مخططات لإيذاء الجيش على حدة، وأخرى لإيذاء الشرطة على حدة، ولا بد أن يكون الحرص على البلد أكبر منا جميعاً».
لقد خاطب «السيسى» جموع الحاضرين فى هذا اليوم بالقول: أنتم تحملتم من أجل بلدكم الكثير، ويجب أن ننظر إلى مصر أولاً قبل أى شىء، لأننا لو انكسرنا لن تقوم لمصر قائمة!!
أما اللواء أحمد جمال الدين فقد قال فى كلمته: «لن نسمح بأى محاولات للوقيعة بين الجيش والشرطة، البلد مستهدف، وهناك من يريد إحداث الشقاق بين أهل البيت الواحد»!
عندما تسربت أنباء هذا الاجتماع إلى مكتب الإرشاد وتفاصيل ما جرى بداخله، احتقن الرأى العام داخل المكتب ضد الوزيرين، لقد رأى خيرت الشاطر أن الجيش والشرطة يتحالفان ضد الرئيس وضد الجماعة، وأن من شأن هذا التحالف أن يعرقل مخطط الأخونة فى أقرب وقت ممكن.
لم يكن خيرت الشاطر مقتنعاً بأن ثلاثة لقاءات جرت بين قادة الجيش والشرطة فى أقل من شهر هدفها فقط إزالة التوتر بين الجانبين، كان يعرف أن الهدف أكبر من ذلك بكثير، لقد تعامل مع الأمر بعقلية تآمرية، وراح يحرض «مرسى» بالقول: «إن هذه اللقاءات مثيرة للشبهات لأنها جرت بغير حضور أو دعوة رئيس الجمهورية، بل تم تجاهل الحديث عن الرئيس ولو بكلمة واحدة ترد على لسان الوزيرين».
وفى التاسع عشر من ديسمبر كانت صحيفة «الجريدة» الكويتية تنشر خبراً نقلاً عن مصادر مقربة يقول: «إن شكوكاً تزايدت لدى جماعة الإخوان بعد تكرار اللقاءات الثنائية بين وزيرى الدفاع والداخلية وتزايد التصريحات الصادرة عن المؤسسة العسكرية والتى تؤكد ولاء القوات المسلحة للشعب».
لم يحاول «مرسى» ولو مرة واحدة أن يفاتح «السيسى» فى الأمر، انتظر اللحظة المناسبة لإصدار قرار بإقالته هو واللواء أحمد جمال الدين دفعة واحدة، كان يبحث عن البديل المقبول فى المؤسسة العسكرية وينتظر اللحظة المناسبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.