على الرغم من أن الاستثمار الأجنبى المباشر يشكل إحدى أهم الأدوات التى يتعين الأخذ بها للخروج من المأزق الاقتصادى والمالى الراهن بالبلاد، فإن المؤشرات المتاحة تدل على أن مصر لا تعتبر مقصداً مهماً لرؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية المباشرة، إذ يرصد مؤشر الحرية الاقتصادية أن نصيب مصر من الاستثمار الخارجى المباشر بالمليون دولار يقدر بحوالى 2 مليار و798 مليون دولار، وهذا الرقم يعادل 1.6% تقريباً من أكبر رقم مسجل عالمياً للاستثمارات الأجنبية المباشرة داخل دولة واحدة، والذى يقدر بحوالى 167 ملياراً و620 مليون دولار، وهو الرقم الذى حققه الاقتصاد الأمريكى. تدعم المؤشرات المحلية هذا الأمر، حيث تذكر أرقام الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة فى يناير 2014 والمستقاة من الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة أن إجمالى تدفق رؤوس الأموال من المصريين والعرب والأجانب للشركات التى تم تأسيسها فى نوفمبر 2013 بلغ 955 مليون جنيه، من بينها 923 مليون جنيه من مستثمرين مصريين، و49 مليون جنيه من عرب و23 مليون جنيه من مستثمرين أجانب، أى أن إجمالى الاستثمارات المعلن عنها فى نهاية 2013 تعادل 143 مليون دولار تقريباً، من بينها 90 مليون دولار استثمارات مصرية، و53 مليون دولار عربى وأجنبى، وهو رقم هزيل للغاية يمكن استثماره فى شركة أو مشروع واحد من النوع الصغير أو المتوسط بأحد البلدان الآخذة فى النمو. قد يسارع البعض إلى القول بأن حالة عدم الاستقرار السياسى التى تشهدها البلاد منذ ثلاث سنوات تلعب دوراً رئيسياً فى تراجع الاستثمار الأجنبى على هذا النحو، وبالطبع لا يمكن إغفال هذا الجانب، لكن هذا لا ينفى أن المراصد والمؤشرات الدولية تشير إلى الكثير من الأوضاع التى تجعل مصر بلداً غير جاذب للاستثمار بما يكفى، فعلى سبيل المثال يذكر مؤشر الإبداع أن الأوضاع القانونية والإدارية والممارسات العملية فى مصر تجعل من مصر بيئة غير صديقة فى مجال حماية الاستثمارات الأجنبية، وذلك فهو يمنح مصر 54 من مائة فى مؤشر حماية المستثمرين، 56 من مائة من حيث سهولة الحصول على الائتمان، و13 من مائة فيما يتعلق بالائتمان الممنوح للقطاع الخاص، و1 من مائة من حيث محفظة قروض مؤسسات التمويل متناهى الصغر، أما مؤشر التنافسية الذى يعد من المعايير المهمة التى يستند إليها المستثمرون وأصحاب رؤوس الأموال فى قراراتهم فيمنح مصر 5.3 درجة من عشر درجات فيما يتعلق بقوة حماية المستثمر، و3.5 درجة من 7 درجات فيما يتعلق بتأثير قواعد الأعمال على الاستثمار الخارجى المباشر، و2.4 درجة من 7 درجات من حيث سهولة الوصول إلى القروض، و4.04 درجة من 7 فيما يتعلق بسلامة البنوك. وفيما يتعلق بقدرة مصر على دعم وتحفيز رأس المال المخاطر الذى يعد أحد أوجه الاستثمار، يمنح مؤشر تكنولوجيا المعلومات مصر 2.9 درجة من 7 درجات من حيث القدرة على توفير رأس المال المخاطر، فيما يمنحها مؤشر الإبداع 12 درجة من مائة درجة فى النقطة ذاتها، أما مؤشر التنافسية فيكاد يتفق مع مؤشر تكنولوجيا المعلومات ويمنحها 2.9 درجة من 7 درجات. تدل هذه التقييمات على أن بيئة الاستثمار فى مصر بيئة لا تحفز المبادرات والمخاطرة فى المشروعات الاقتصادية، وتركن إلى النمطية والأداء المحافظ إلى حد كبير، وليست بيئة حاضنة وداعمة لحركة الاستثمار القائم على رأس المال المخاطر، وهذه معضلة تحتاج إلى معالجة واضحة فى برامج مرشحى الرئاسة، خاصة أن الاستثمار القائم على رأس المال المخاطر، غالباً ما يتركز فى الجوانب الإبداعية التى تحقق ميزات تنافسية مهمة للاقتصاد الوطنى، وتمنحه مزيداً من القدرة ليست فقط فى التخلص من أعبائه الداخلية، بل ومواجهة منافسيه الخارجيين، سواء فى بيع وتسويق المنتجات أو جذب رؤوس أموال واستثمارات جديدة وغير تقليدية.