تغير مسار حياتها قبل عدة سنوات، عندما اهتمت بالتركيز في مجال بعيد عن تخصص الهندسة، الذي درسته وعملت به، فكرست مجهوداتها لأعوام طويلة، بهدف خدمة ذوي الإعاقة، فجعلت منهم أبطالا رياضيين، يشاركون في البطولات الدولية، ساعية لتكريمهم من الرئيس عبدالفتاح السيسي، في احتفالية خاصة، نظمت خصيصا لهم ليعبروا فيها عن أنفسهم. المهندسة أمل مبدي، رئيس الاتحاد الرياضي المصري لذوي الإعاقات الذهنية، التي بدأت عملها في مجال الإعاقة، منذ عام 2010، استطاعت من خلاله، تحقيق إنجازات كبيرة، حدثت لأول مرة، للأشخاص ذوي الإعاقة. تكشف "مبدي"، في حوارها ل"الوطن"، كيف نجحت في تأسيس أول اتحاد رياضي مصري لذوي الإعاقة الذهنية، وأبرز الأشخاص الداعمين لها خلال مشورها، جوانب من حياتها الشخصية، فضلا عن العديد من المحطات الأخرى. كيف استطعت تأسيس أول اتحاد مصري لذوي الإعاقات الذهنية؟ عقب عودتي إلى مصر، عملت في المعهد المصرفي المصري، ثم عُيّنت مديرا وطنيا للأولمبياد الخاص المصري، وهذه كانت أولى خطوات عملي مع متحدي الإعاقة، وكانت عبارة عن لجنة للإعاقة الذهنية، تحت إشراف اللجنة البارالمبية، لم يكن بها نشاطا كبيرا. لكن مع زيادة عدد المنضمين من ذوي الإعاقة، فكرنا في إنشاء اتحاد خاص لهم، يهتم بهم بشكل أكبر، ويحقق تقدما أكبر مع الأطفال، وتقدمنا بهذا الاقتراح في عهد وزير الشباب الأسبق طاهر أبوزيد، وصدر قرارا بتشكيل الاتحاد في عام 2014، وكان أول إشهار له. الاتحاد حقق إنجازات عديدة منها المشاركة في بطولات دولية وفعاليات وقوافل طبية ما أبرز إنجازات الاتحاد المصري لذوي الإعاقة عقب 5 سنوات من تأسيسه؟ قدم الاتحاد العديد من الفعاليات الفنية، شارك بها ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى حصول العديد من أبناء الاتحاد على بطولات عالمية، وكانت بطولة العالم في إيطاليا، أول بطولة يشارك فيها الاتحاد المصري، وحصلنا على ميداليات فضية وبرونزية في تنس الطاولة. كما أحرزنا مراكز متقدمة جدا في السباحة، وفي عام 2017، حصلنا على أول ميدالية ذهبية في بطولة العالم للسباحة في المكسيك، بجهود السبّاحة مريم طارق، ورغم أن عمر الاتحاد لا يتعدى السنوات ال4، إلا أننا استطعنا خلالها تحقيق إنجازات هائلة، والفوز بست بطولات عالمية. ونظم الاتحاد، ما يقرب من 6 فعاليات بمشاركة عدد كبير من الأولاد، من بينها "ملتقى أولادنا 1"، وهو أول احتفالية فنية، ثم احتفالية "قادرون باختلاف"، لعامين متتاليين. كذلك أطلقنا قوافل طبية، للكشف على الأولاد، خاصة في مناطق الأكثر فقرا وغير القادرين ماديا، وإقامة معسكرات لتوعية الأمهات من بينها "أنا وماما"، ومعسكر "أنا والعائلة"، الذي يهدف لرعاية الأم والأسرة، بصفة عامة. كذلك تكريم الأولاد المتفوقين في كل المجالات، بالإضافة إلى تكريم من كان لهم دور مهم في رعايتهم، مثل تكريم فتاة تعتني بشقيقها المعاق، أو زوجة، وذلك في حفل "قادرون باختلاف 2". ماذا عن طموحاتك المستقبلية في الاتحاد ومجال العمل مع ذوي الإعاقة؟ أتمنى زيادة عدد المنضمين في الاتحاد من أبنائنا، حتى يضمهم جميعا، بالإضافة إلى زيادة عدد الهيئات المشتركة في الاتحاد، حيث يضم ما يقرب من 60 هيئة، تتنوع ما بين أندية وجمعيات. وأن يتمكن الاتحاد من توعية كل الأهالي في مصر، بضرورة المشاركة بأولادهم، ويتفاعلون أكثر، ويثقون أن منهم أبطال يحصلون على بطولات ومكانة دولية كبيرة، منهم سيتحدث للرئيس، ويحصل على تكريم منه. وأتمنى مراعاة أصحاب الإعاقة الحركية، في الطرق والمواصلات والمباني الحكومية والأماكن العامة والمستشفيات والمرافق السياحية، وأن يجد كل طفل من ذوي الإعاقة، فرصة للعيش الكريم، من العمل والزواج والتقبّل المجتمعي، والتدخل المبكر، والحصول على دعم الدولة، وأتمنى أن تتبدّد نظرة المجتمع الدونية، إلى أبنائنا من ذوي الإعاقة. واجهت صعوبات قبل عام 2014 والرئيس عبدالفتاح السيسي مساند لحقوقنا ربط الرياضة بالفن والإبداع هدف يعمل الاتحاد على تحقيقه.. كيف يجري ذلك؟ نؤمن أن واجبنا ليس متوقفا على الرياضة فقط، فأولادنا لديهم المقدرة على فعل الكثير، ويمتلكون العديد من المهارات الرياضية والفنية، وهو ما دفعنا للتحرك في كثير من الاتجاهات مع الرياضة، لأننا نشعر أننا مسؤولون كليا عن أطفالنا ذوي الإعاقة، ورعاية الموهوبين منهم في كل المجالات، وليس الرياضة فقط، وعندنا مواهب فنية جرى اكتشافها من خلال التواصل مع نجوم الفن الذين يتعاونون معنا، ويحضرون فعالياتنا، ويحتضنون مواهبنا. هدفنا ليس رعايتهم رياضيا فقط، بل رعايتهم على كل المستويات الرياضية والثقافية والفنية والعلمية، والصحية، وتوعيتهم وتوعية المجتمع بأهميتهم، وكيفية التعامل معهم. أبرز الصعوبات التي واجهتك خلال مشوارك مع ذوي الإعاقة؟ قبل الرئيس عبدالفتاح السيسي، كانت هناك الكثير من الصعوبات التي تواجه من يعمل في مجال خدمة ذوي الإعاقة، من بينها التمويل وعدم تواجد رعاه، وصعوبة في التعامل مع الوزارات، وغيرها، لكن بعد عام 2014، وتركيز الرئيس مع ذوي الإعاقة، اختلف الوضع كليا، وأصبح كل شيء يحتاجه ذوي الإعاقة يجري العمل على توفيره، كذلك تغيرت نظرة المجتمع والإعلام لذوي الإعاقة. ومازلنا نعمل بمساعدة الرئيس، على عدد من الأهداف الخاصة بخدمة ذوي الإعاقة، من بينها حل مشكلة الطرق غير الممهدة، وتوفير المدربين والمعلمين المتخصصين في خدمة ذوي الإعاقة، والرئيس يرسل هذه التوصيات إلى مجلس الوزراء، ويطالبهم بسرعة تطبيقها لخدمة ذوي الإعاقة. لماذا اخترت العمل في خدمة ذوي الإعاقة على الرغم من أنها من الفئات التي يصعب التعامل معهم؟ في البداية ليس لدي شخص في أسرتي مصاب بأية إعاقة، لأن الكثير يتصور أن اهتمامي بمجال ذوي الإعاقة، لأنني متأثرة بحالة ما في حياتي، واخترت العمل معهم لأنهم يستحقوا أن نقدم لهم الكثير، وأن قف بجانبهم لمساعدتهم في إخراج أقصى طاقاتهم الإبداعية في المجالات المختلفة، ونجاحي في إسعادهم وتحقيق ذاتهم نعم من الله تستحق الشكر دائما. أخبرينا مزيد من المعلومات عن نفسك؟ ولدت في الإسماعيلية عام 1963، وهجرت إلي محافظة الشرقية مع أسرتي بعد حرب 67، وعدت عقب حرب 1973، تخرجت في كلية الهندسة جامعة القاهرة قسم "مدني" عام 1989. شغلت عدة مناصب، عقب عودتي من الدنمارك، من بينها مدير وطني للأولمبياد الخاص لمدة ثلاث أعوام، نظمت حينها أكثر من 260 حدثا، كذلك شغلت منصب رئيس قطاع تنمية الموارد في مصر الخير، وعضو في الاتحاد الدولي للإعاقات الذهنية. والدي وزوجي كانوا أكبر الداعمين لي خلال مسيرتي خلال مشوارك من كان أكثر الداعمين والمساندين لكِ خلال مشوارك مع ذوي الإعاقة؟ أبرز المساعدين لي هم أهالي الأطفال، لدعمهم المستمر لي والمساندة الفعالة من جانبهم، ففرحتهم وفرحة أبنائهم أكبر دافع لي للاستمرار، كما كان والدي أكبر داعم لي، فمنه تعلمت خدمة الآخرين ومساعدتهم، وزوجي وأولادي أيضا لهم دور كبير في دعمي، كذلك الوزراء والقيادات، تعمل على دعمي خلال مشواري مع ذوي الإعاقة. كنتِ بطلة في السباحة وكرة السلة.. كيف كان مشوارك الرياضي؟ نشأت في عائلة رياضية، والدي كان مهتما جدا بالرياضة، وكذلك والدتي وشقيقي بطل رياضي في كرة الماء، أنا من محافظة الإسماعلية، وبالتالي أجيد السباحة، وعقب عودتنا من التهجير، شاركت في العديد من البطولات المدارس والمناطق، وحصلت على بطولة الجمهورية، وبطولات محلية أكثر من مرة، وبجانب السباحة كنت أمارس كرة السلة. ومع دخولي الجامعة، اشتركت في فريق السلة، وحصلت معهم على عدد من البطولات، والآن أمارس رياضة المشي من حين لآخر، حينما أجد متسع من الوقت. لذلك حرصت على أن يمارس أبنائي الرياضة، ابني عمر حارس مرمي منتخب مصر في كرة اليد تحت سن 17 عاما، كما أنه حارس النادي الأهلي في كرة اليد. والدك المؤرخ والمناضل عبده مبدي الذي يحمل اسمه أحد شوارع الإسماعيلية.. ما أثره في حياتك؟ "إِنَّ للهِ عِبادًا اخْتَصَّهُمْ لِقَضَاءِ حَوَائِجِ الناسِ، آِلى على نفسِهِ أنْ لا يُعَذِّبَهُمْ بِالنارِ، فإِذَا كان يومُ القيامةِ، خَلَوْا مع اللهِ يُحَدِّثُهُمْ ويُحَدِّثُونَهُ والناسُ في الحِسابِ"، دائما ما أشعر أن هذه المقولة نتطبق على والدي، كان يحرص دائما على مساعدة وخدمة الآخرين، وهو ما تعلمته منه هو مساعدة الآخرين بكل طاقتي، وكان يتفانى في خدمة المجتمع، ما دفع أهالي المحافظة للمطالبة بإطلاق اسمه على الشارع الذي نسكن فيه. تعلمت منه الوطنية وحب مصر، فكان مثالا رائعا للوطنية، كان يدرس لي تاريخنا المجيد وانتصارنا، والحروب التي دخلتها مصر، ويعلمني أن خدمة الوطن واجب مقدس، يلبى فورا مهما كانت الظروف والأمور الشخصية، تعلمت منه أن الوطن أكبر وأهم من أي شيء. أشعر بالفخر والسعادة دائما، عندما أجد من يعرفونني يخبرونني بأنني أشبه والدي في خدمة الآخرين، ويحكون لي موفق والدي معهم. زوجي كان مدربي في السباحة وتزوجنا عقب تخرجي في الجامعة تزوجتِ من مدربك في السباحة.. حدثينا عن بداية تعارفكما؟ العلاقة بيننا في البداية، كانت علاقة لاعب بمدربه، وتدربت تحت يده سنوات عديدة، وكانت العلاقة بيننا قائمة على الاحترام المتبادل، وبعد فترة سافر إلى الدنمارك واستقر هناك، وكان حينها ينزل في زيارة متقطعة، كنت ألتقي به على سبيل أنه كان أحد المدربين الذين تعلمت منهم. عقب تخرجي في كلية الهندسة، تقدم لخطبتي وتزوجنا، وسافرت معه إلى الدنمارك، وأنجبت منه ولدين هما: "نادين" وهي خرّيجة كلية الإعلام ومتزوجة الآن، و"عمر" وهو حارس المرمى الأول لفريق النادي الأهلي لكرة اليد. لا يتوانى زوجي عن تقديم الدعم لي، ودائما يثق بي، ويفخر بنجاحي، فهو هادئ الطباع، ويتحمّل الكثير معي، ذلك أن ظروف عملي تضطرني للسفر المتكرر، فإذا قصّرت يوما في واجبي تجاه البيت والأولاد، يحرص على إكمال دوري، لذا أؤكد أن له بعد الله فضلا كبيرا لتفوّقي في عملي. كيف كانت حياتك في الدنمارك؟ عشت مع زوجي هناك قرابة 12 عاما، في بداية سفري كنت أساعد زوجي في عمله، وبعد 4 سنوات التحقت بالعمل كمدرسة للفيزياء والرياضيات باللغة الدنماركية، وذلك للصف الأول الثانوي في إحدى مدارس وزارة التربية والتعليم الدنماركية، وحصلت على المدرسة المثالية من بين 60 مدرس دنماركي لعامين متتالين، واعتبر هذه الفترة من أبرز إنجازات حياتي. كذلك سعيت لخدمة المجتمع في الدنمارك، فعلمت أطفال المصريين والعرب اللغة العربية ومبادئ دينهم، كما رددتُ بقوة على الهجمة العنصرية من رسام دنماركي على الرسول (صلّى الله عليه وسلّم)، وما عُرف وقتها ب"الرسوم المسيئة"، ولعبت دورا في الإعلام الدنماركي، لنزع فتيل الأزمة آنذاك. ما الفرق بين الاهتمام بذوي الإعاقة في الدنمارك ومصر؟ خلال فترة اقامتي في الدنمارك، لم أكن أعمل في مجال الإعاقة، وبالتالي لم أكن اهتم بالتفاصيل المتعلقة بخدمات ذوي الإعاقة، لكن بعد دخولي لهذا المجال، وسفري أكثر من مرة لاحظت الفرق، في الدنمارك يمتلكون مقومات كبيرة في خدمة ذوي الإعاقة، وبدأوا في هذا المجال منذ سنوات طويلة. كل شيء مجهز لذوي الإعاقة هناك بداية من المصاعد، والعملات، ونظم إشارات المرور، المواصلات العامة، والمنازل المجهزة، من الاهتمام الهائل بذوي الإعاقة، في الدنمارك هناك مقولة تعني "يا بخت اللي عنده معاق في الدنمارك"، لتدل على كم الاهتمام الكبير الذي يحظى به. ولكن لا يمكن مقارنة دولة بدأت منذ سنوات طويلة، وتعداد سكانها نحو 4 ملايين نسمة، بمصر التي تمتلك 100 مليون نسمة، بالإضافة لاختلاف الموارد المالية، لكن مصر لها تواجدها القوي في المجال، عقب حفل "قادرون باختلاف 2"، تلقيت العديد من المكالمات، من الكويت والأمارات وغيرها من الدول، تخبرني أن مصر متقدمة جدا في هذا المجال، وأنهم يتمنوا الوصول لهذا المستوى. كتبت "سكربت" حفل "قادرون باختلاف2" كاملا والمطربون والفنانون رفضوا الحصول على أجر أحكِ لنا عن كواليس حفل قادرون باختلاف؟ لدي قناعة أن الفن هو أسهل وأسرع وسيلة يمكن من خلالها شرح القضية للجمهور، وتوصيل الرسالة المراد تبليغها، من هنا جاءت فكرة "قادرون باختلاف"، التي تهدف لأن يقدم الأطفال ذوي الإعاقة أعمال فنية هادفة، تعبر عن قضيتهم وأحلامهم وطموحاتهم. في النسخة الأخيرة التي حضرها الرئيس، وكرم خلالها عدد من ذوي الإعاقة وأسرهم، كان لها استعدادات كبيرة، بدأت باختبارات لاختيار المشاركين، ثم توظيف كل منهم في المكان الذي يناسبه، حتى يبدع فيه ويعبر عن نفسه، ثم تدريبهم على المشاهد والعروض والحديث، وإكسابهم الثقة للظهور أمام الشاشات والرئيس. في هذه الاحتفالية، كنت أحرص على كتابة "سكربت" الحفلة كاملا بنفسي، بداية من دخول أول مذيع حتى النهاية، وذلك لأنني عشت مع هؤلاء الأطفال لسنوات طويلة، وبالتالي أعلم ما يفكرون به، "محدش هيفهم اللي أنا فهماه"، كما أن كل الفنانين المشاركين في الحفل، لم يتقاضوا أي أجر، ورغبوا أن يكونوا متطوعين. موقف مع أحد الأطفال لا ينسى؟ عملت سنوات طويلة مع الأطفال، شاهد خلالها العديد من الأطفال، وكلهم بالنسبة لي بمثابة أبنائي، اتذكرهم جميعا، أحاول جاهدة أن أخدمهم قدر استطاعتي. أكثر ما يسعدني في تعامل مع الأطفال، هو أن أجد أحد الأطفال يتصل بي ليخبرني أنه يحبني، أو يحكي لي حلما شاهدني فيه، أمس، أو دعوة جميلة من إحدى الأمهات، ساعدت ابنها في شيء ما، هذا هو سر سعادتي في العمل معهم، "هم سند لي أمام الله".