انشغل الجميع لمدة أسبوع بما فعله "باسم يوسف" واختلفت تسمية ما فعله حسب هوى صاحب التسمية بين "الخطأ والسرقة"، وتناسى الجميع أو ربما جهلوا أن الآفة ليست في "باسم" بقدر ما هي في الصحافة المصرية، التي تحيا في مستنقع قذر ليس أسوأ ما فيه فعلة باسم على سوء هذه الفعلة. لقد استسهلت المؤسسات الصحفية في مصر أنواع معينة من الصحافة هي في مجموعها غير ذات جدوى مثل (صحافة الرأي والخبر) على حساب الأنواع الأكثر جدوى والأعم فائدة مثل صحافة التحقيقات والصحافة الاستقصائية وصحافة التخصص التي نرى فيها كاتبًا متخصصًا في قضية معينة؛ وهو النوع الذي تسبب في هذا الإحراج لباسم لما استسهل وعمد إلى نقل مقال لكاتب متخصص في قضية ما يستطيع الكتابة عنها بسهولة موردًا المعلومات التي تعضد وجهة نظره، وهو ما اتضح أكثرعندما نشر الكاتب عنوان كتاب له حول القضية الروسية في مشهد استعراضي على (باسم) وعلى المصريين – على الرغم من انحيازه في هذه الكتابات واختلافنا معه فيها إلى حد كبير – بينما نجد أن هذا النوع من الكتاب المتخصصين قليل جدًا في الصحافة المصرية. وليت الأمر اقتصر على اللجوء لصحافة الرأي بشكل سليم ولكن ما زاد الطين بلة أن الصحف المصرية تزيد في استسهالها باللجوء لمشاهيرالمجتمع من أي اتجاه؛ للتعاقد معهم ككتاب رأي مستغلين شهرتهم في رفع نسب المبيعات أو"للبريستيج" بغض النظرعن قيمة ما يكتبونه أو حتى دقته، فليست القضية شخيصة وإنما هي قضية الصحافة المصرية التي أصبحت تتاجر بأسماء المشاهير وتترفع عن تكوين كوادر صحفية سليمة أو الاستعانة بالموهوبين من غير ذوي الشهرة. وما يدعو للأسف الشديد أن هذا المستنقع الذي تغوص فيه الصحافة المصرية يتسع ويزداد تلوثًا يومًا بعد يوم عبر لجوء هؤلاء المشاهير لأساليب التعريض بالآخرين والهجوم عليهم وترويج وجهات نظر منحازة ظنًا منهم أن هذه المساحة ملك لهم؛ لتفريغ غيظهم من البعض أو لتصفية حسابات خاصة أو لتقيؤ أفكارهم الهدامة في مجتمع صحفي يرحب بالمشهور لا الموهوب، وليس بعيد عن هذا السياق المقال الذي رد به السيد "بكار" على باسم في نفس الجريدة بعنوان "صديقي باسم أنت لم تعتذر" وهو مقال ينضح الكذب من عنوانه فلا هو صديق لباسم ولا ما كتبه بالمقال يمكن اعتباره كتابة صحفية وإنما هو في أقل وصف تلقيح كلام. لقد "جنت" صحافة الرأي والخبر في مصر على القيم الصحفية المحترمة، وعلى الصحافة الجيدة مثل (الصحافة الاستقصائية وصحافة التحقيقات) التي قلما نجدها في الصحف المصرية ولا يقوم بها إلا الصحفيون الشبان المغمورون الذي لا يتلقون أي تقديرعلى جهدهم المحترم لا ماديًا ولا أدبيًا.. كل هذا في إطارالانسياق وراء صحافة المشاهير وصحافة الخبر الذي يغلب كذبه صدقه، ناهيكم عن صحافة التسريبات والفضائح التي أصبحت موضة هذه الأيام. في النهاية ينبغي التنويه إلى أن باسم اعتذر في نفس الجريدة عبر مقال اعترف فيه بكل أخطائه بشكل كامل، ولم يلتمس لنفسه أي عذر وأعلن توقفه مؤقتًا عن الكتابة، وأنا أحيي باسم بشدة على هذا التصرف، وأنصحه هو وكل متصدري المشهد في مصر التفرغ لعمل ما يجيدونه كلٌ في تخصصه والابتعاد عن فكرة الكتابة الصحفية المنتظمة، وأن يكتفوا بالمساهمة كل حين إذا وجدوا عندهم ما ينفع الناس، وأن يفسحوا المجال للمتخصصين والمتفرغين للكتابة الصحفية المنتظمة.