فاجأنا طلبة الحقوق (قضاة ومحامو المستقبل) بجريمة بشعة، هى التحرش الجماعى بطالبة فى حرم أعرق جامعة مصرية، رأوا من وجهة نظرهم أنها ارتدت ملابس مغايرة لقناعتهم المتخلفة بقدر تخلف التعليم فى مصر، فقرروا أن يقوموا بعقاب جماعى فى ضوء غياب تام لكل مفاهيم الأخلاق أو القانون، هذه الجريمة متعددة الجناة، لم تقتصر على الطلبة فقط، «فإن كان رئيس الجامعة بالرأى مدينا للضحية فشيمة بعض طلبة الجامعة الإجرام». جريمة التحرش (الفردية) قد تحدث فى أى دولة فى العالم، لكن الفارق هو دور المسئولين فى التصدى لها؛ فقد صدمنا الدكتور جابر جاد نصار، رئيس الجامعة أستاذ القانون مقرر لجنة الخمسين التى وضعت دستورا تغنَّينا بأنه دستور الحريات، بتقديم مبرر للجريمة بأن ملابس الطالبة لم تكن ملائمة وأنه سيتم التحقيق مع الطرفين، أى أن أستاذ القانون ساوى بين المجرم والضحية، مما يعد جريمة ربما تفوق جريمة الطلبة، وعليه أن يعلم أن تصريحات سيادته دمرت سمعة الجامعة العريقة عالمياً وأن ينسى أى تصنيف علمى لها استناداً إلى موقف سيادته. وهنا أهدى إليه نبذة عمّا تقوم به الجامعات المحترمة فى بعض الدول لمكافحة التحرش الجنسى: - وضع سياسات محددة وآلية للشكوى والتحقيق فى جرائم التحرش الجنسى ووجود مكتب متخصص باسم «مكافحة التحرش» أو «الخدمات المدنية»، وتحديد إجراءات الشكاوى أو إجراءات التظلم للاستجابة لتقارير أو بلاغات التحرش الجنسى. - نشر برامج التوعية التدريبية كجزء من التزام الجامعة لتوفير بيئة خالية من التحرش وتوفير التدريب والمطبوعات والمواقع الإلكترونية لجميع أعضاء مجتمع الجامعة. - التشديد على مسئولية موظفى الجامعة فى الإبلاغ عن التحرش الجنسى، وقد يخصَّص عدد منهم لمتابعة وقائع التحرش الجنسى كالمشرفين والمديرين والموظفين واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لمنع التحرش الجنسى، - اتخاذ ما يلزم من إجراءات تجاه المُتحرِّش وتقديم الرعاية للمُتحرَّش بها (الرعاية يا رئيس الجامعة) ويُحترم دائماً طلب الضحية عدم الكشف عن هويتها. - يتولى موظفو مكتب التحرش الجنسى استكمال تقرير تقصى الحقائق الذى يُقدَّم للمسئولين عن الحرم الجامعى. ويمكن اقتراح العقوبات للمتهمين، التى قد تصل إلى الفصل من العمل أو من الدراسة بالجامعة. - اتخاذ الإجراءات المناسبة لمساعدة الشاكية (المساعدة يا رئيس الجامعة)، وتشمل المساعدة الأكاديمية والإحالة لإسداء المشورة وفرض قيود عدم الاتصال الدائم من المُتحرَّش بها أو الانتقام منها بسبب الإبلاغ. - يخضع أى عضو من أعضاء المجتمع الجامعى يثبت تورطه فى جرائم تحرش جنسى (مثل تبرير التحرش) لإجراءات تأديبية، تصل إلى الإقالة. - أى أستاذ، مدير، مشرف، أو موظف معين مسئول عن إعداد التقارير أو الاستجابة، يعلم عن التحرش ولا يتخذ أى إجراء لوقفه أو يفشل فى الإبلاغ عن التحرش، يُمكن أن يخضع لإجراءات تأديبية. هناك نماذج عديدة فى أغلب دول العالم المحترمة للتصدى للتحرش فى أماكن الدراسة والعمل، تؤكد أن تبرير التحرش هو اشتراك فى الجريمة وتشجيع على تكرارها. وأود التأكيد أن هذه الجريمة صادمة وكاشفة وكارثة تضاف إلى كوارثنا وتعكس مدى الانحطاط الأخلاقى والتربوى الذى وصل إليه البعض، وتنبهنا لإعادة النظر فى العملية التعليمية برمتها، كما تعكس ضرورة إعادة النظر فى تعيين قيادات الجامعة بالانتخاب؛ فالعملية الانتخابية لا تعكس بالضرورة خبرة علمية وتربوية بقدر ما تعكس خبرة «تربيطية» وعلاقات عامة، وهى آخر ما نحتاجه فى الجامعة، نحن بحاجة إلى أساتذة يملكون ناصية العلم الأكاديمى والتربوى.