«فاتن حمامة».. يدوى الصوت فى فضاء دار الأوبرا المصرية، ثوانٍ قليلة يحبس فيها الحاضرون أنفاسهم، هل تحضر «السيدة الكبيرة» التكريم؟، لا ينتظرون كثيراً، سرعان ما تهل «السيدة» من الكواليس فى فستان أزرق قصير، على وجهها تلك الابتسامة الآسرة، وفى عينيها تلك اللمعة المثيرة، وبخطوات بطيئة هادئة تتناسب مع سنوات عمرها التى جاوزت الثمانين تخطو على خشبة المسرح، تمد يدها لتصافح رئيس الجمهورية الذى يسلمها «وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى»، تشتعل القاعة بالتصفيق الحاد، ينتفض الحاضرون من على مقاعدهم واقفين احتراماً وتبجيلاً، تواجههم «السيدة» بابتسامتها التى تزداد اتساعاً، لا يتوقفون عن التصفيق، حتى وهى تغيب مرة أخرى داخل الكواليس، منهية بذلك فقرة تكريم الفنانين والمبدعين فى الاحتفال بعيد الفن مساء أمس الأول، وكأن المنظمين تعمّدوا أن تكون هى آخر المكرمين، إعمالاً للمبدأ الشهير «ختامه مسك». منذ أن أطلت الطفلة الصغيرة «فاتن أحمد حمامة» على الجماهير من خلال دورها الصغير فى فيلم «يوم سعيد» عام 1940 تعلقت بها القلوب والعقول. «الأكل النهارده حلو قوى» تنطق بها الطفلة الصغيرة التى لم تكد تتم عامها العاشر أمام المطرب محمد عبدالوهاب، بطل الفيلم الأول، اختارها وقتها المخرج محمد كريم للدور بعد أن شاهد صورة لها وهى ترتدى ملابس ممرضة فى مسابقة ملكة جمال الأطفال، وهى المسابقة التى فازت فيها ابنة الموظف أحمد حمامة المولودة فى 27 مايو عام 1931 بالجائزة الأولى. كان «يوم سعيد»، يوماً سعيداً بالفعل على الطفلة الموهوبة التى خطفت انتباه الجميع، إذ فتح الفيلم لها طريقاً لعالم السينما المصرية التى كانت لا تزال فى بداياتها، فشاركت الطفلة فاتن فى عدد من الأفلام قبل أن تلتحق بمعهد الفنون المسرحية الذى أنشأه فنان المسرح الشهير زكى طليمات، فتدرس به ضمن أول دفعة تدخل المعهد، وعندما تتخرّج تتلقفها السينما المصرية فاتحة لها ذراعيها. على الشاشة الفضية قدمت «سيدة الشاشة العربية» أكثر من 90 فيلماً، تقلبت فيها ما بين أدوار «الفتاة الرومانسية»، و«الفلاحة البسيطة»، و«الأم الحنون»، و«المرأة المقهورة»، و«الموظفة المغلوبة على أمرها». حملت أفلام مثل «أفواه وأرانب»، و«ليلة القبض على فاطمة»، و«أريد حلاً»، و«الحرام»، و«يوم حلو ويوم مر»، و«إمبراطورية ميم» رسائل مهمة جداً لمجتمع كان ولا يزال يعيش حالة فوران مستمرة، وفى فورانه كان مستعداً لأن يسقط من اهتماماته قضايا النساء وحقوقهن، فى حين جاءت أفلام مثل «الباب المفتوح»، و«لا وقت للحب»، و«الله معنا»، لتؤرخ لحقبة مهمة من تاريخ مصر السياسى، أما أفلام «سيدة القصر»، و«نهر الحب»، و«أيامنا الحلوة»، و«القلب له أحكام»، «وصراع فى الوادى»، فكانت خير معبر عن رومانسية زمن جميل لا يزال يبعث برسائله مع كل طلة لفاتن حمامة على الساحة الفنية، حتى لو لثوانٍ معدودة تحصل فيها على تكريم.