يوم السبت القادم الخامس عشر من يناير يصادف مرور 70 سنة، علي إنتاج الفيلم الغنائي »يوم سعيد« الذي لعب بطولته محمد عبدالوهاب وأخرجه محمد كريم، وهو أول أفلام فاتن حمامة التي كانت طفلة لا يزيد عمرها علي سبعة أعوام وكان هذا الفيلم بمثابة نقطة انطلاقها، وبداية علاقتها بفن السينما التي قدمت لها ما يزيد علي مائة فيلم بعضها يدخل ضمن أهم كلاسيكيات السينما المصرية! »يوم سعيد« كان يوماً سعيدا علي السينما المصرية فعلاً، وهو ثاني الافلام الغنائية التي قدمها عبدالوهاب طوال حياته ولم تزد علي ستة افلام، وكان لقاء الطفلة فاتن حمامة بالعملاق الكبير، محمد عبدالوهاب له أكبر الأثر في حياتها الفنية وربما الشخصية ايضا حيث تعلمت منه التفاني في العمل والدقة والدبلوماسية، وذكاء التعامل مع الآخرين والحرص الشديد في كل ما تقوله أو يصدر عنها من أفعال، تم اختيار الطفلة فاتن حمامة، بعد أن شاهد المخرج محمد كريم صورتها في إحدي المجلات الفنية، التي كانت تقيم مسابقة لأجمل طفل، وقد وضعت صورة الطفلة الفائزة علي الغلاف، وكانت لطفلة جميلة لها عيون تطل منها الذكاء وترتدي ملابس ممرضة، وبسرعة وجد فيها المخرج محمد كريم غايته، فطلب من مساعديه الاتصال بإدارة المجلة، لمعرفة عنوانها وتحديد موعد مع ولي أمرها ليحضرها لمقابلته، لعمل »تيست« أو اختبار أمام الكاميرا لمعرفة مدي ملاءمة وجهها للتصوير وطريقة نطقها، وبعد أن وصلت الطفلة فاتن حمامة تبين للمخرج أنها أجمل كثيرا من صورتها، كما اكتشف انها »لمضة« خاصة بعد أن حفظت الحوار وقدمته بسهولة، دون أن تكون لديها رهبة أو خوف من الكاميرا، ولا من وقوفها أمام محمد عبدالوهاب بطل الفيلم ومنتجه، ونظرا لإعجاب عبدالوهاب بها، طلب من المخرج زيادة حجم دورها، وحقق فيلم »يوم سعيد« نجاحاً كبيراً جعل الطفلة فاتن حمامة تحقق شهرة واسعة، ومع ذلك فقد صمم والدها علي حجبها عن الأضواء حتي تنهي المرحلة الاولية من التعليم، وهذا ما جعلها تبتعد أكثر من ثمانية أعوام، ثم عادت في فيلم آخر من بطولة عبدالوهاب وإخراج محمد كريم ايضا، وهو »رصاصة في القلب« وكانت وقتها قد وصلت لسن المراهقة، ولعبت دور شقيقة البطلة »راقية إبراهيم«، وأدركت فاتن حمامة أن السينما سوف تكون مستقبلها والعالم الرحب الذي تحقق من خلاله أحلامها وطموحاتها، وتعددت بعد ذلك ادوارها الصغيرة وعملت مع عملاق آخر هو يوسف وهبي، الذي نصحها بدروس في الإلقاء بعد أن لاحظ أن لديها »لدغة« في حرف الراء، وتولي الممثل القدير عبدالوراث عسر تدريبها علي النطق السليم، وقد وجدت فاتن حمامة أنها لابد ان تدرس فن التمثيل في معهد متخصص، فالتحقت بمعهد يديره الفنان زكي طليمات، وبدأت رحلتها مع النجاح والشهرة، وتزوجت من المخرج عز الدين ذو الفقار، وأنتجت أول أفلامها »موعد مع الحياة«، وبعد نجاحه قدمت فيلما آخر من إنتاجها وإخراجه وهو »موعد مع السعادة«، ولكن السعادة لم تدم طويلا بين فاتن وزوجها عز الدين ذو الفقار الذي كان يكبرها بعشرين عاما، وانتهت علاقة الزوجية بينهما بينما استمر التعاون الفني، وقدمت معه بعد طلاقهما أفلام »بين الاطلال« و»نهر الحب« وعندما كان المخرج يوسف شاهين يشرع في الاعداد لفيلم »صراع في الوادي«، عرض علي فاتن دور البطولة أمام كل من زكي رستم وفريد شوقي، لما سألته عمن سيلعب امامها دور الفتي أو »الجان« أجابها بحذر انه شاب جديد اسمه ميشيل شلهوب ولما بدي عليها الانزعاج وقالت »ده خواجه ولا ايه؟ أجابها يوسف شاهين لا ده اسكندراني وابن بلد ولكنه تربية مدارس اجنبية، وحايعجبك قوي لأنه موهوب ومثقف«، وفي لقائها الاول معه أدركت فاتن حمامة ان ميشيل شلهوب الذي اصبح اسمه فيما بعد »عمر الشريف« سوف يكون له شأن كبير في السينما، وفي حياتها ايضا، وكانت اول قبلة تجمع بينهما بين أحداث فيلم »صراع في الوادي«، هي اعلان عن بداية قصة حبهما التي توجتها بالزواج منه، ليكونا بعد ذلك ثنائياً فنياً ناجحاً، ويقدما لشاشة السينما المصرية »صراع في الميناء«، و»سيدة القصر«، و»لا انام«، و»نهر الحب« ثم تنتهي قصة الزواج، بعد أن سافر عمر الشريف للخارج ليصور اول افلامه العالمية »لورانس العرب«، ثم »د. زيفاجو« الذي رشحه لأول أوسكار في حياته ثم توالت افلامه العالمية ومنها »الرولز رويس الصفراء«، و»سقوط الامبراطورية الرومانية«، و»جنكيز خان«، و»مايرلنج«، و»فتاة مرحة«. وقف عمر الشريف أمام جميلات السينما العالمية، وقفز من نجاح الي آخر، وكان صعب عليه أن يترك كل هذا ويعود الي أحضان السينما المصرية التي كانت تعاني من أزمة طاحنة بعد هزيمة 1967 وكان صعبا علي فاتن حمامة أيضا أن تظل تتحرك خلف زوجها العالمي من بلد الي آخر، أثناء تصويره لأحد افلامه، وكان صعبا ايضا أن تتخلي عن مجدها ونجاحها الفني فاتخذت معه قرارا بالطلاق، وعادت إلي شاشة السينما بعد سنوات من الانقطاع لتقدم مجموعة من أهم افلامها تلك التي بلغت فيها درجة كبيرة من النضج، مثل: »الخيط الرفيع«، و»أريد حلا«ً، و»إمبراطورية ميم«، و»لا عزاء للسيدات«، و»يوم حلو ويوم مر«، و»أرض الأحلام« الذي أخرجه داود عبد السيد ولعب بطولته أمامها يحيي الفخراني وكان الفيلم آخر علاقة لها بالسينما، بعدها اتجهت للعمل في التليفزيون فقدمت مسلسل »ضمير أبلة حكمت« من تأليف اسامة أنور عكاشة، وإخراج إنعام محمد علي ثم مسلسل »وجه القمر« أمام أحمد رمزي وجميل راتب وهو المسلسل الذي شهد انطلاق وجوه شابة: غادة عادل، نيللي كريم وأحمد الفيشاوي وعلا غانم. فاتن حمامة التي اثرت شاشة السينما المصرية بعشرات الادوار الناجحة ربما تكون قد تفرغت لحياتها الاسرية ولكنها لم تعلن اعتزالها، وأعتقد انها لم تفكر في ذلك، أنها تتابع الاعمال الفنية باهتمام وتقرأ بنهم وتتابع الاحداث العالمية والمحلية وتشارك بالرأي في كل القضايا الحيوية عندما يطلب منها ذلك، وتسمح احيانا بلقاءات صحفية تعلن فيها عن بعض آرائها في كافة امور الحياة خاصة ما يتعلق بالفن، وهي نموذج ومثال رائع للفنانة والسيدة المصرية المثقفة تعيش حياة هادئة مع ابنائها وأحفادها وزوجها د. محمد عبدالوهاب. لقد كان فعلا »يوماً سعيدا« يوم بداية فيلم »يوم سعيد« في 15 يناير عام 1940 الذي ظهرت فيه لأول مرة تلك الطفلة الموهوبة فاتن حمامة التي أصبحت بعد ذلك سيدة الشاشة المصرية، هذا اليوم يستحق أن نحتفي به.