إضافة جديدة ومتميزة قدمها الناقد والكاتب الصحفي الكبير عبدالنور خليل للمكتبة السينمائية والفنية العربية بإصداره كتاب «فاتن حمامة والعصر الذهبي للسينما المصرية» وهو يتضمن مذكرات سيدة الشاشتين ونجمة القرن التي سبق ونشرها علي حلقات بجريدة «القاهرة» خلال عام 2004 علي مدار ثماني عشرة حلقة. الطريف أن مصادفات كثيرة جمعت بين بنت المنصورة التي صارت أكبر نجمات الشرق في عالم السينما وبين ابن شبرا الناقد الذي صار شيخاً لمحرري الفن في مصر المحروسة. نعم فاتن وعبدالنور كلاهما من مواليد 1931 مع عمر الشريف ومحرم فؤاد. وإذا كانت فاتن قد عرفت طريقها إلي عالم الشهرة والأضواء والنجومية في طفولتها.. فإن عبدالنور خليل قد احتاج لسنوات حتي يلتقي بها عام 1955 أثناء تصوير فيلم «أيامنا الحلوة» لكي تربطه صداقة قوية مع النجمة التي صارت يوماً سيدة الشاشة العربية.. الطفلة المعجزة تعود إلي عام 1939 عندما كان المخرج السينمائي الكبير محمد كريم يستعد لتقديم ثالث أفلام موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب «يوم سعيد» وكان المفروض أن يكون رسول الغرام بين عبدالوهاب وحبيبته أختها الصغري التي لا يزيد عمرها علي ست سنوات. بنت مصرية فيها كل شقاوة الطفولة وذكائها وأصبح هما من هموم محمد كريم قبل أن يبدأ التصوير أن يعثر علي أنيسة وكان هذا اسم الطفلة أخت الحبيبة.. لكن المصادفة ألقت بين يديه عدداً من أعداد مجلة المصور التي كانت قد نظمت مسابقة لاختيار أجمل طفلة ترتدي زي ممرضة كملاك من ملائكة الرحمة.. كانت الطفلة الفائزة تحتل صورتها غلاف مجلة المصور ووجهها ونظراتها المتحدية في براءة تكاد تنطق قائلة: أنا أنيسة يا أستاذ كريم.. هذا ما كتبه عبدالنور خليل علي لسان محمد كريم في مذكراته التي نشرها في مجلة الكواكب في ربيع 1964 وبدأ محمد كريم رحلة البحث عن الفتاة لم يكن اسمها مشكلة فقد نشرته المجلة.. فاتن أحمد حمامة.. ويومها اكتشف كريم أن أسرتها لا تعيش في القاهرة بل تعيش مع رب الأسرة في مدينة المنصورة ، حيث يعمل والدها كناظر لإحدي المدارس.. ارتحل كريم إلي عاصمة الدقهلية والتقي بالطفلة فاتن التي وجد أنها تحقق الصورة التي كان يتصور فيها «أنيسة» جريئة غير هيابة، تعلق في غير حرج علي المنديل الملون المطل من جيب سترته، وتحمل إليه فنجان القهوة علي صينية كأنها ربة البيت المضيفة. طال الجدل والنقاش بينه وبين الوالد الأستاذ أحمد حمامه قد حول فكرة ظهور ابنته في السينما، لكنه استطاع أن ينتزع موافقته في النهاية، وتحولت فاتن أحمد حمامة ذات الست سنوات عمرا إلي أنيسة أمام الكاميرا.. وتحولت فاتن إلي فاسوخة للفيلم أثناء التصوير تنفذ مايطلبه منها كريم بموهبة معجزة أمام الكاميرا وتقف لكي تري المشاهد التي يمثلها زملاؤها من الفنانين الكبار وتشاهد كريم وهو يعيد مشاهد الفيلم التي يظهر فيها عبدالوهاب المرة بعد المرة، وتقول ل عبدالوهاب في براءة: يووه إنت تعبت بابا كريم قوي.. إذا ما عملتش اللي بيقوله هاخليه يجيب واحد غيرك، كانت طفلة معجزة، وكانت مفاجأة سينمائية من العيار الثقيل وهي تتحرك علي الشاشة بتلقائية موهوبة مقنعة من يشاهدها بأنها تعيش علي طبيعتها ولا تمثل. شيرلي تمبل اعترف كريم ل عبدالنور خليل أن عثوره علي فاتن ليقدمها في دور أنيسة أنقذه بل انتشله من نوبة احباط ضخمة. وكان فيلم «يوم سعيد» الذي سجل نجاحاً غير مسبوق عند عرضه الأول في 15 يناير 1940 بسينما رويال. وكان من أبرز ثمرات هذا النجاح الطفلة المعجزة فاتن حمامة التي قدمها في دور أنيسة فاقنعت كل من يشاهد الفيلم أنها تعيش الدور ولا تمثله، وأنها بالفعل أنيسة بنت الأسرة المتوسطة التي تعيش في حي شعبي والتي شبهها النقاد يوماً بمعجزة السينما الأمريكية شيرلي تمبل. ورغم كل هذا النجاح فقد أفسدت أنيسة علي فاتن الصغيرة طفولتها بعد أن أصبحت شهيرة، وأصبح الناس يلاحقونها في شوارع المنصورة وأتخذ والدها قراراً بأن يبعدها عن التمثيل. رصاصة في القلب ومن هنا بذل كريم جهداً كبيراً مع الأب بعد ذلك بسنوات عندما اختارها لتقوم بدور في فيلم رصاصة في القلب.. تلك العودة التي وسعت دائرة تفكير الوسط السينمائي فيها كممثلة واعدة في سن مبكرة. كانت عودة فاتن إيذانا ببوابة الرحلة الطويلة التي قطعتها صعوداً إلي القمة والانفراد بالبطولة الأولي في عشرات من أفلام العصر الذهبي للسينما في مصر والوطن العربي. ولم تعد إلي الأدوار الثانية بعد «رصاصة في القلب» إلا في فيلمين للفنان الكبير يوسف وهبي أولهما «ملاك الرحمة» والثاني «القناع الأحمر». أيامنا الحلوة بداية تعرف عبدالنور خليل علي السيدة فاتن حمامة كانت عام 1955 عند تصوير فيلم «أيامنا الحلوة» من خلال صديقه حلمي حليم الذي كانت الصداقة قد ربطت بينهما قبل ذلك بسنوات عندما جمعهما حب الأدب وربط بينهما بصداقة قوية لقاؤهما المتكرر في دار الكتب.. وعندما فكر حليم في إنتاج أفلام يكتب لها السيناريو والحوار كانت قد مرت عشر سنوات علي عودة فاتن حمامة إلي عالم الشاشة الفضية كانت خلالها قد صارت الرمز الأشهر والأول في السينما المصرية، أو كما يقولون «الجنيه الذهب». عرض حلمي حليم السيناريو علي فاتن حمامة- وبفهم عميق لفكر حلمي قررت قبول دور أمال بطلة الفيلم- بل تحمست إلي الحد الذي قدمت أجرها ضمانا لاستديو مصر لكي ينتج حلمي حليم فيلمه. تمسكت فاتن بأن يخرج حليم الفيلم لأنها رأت أنه الأقدر من أي مخرج آخر علي تحويل فكره إلي شريط سينمائي. كاتب قصة الطريف أن عبدالنور خليل الذي كتب مذكرات كبار فناني وفنانات مصر من محمد كريم إلي صلاح أبو سيف وفطين عبدالوهاب وفاطمة رشدي و فاتن حمامة و سعاد حسني وليلي مراد وأنور وجدي وبليغ حمدي وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب ومن السينما العالمية مارلين مونرو ومادونا.. كما كتب عن عشرات الفنانين في مصر والعالم.. عاش عبدالنور خليل الفن وخاصة السينمائي بكل جوارحه فشاهد مئات الأفلام العربية والأجنبية وسافر إلي مهرجانات العالم السينمائية في كان وبرلين وسان سباستيان وفينسيا وموسكو وطشقند ونيودلهي والمهرجانات العربية في دمشق وقرطاج.. هذا الرجل الذي عاش الفن بكل جوارحه بدأ حياته كاتبا للقصة القصيرة حيث نشرت قصصه أثناء دراسته الجامعية عام 1948 في صحف ومجلات النداء وصوت الأمة والبلاغ والمصري والكتلة وقصص للجميع ومغامرات الجيب والاستديو والستار والرسالة والغد. العصر الذهبي كتاب «فاتن حمامة والعصر الذهبي للسينما» رحلة في أعماق عالم فاتن حمامة الإنساني والسينمائي كتبها ناقد خبير مخضرم عاصر الأحداث وشارك في معظمها، عاش خلاله وعشنا معه عصر السينما الذهبي من خلال قصة حياة واحدة من أعظم، ان لم تكن أعظم ممثلات السينما المصرية.