قال المهندس سعد الحسينى، لا فض فوه: «إن أخونة الدولة هى الديمقراطية بعينها، وأن معارضيها هم من محبى الدولة العسكرية»، كلام المهندس الحسينى كلام خطير، فالرجل صاحب موقع مرموق داخل جماعة الإخوان المسلمين، وكان يشغل موقع رئيس لجنة الخطة والموازنة فى مجلس الشعب «المنحل»، وهو أيضا واحد ممن ترددت أسماؤهم فى بورصة شائعات التشكيل الوزارى الأخير..! والمهندس سعد الحسينى ينطلق فى رؤيته من أن «الحزب الحائز على الأغلبية» له الحق فى حكم البلاد وتغيير مفاصل الدولة وأخونتها، لأن الجماهير فوضته فى ذلك، ومن ثم فلا داعى ولا مبرر لمخاوف الآخرين الذين لا يلتزمون بقواعد وشروط الديمقراطية!! ويخلط المهندس الحسينى هنا بين الدولة والحكومة، فالدولة هى للجميع، والحكومة هى للحزب أو الأحزاب التى حصلت على الأغلبية فى الانتخابات البرلمانية، ولا يصح ولا يتوجب أن توظف الدولة لحساب الحزب الحاكم، ولا أن يجرى تسخيرها بهدف إصدار القوانين والإجراءات التى تضمن استمرار هذا الحزب فى حكم البلاد لعقود طويلة من الزمن. وقياسا على الحالة المصرية لا يوجد فى الوقت الراهن حزب يحتفظ بالأغلبية أو الأكثرية فى البرلمان، لأن البرلمان قد جرى «حله» بحكم صادر من المحكمة الدستورية، وكان يتوجب على رئيس الدولة إما أن يشكل حكومة مستقلة من «التكنوقراط» أو يدعو إلى «حكومة ائتلافية» من الأحزاب الفاعلة والأساسية على الساحة لحين إجراء الانتخابات البرلمانية قبيل نهاية هذا العام. غير أن ما جرى هو عكس ذلك، إذ جرى تشكيل حكومة إما من الإخوان أو من عناصر مرتبطة بهم بشكل أو بآخر، وهو ما يعطى رسالة واضحة لجمهور الناخبين لا يغفل معناها، ويمنح مرشحى جماعة الإخوان وحزبها ميزة عن الآخرين، وهو أمر يخل بحياد الدولة، خاصة إذا ما جرى خلال الأيام القادمة تعيين المحافظين ورؤساء الأحياء والمدن من جماعة الإخوان أو حلفائها..!! لقد تحول أعضاء «الجماعة» فى الشارع إلى أصحاب «الحل والعقد» فى كل الأمور، تعليماتهم نافذة، والأبواب أمامهم مفتوحة، دون سواهم، حتى أصبح مسئولو الجهاز الإدارى يخافونهم ويهابونهم، فمن يدرى ربما استطاع هذا الشخص أو ذاك أن يشى به لدى الوزير أو الرئيس، فيفقد منصبه فى غمضة عين، فاكتسبوا ميزة لم يكتسبها الآخرون من منافسيهم، وراحوا يسخرون جهاز الدولة بأسره لحسابهم قبيل شهور قليلة من الانتخابات. والأخطر من ذلك أن الشائعات راحت تتردد عن حرب تصفيات قادمة للمعارضين والمنافسين من خلال الاستعانة بالأجهزة الأمنية للتجسس عليهم، وتلفيق الاتهامات لهم، والتخلص منهم تدريجياً الواحد تلو الآخر، وحرمانهم من الظهور فى وسائل الإعلام التى جرى «أخونتها». وما يثير القلق هو استغلال هذه الأكثرية أو الأغلبية المنعدمة فى إصدار دستور وقوانين تخدم «الجماعة» وتفتح الطريق أمام استمرار حكمها للبلاد، وتحصن منصب «الرئيس الحالى»، وتضمن استمراره لأربع سنوات قادمة مع أننا أمام دستور جديد، يوجب إجراء انتخابات جديدة كما هو الحال فى الكثير من دول العالم. لقد سارع مجلس الشورى «الخطى» وأبعد أكثر من خمسين من رؤساء المؤسسات القومية، مع أن بعضهم لم يكمل مدته، خاصة أنهم عينوا بقرارات من مؤسسات وحكومات ما بعد الثورة، واستطاع مجلس الشورى أن يسابق الزمن ليرسخ أمراً واقعاً قبيل أن يتم الحكم بالطعن فى دستوريته خلال الأيام القليلة المقبلة. أما عن حركة المحافظين التى ستصدر خلال أيام، فالهدف منها هو تمكين الإخوان والعناصر المساندة لهم، مع أنه كان يمكن الانتظار لثلاثة أشهر قادمة، حيث تجرى انتخابات البرلمان ويعقبها تشكيل حكومة من حزب الأغلبية، أو حكومة ائتلافية يكون من صلاحياتها تولى هذه المسئولية جنباً إلى جنب مع الرئيس، غير أن ما يجرى الآن هدفه بوضوح «توظيف الدولة» لحساب الجماعة وحزبها. باختصار أصبحنا أمام دولة تدار بعقل ومفهوم ومصلحة «الجماعة» وهو ما دفع الكثيرين إلى مطالبة الرئيس المنتخب بأن يتجرد عن انحيازه للجماعة بوصفه رئيسا سابقا لحزبها، وأن يكون رئيساً لكل المصريين، وأن يحافظ على حياد الدولة ومؤسساتها لتكون للأحزاب والقوى السياسية وللمصريين جميعاً، دون انحياز لطرف على حساب آخر. أما ما تشهده الساحة الآن، فهو على النقيض من ذلك، فنحن أمام دولة يجرى بالفعل «أخونة» مفاصلها الأساسية وتوظيف جهازها الإدارى وإمكاناتها وأجهزة أمنها لحساب فصيل واحد، لضمان بقائه واستمراره فى حكم البلاد إلى أبد الآبدين. وإذا لم يجرِ الفصل بين «الدولة» و«الجماعة»، فلا أمل فى انتخابات قادمة، ولا تداول سلمياً للسلطة، ولا دستور ولا قوانين، والكل سيكون فى مرمى الهدف، والاتهامات جاهزة، وإذا عجزت القوانين، فالميليشيات حاضرة!!