جاء قرار إنشاء مجلس الأمن القومى المصرى فى التوقيت الأدق فى ظل الظروف التى تنتاب مصر كإحدى دول ثورات الربيع العربى، وإن كانت دقة هذا التوقيت تتطلب رؤية أمنية جديدة إن لم تكن تتطلب إعادة نظر من حيث المبدأ فى أسلوب المعالجة الأمنية للإرهاب سواء فى داخل البلاد أو خارجها. فمصطلح الأمن يعود إلى نهاية الحرب العالمية الثانية مع بداية الانتباه إلى ضرورة تحاشى الحروب والحفاظ على استقرار الدول حتى تم إنشاء مجلس الأمن القومى الأمريكى عام 74 ثم بدأ استخدام مفهوم الأمن بمستوياته المختلفة وفقاً لظروف كل دولة على المستويين الداخلى والإقليمى. ولكن مع اختلاف مفاهيم الأمن بين الدول كبريطانيا مثلاً حيث يعنى حماية الأمة من الأخطار الخارجية، أو فى الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث يعنى أية إجراءات يسعى المجتمع عن طريقها للحفاظ على التوازن والاستقرار، إلا أن مفهوم الأمن من وجهة النظر الدينية «الإسلامية» وفقاً لما ذكره الدكتور زكريا حسين أستاذ الدراسات الاستراتيجية والمدير الأسبق لأكاديمية ناصر العسكرية، يعد الأقرب لما نتطلع إليه فى مجتمعاتنا؛ فهو يهدف إلى دفع أى تهديدات بالخوف أو الجوع عن المجتمع وهو ما يطلق عليه التهديد الشامل سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً، خارجياً كان أم داخلياً، وبالتالى فإن اختصاصات هذا الجهاز فى مصر فى المرحلة الحالية لا تنصب فقط على الداخل وإنما تصب فى المفهوم الأمنى بمعناه الأشمل بما يتلاءم مع كم التحديات التى تواجهها مصر ومن ثم فإن إشراك المواطن بهذه المسئولية من خلال إطلاعه على التهديدات التى تواجه البلاد أصبح ضرورياً جداً كى يكون أكثر تعاوناً ووعياً ولكن من خلال خطاب إعلامى أكثر شفافية وعمقاً، فلا يمكن أن نغفل دور المواطن ودعمه لمجلس الأمن القومى لأن أمن الفرد هو أحد أهم مستويات الأمن القومى، حيث يستهدف أى أخطار تهدد حياته أو ممتلكاته أو أسرته وهذا ما يستهدفه جهاز الأمن الوطنى كذلك. ولا نغفل أيضاً فى هذه المرحلة التى تمر بها دول الربيع العربى ضرورة تفعيل دور اللجنة العسكرية الدائمة بجامعة الدول العربية المعنية بالتصدى لأى خطر يهدد الدول العربية خاصة أن أبحاث هذه اللجنة لم تكتمل حتى الآن بعد أن اتهمت اللجنة بالقصور فى التوصل إلى مفهوم واضح للأمن القومى العربى وأن الموضوع ما زال قيد البحث والتحليل خاصة مع ثورات الربيع العربى التى جعلت من المنطقة العربية هدفاً للدول ذات الأطماع الاستعمارية. لمجلس الأمن القومى المصرى خصوصية كبيرة نظراً لمكانة مصر ولدورها القيادى فى المنطقة، بالإضافة إلى عراقة أجهزتها الأمنية والمخابراتية بما يضع مصر فى المرتبة التى تؤهلها للقيام بدور إقليمى ريادى فى المنطقة من الناحية الأمنية والاستراتيجية تحت مظلة القوات المسلحة المصرية وبتكاتف من أبناء الشعب المصرى العظيم وبدعم من باقى مؤسسات الدولة، بما يرسخ لمفهوم جديد لرؤية أمنية جديدة تنأى بنفسها عن التشبه بما يطلق عليه «الدولة البوليسية»، فالمفهوم الأمنى قد يمتد إلى ما هو أبعد من الاستخدام التقليدى ليصل إلى معالجة الجهل والفقر والفساد المجتمعى على اعتبار أنها أهم أدوات الإرهاب وأهم أسباب استهداف المجتمع والقيام بالطبع بحزمة إصلاحات سياسية واقتصادية. إذن فنحن فى حاجة إلى صياغة جديدة للتعامل الأمنى تتلاءم مع المعطيات المتوافرة أمامنا، بمجتمعات يمزقها الإرهاب من الداخل وتستهدفها مؤامرات من الخارج، وهذا ما نعول على مجلس الأمن القومى القيام به.