موعد شهرى اعتادت القيام به منذ أن داهم المرض جسدها، سيدة ستينية تستيقظ باكراً فى الأسبوع الأخير من كل شهر، قدماها حفظتا الطريق إلى مستشفى الحميات بالعباسية، تتحرك من الوراق مع شروق الشمس، أملا فى الحصول على مواصلة عامة قبل ساعات الزحام لعلها تجد مقعدا تجلس عليه فى مشوارها الطويل، فجسدها الهزيل لا يقوى على تحمل ركوب أكثر من وسيلة مواصلات وصولاً لمترو الأنفاق على سبيل المثال، ودخلها المحدود يقف عائقا أمام احتمال ركوبها تاكسى حتى وإن كان لمشوار لا يتكرر إلا مرة واحدة شهريا، ولكن اليوم بات الأمر مختلفا، تحركت فى موعدها ولكن لم تجد أوتوبيساً يتحرك. فى موقف إمبابة وقفت فتحية أحمد، طالت لحظات انتظارها، أعداد الركاب فى تزايد بينما اختفت أوتوبيسات هيئة النقل العام، تستند السيدة العجوز على أحد الأعمدة الحديدية بالموقف موجهة سؤالها لإحدى السيدات إلى جوارها «هو يا بنتى الأوتوبيس اتأخر كده ليه» تجيبها الأخرى وهى تجرى منادية إحدى سيارات التاكسى «يا حاجة الأوتوبيس مش جاى، السواقين عاملين إضراب» تقف السيدة العجوز متحدثة إلى نفسها «عاملين إضراب ليه هو إحنا ناقصين هنلاقيها من مين ولا مين، أنا مش حمل البهدلة فى الزحمة وصاحية من النجمة عشان ألحق أروح المستشفى أكشف وأصرف العلاج أعمل إيه؟». تمر الدقائق كالساعات، تقف «فتحية» تروى مأساتها بينما يمر ميكروباص مكتظ بركابه، تقف بجوار السائق متوسلة إياه «والنبى يا ابنى تودينى مستشفى العباسية فى طريقك ينوبك ثواب» يقسم لها السائق أن طريقه مختلف، تعاود الجلوس على أحد المقاعد، يتزاحم الناس وتختلط الأصوات من حولها، تلك سيدة ترثى حظها لتأخرها عن موعد عملها، وآخر يجوب الطريق ذهابا وإيابا لعله يجد أى وسيلة مواصلات إلى عمله، وشابة جاءت من أوسيم تحمل طفلتها المريضة والدموع تنهمر من عينيها متحدثة إلى أمها «هنعمل إيه البنت سخنة نركب تاكسى وخلاص»، تراقب «فتحية» ما يحدث من حولها، تتأكد أنها ليست الأسوأ حالا فكل من حولها له معاناته «منه لله اللى كان السبب لما عاوزين يعملوا إضراب يعملوه بعيد عن الغلابة اللى محدش سأل فيهم ومش بيتشطروا غير عليهم». بعد ساعات انتظار طويلة بلا جدوى تلوح السيدة العجوز إلى سائق «توك توك» قائلة له «تودينى مستشفى العباسية يا ابنى وهديك الخمسة جنيه اللى معايا»، يرفض السائق على الفور ويمر دون أن يجيبها بلسانه، يلوح بيده فحسب، ينصحها أحد المارة بالتوجه إلى شارع مجاور به عدد قليل من الأوتوبيسات تسمح بركوب المواطنين. تحاول السيدة المسنة الإسراع فى خطواتها، تجد بالفعل أوتوبيسات صغيرة تابعة لإحدى الشركات الخاصة لنقل الركاب والتى تقدر تذكرة ركوبها ب2 جنيه، تعلق يدها بباب الأوتوبيس المكتظ بالمواطنين، داعية أن يرأف أحد بحالها ويسمح لها بالجلوس فى مشوارها الطويل.