كثير من المصريين الذين يطالبون بترشيح المشير السيسى رئيساً للجمهورية، ويعلقون صوره على صدورهم، ويتغنون باسمه، ربما ينقلبون عليه فى غضون شهور -إن لم يكن أسابيع- إذا لم يحقق لكل منهم مطالبه الشخصية سواء كانت مادية، أو فئوية، أو وظيفية، إلخ.. وسوف يخرجون فى مسيرات، ويطالبون باعتصامات، وربما يهتفون ضده، وهو الشخص نفسه الذين كانوا مفتونين به منذ شهور قليلة، وبغض النظر عن الدور التحريضى والتخريبى القذر الذى تلعبه تلك الجماعة الإرهابية المتأسلمة، يجب أن نحاول أن ننظر فى المرآة ونواجه أنفسنا، فالمشير السيسى بحق رجل وطنى ومحترم وهو صاحب شخصية قوية وكاريزما وذكاء عاليين، إلا أنه -ولا حتى سيدنا يوسف- لا يمكن أن يفعل شيئاً دون أن يتحمل كل فرد من هذا الشعب مسئوليته فى العمل المضاعف، والتحمل والصبر والتقشف والجلد والإيثار، شريطة أن يسبقه فى ذلك كل المسئولين فى الدولة -بدءاً من رئيس الجمهورية وحتى أقل مسئول- وأن تكون هناك عدالة فى توزيع الدخل والثروة على المواطنين. وفى الحقيقة فإننى أشعر أن كثيراً من المصريين ينظرون إلى المشير السيسى وكأنه مارد مصباح علاء الدين، أو البطل الأسطورى فى الروايات الشعبية القديمة الذى يمكنه تحقيق الأحلام فى غمضة عين، ولذا فهم يريدونه حتى يتصدر المشهد، ويحقق لكل واحد منهم مطلبه الشخصى، فقد فعلوا ما عليهم وانتخبوه، ثم ذهب كل منهم إلى سريره ليتغطى بلحافه، ويشاهد برامج «التوك شو» التى تنقل وقفات الشعب الغاضب، وبعد ذلك يقوم إلى ال«كى بورد»، وإلى شلة الفيس بوك وتويتر وإنستجرام لكى يفرغ شحنة الغضب الموجودة بداخله، ويستمر تسخين كل منهم للآخر حتى يصلوا إلى مرحلة النزول إلى الشارع من أجل ثورة أخرى، وكأننا على شاطئ وكلما بنينا قصراً من الرمال يأتى أحد المارة ويهدم ما بنيناه بمنتهى البساطة، ليقضى على أحلامنا وأمانينا، لكى نبدأ من الصفر مرة أخرى ونظل عند هذا الصفر إلى الأبد. ترى هل نريد السيسى لكى نقول له بمجرد أن يفوز بكرسى الرئاسة «فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون»، أم أننا سوف نعمل ونتحمل ونحارب سوياً للقضاء على هذا الإرهاب الأسود، لكى نبنى وطناً عظيماً، وليس مجرد قصور من الرمال والآمال؟، ولمَ لا؟ فهناك من الأمم من تراجعت وانهزمت وانكسرت، ثم قامت وانتفضت ونهضت حتى صارت من الدول العظمى. وفى يوم 13 مايو سنة 1940 خطب «ونستون تشرشل» أمام مجلس العموم خطبة شهيرة قال فيها: «ليس لدىَّ ما أقدمه سوى الدم والتعب والدموع والعرق.. أمامنا محنة من أخطر المحن وأمامنا أشهر طويلة من الكفاح والمعاناة». وفى إحدى خطب الترشح (للاستفتاء وليس الانتخاب) للزعيم الراحل جمال عبدالناصر قال: «إننى أجىء إليكم وليس معى وعود براقة، وإنما أجىء إليكم ومعى خطط عمل مضنية، وليس فى جيبى هدايا سخية أعرضها عليكم، وإن ما أعرضه عليكم هو مسئولية ضخمة وشاقة أريد أن أضعها على أكتافكم، لم أجئ لأعطيكم وإنما جئت لأطلب منكم»، فلنتذكر هذه الكلمات جيداً، وليتذكر الإعلام هذا، ولنعلم أن انتخاب الرئيس هو الخطوة الأولى فى خطوات الصعود إلى سلم المستقبل، وأن انتخاب برلمان قوى ومحترم -يترجم ما جاء فى الدستور إلى قوانين- لا يقل أهمية عن انتخاب رئيس الجمهورية، والأهم من الاثنين أن نضاعف من العمل والجهد والعرق من أجل بناء الوطن الذى ننشده. وفى النهاية أتذكر نهاية مسرحية «الزعيم» لزعيم الكوميديا عادل إمام التى يتغنى فيها بكلمات رائعة تلخص ما أريد قوله، تقول الأغنية: «الشعب اللى مصيره فى إيده.. هو الفارس.. هو الحارس.. والأحلام مش عاوزة فوارس.. الأحلام.. بالناس تتحقق».