أكد الدكتور أحمد شمس الدين، المتخصص في أسواق رأس المال المصري، الأستاذ المساعد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أنًّ مصر تزدهر اقتصاديًا خلال السنوات الأخيرة بعدما شهدت أسوأ أزمة اقتصادية خلال عهد الإخوان. حديث "شمس الدين" وهو أيضًا رئيس قسم الأبحاث العالمية في أحد أكبر بنوك الاستثمار في الأسواق الناشئة، جاء خلال مقال له في موقع "foreign policy" الأمريكي الشهير، ردًا على مقال كتبه وزير الاستثمار الأسبق في حكومة الإخوان يحيى حامد، عن السياسات الخارجية، والمنشور في وقت سابق من الشهر الجاري. واستهل "شمس الدين" مقالته بأن "حامد ألقى نظرة قاتمة ظالمة على الاقتصاد المصري، يشير إلى أن المستثمرين الدوليين جاهلون بالأوضاع لكي يضخوا مليارات الدولارات في أسواق الأسهم والدخل الثابت في البلاد، وأن الحكومة تسيء إدارة الاقتصاد"، وأضاف أن مقال "حامد" يتضمن انتقادات غير معقولة عن مستويات الديون المرتفعة في مصر وارتفاع مستويات الفقر بعد الإصلاحات الاقتصادية في عام 2016، ورسم رؤية غير واقعية وغير عادلة للتحديات الاقتصادية في البلاد، مشيرا إلى أنه "كان من المدهش بالنسبة لي، كشخص عشت في مصر وتربى أطفالي فيها أيضا، أن أسمع أن مصر على وشك الانهيار". وأشار المتخصص في أسواق رأس المال المصري، إلى أن حامد حذر بشكل درامي من أن مصر تبالغ في رفع الدخل بالاقتراض المفرط والادعاءات الكاذبة التي ستسبب أن يواجه المجتمع الدولي قريبًا طوفانًا وشيكًا من المهاجرين المصريين على شواطئ أوروبا. واستطرد بأنه "من المفارقات أيضا أن حامد يحذر من ارتفاع العجز الذي يقل الآن بمقدار 300 نقطة أساسية على الأقل عما كان عليه عندما كان وزيرًا (يحسب العجز كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي)، بينما يلوم الحكومة الحالية على استخدام سياسات مالية قوية للسيطرة عليه". ويعتقد "شمس الدين" أن "حامد" يستخدم منهجية مشكوك فيها لدعم أطروحته. وأردف: "تدخل الحكومة وسياسة سعر الفائدة لا يختلطان، هناك العديد من القضايا الخطيرة التي يمكن للمصريين إلقاء اللوم فيها على الحكومة، لكن من الحماقة إلقاء اللوم على الحكومة فيما يتعلق بالارتفاع المؤقت في تكاليف الفائدة، لأن أسعار الفائدة هي اختصاص البنوك المركزية في كل مكان، ومن الصعب بشكل خاص إلقاء اللوم على الحكومة، التي حققت بالكامل أهدافها المالية. وذكر أن "انتقاد تدابير التقشف في بلد يعاني من اختلالات مالية هيكلية، وإلقاء اللوم على سياسات وضعها صندوق النقد الدولي بسبب ارتفاع مستويات الفقر، كان من الممكن فهمه لو أنه جاء من اليسار المصري، الذي يقف ضد التدابير التي اتخذتها الحكومة منذ عام 2016 للإصلاح المالي عامة". وشدد على أن "نقد حامد مفاجئ، لأنه قادم من أحد أعضاء جماعة الإخوان اليمينية، التي روجت لنفسها في الغرب أنها من أشد المؤيدين للسوق الحرة وسياسات التسهيل للمستثمرين". وكتب: "حامد كان وزيرًا في حكومة اقتصادية مخلوعة كانت على وشك إبرام اتفاق مع ممثلي صندوق النقد الدولي، بسبب ما كان في ذلك الوقت وضعًا اقتصاديًا قاتمًا: نقص حاد في العملات الأجنبية، تضخم السود السوداء، نقص إمدادات الطاقة والمنتجات الأساسية، وتراجع الاستثمار الذي أدى إلى بطء النمو والركود وارتفاع معدل البطالة". ويرى أنه يمكن اعتبار الفترة من 2012 إلى 2013 أسوأ أزمة اقتصادية في مصر منذ الثلاثينيات، "ما لم يدعي حامد أن صندوق النقد الدولي اقترح على حكومة الإخوان برنامجًا مختلفًا، أو أن حكومته كانت مستعدة لتخفيض العجز الضخم دون زيادة إيرادات الضرائب، وترشيد الإعانات، وتعويم العملة. غير هذا فإن مقالته ليست أكثر من مجرد محاولة مهذبة تسعى إلى التشويش على النجاحات الاقتصادية للحكومة الحالية، بدلاً من تحليل الظروف المالية والاقتصادية في مصر بشكل جدي". من وجهة نظر الدكتور أحمد شمس الدين، فإن الاقتصاد المصري ينهار فقط إذا كان تعريف الانهيار هو عندما تتمكن دولة ما من خفض عجز حسابها الجاري من أكثر من 5% في الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 2.5 %، عبر مصادر دخل مستدامة (باستثناء المنح)، وتخفيض عجز الموازنة إلى النصف، من 16.5 % في عام 2013 إلى 8.5 % من الناتج المحلي الإجمالي في 5 سنوات، وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي ووزارة المالية، مضيفا "لكن بتحليل هذه البيانات من كل الجوانب، فإن هذا ليس إلا انتعاش اقتصادي قوي". وواصل "شمس الدين": "تراكمت بالفعل الديون الخارجية على مصر في العامين الماضيين، وزاد الدين العام، لكن هذا ليس سوى جانب واحد من القصة، وقبل الوصول إلى الاستنتاج المذهل بأن الاقتصاد ينهار، يجب على المرء أولاً مقارنة نمو الدين بنمو الناتج المحلي الإجمالي، وتحليل أساسيات ميزان المدفوعات والمصادر المستدامة للعملات الأجنبية"، مضيًفا أن الإجابة عن هذه التساؤلات قد تستغرق بضع دقائق فقط، من خلال مقارنة مستويات الدين المحلي والخارجي بالناتج المحلي الإجمالي في الأسواق الناشئة والمتقدمة على حد سواء. من وجهة نظره، وفقا لبيانات البنك الدولي وقاعدة البيانات الاقتصادية الضخمة CEIC، فإن الدين الخارجي لمصر يعادل 32% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل بكثير من متوسط الأسواق الناشئة البالغ 42 %، وأفضل بكثير من معظم أقرانها الناشئة، مثل تركيا (58 %) وماليزيا (63 %) وشيلي (62 %) وجنوب إفريقيا (48 %) والمغرب (44 %) وفيتنام (43 %) والمكسيك (36 %). وأضاف أنه بصرف النظر عن نسب الاقتصاد الكلي، فإن هيكل الدين الخارجي لمصر هو المفتاح، فأكثر من 60 % من ديون البلاد الخارجية البالغة قرابة 100 مليار دولار، هي من مؤسسات دولية (مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) ومجلس التعاون الخليجي (GCC)، بمتوسط أقل من النصف من ما تدفعه مصر اليوم في سندات اليورو. وتابع أن "التزامات مصر في خدمة الدين الخارجي في العامين المقبلين، والتي تشمل الفوائد وسداد القروض الرئيسية، 15 مليار دولار، وفقًا للبنك المركزي المصري (باستثناء ودائع دول مجلس التعاون الخليجي التي تم ترحيلها مؤخرًا)، وتكمنت مصر من جذب ما يقرب من 70 % من صافي التدفقات الرأسمالية للمحفظة الاستثمارية إلى أسواقها المالية منذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي". وأكد على "حتى لو افترضنا سيناريو حامد المتشائم للغاية بأن مصر ستفشل في إعادة جدولة أي من ديونها بالعملة الأجنبية المستحقة، ولن تحسن ميزان مدفوعاتها أكثر من ذلك، ولن تكون قادرة على جذب حتى دولار واحد من الاستثمار الأجنبي المباشر، فإن إجمالي فجوة التمويل الخارجي(أي التزامات الديون الخارجية بالإضافة إلى عجز الحساب الجاري) لا تزال لا تتجاوز 25 مليار دولار في الأشهر ال 24 المقبلة، وهذا لا يتجاوز 55 % من الاحتياطيات الأجنبية الحالية للبلاد، ولن يفكر أي مستثمر دولي أن هذا سيناريو افتراضي. وشدد على أن الاقتصاد في مصر ليس مثاليًا على الإطلاق، لكن البلاد وصلت إلى أهدافها المالية والنقدية من برنامج الإصلاح الخاص بها، باستثناء أسعار الفائدة التي لا تزال مرتفعة. وقال شمس الدين: "لا يزال أمامنا طريق طويل لإصلاح الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد، ولا يزال القطاع غير الرسمي كبيرًا بدرجة كافية للتأثير على الكفاءة الاقتصادية الكلية، وتراكم رأس المال لم نحققه بعد، ومعدل الادخار المحلي منخفض للغاية، وما زال المستثمرون الأجانب يواجهون تحديات من مخاطر الأسواق الناشئة العالمية والتوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وضعف القدرات المؤسسية المحلية". وتابع: "تحمل المواطنون في مصر من ذوي الدخول المتوسطة والمنخفضة الإصلاحات الاقتصادية، لرؤية استراتيجيات نمو شاملة وشبكة أمان أقوى، وهذا على الرغم من المبادرات والبرامج الاجتماعية المختلفة التي نفذتها الحكومة حتى الآن". ونصح بأن مصر تحتاج إلى قطاع خاص حيوي وديناميكي وصحي لقيادة النمو والتوظيف، لأنه القطاع الخاص يعاني من استبعاد الاستثمارات الضعيفة وصغار المستثمرين، وارتفاع تكاليف المدخلات، وبالتالي انخفاض العائد على رأس المال في صناعاتها التقليدية، مضيفا "لا تزال مصر بحاجة إلى إطلاق خدمات الطاقة في قطاعها الخاص، الذي يمكن أن يعوق إمكانات النمو الاقتصادي في البلاد، من خلال زيادة دعم الشركات الصغيرة والاستثمار بكثافة في الابتكار والاندماج المالي والتدريب المهني لتعزيز النمو والتنمية المستدامة". واختتم قائلا "مع ذلك، إذا قارنت التحديات الاقتصادية التي تواجه مصر اليوم مع التحديات التي واجهتها قبل خمس سنوات وتفكرت في التحديات الاقتصادية والمالية الهيكلية للأسواق الناشئة الأخرى، فمن الواضح أن مصر ستزدهر ولن يسودها الكساد".