من سمات القاعدة القانونية أنها عامة مجردة، يجب أن تطبق على كل المواطنين، دون تمييز ما بين غنى أو فقير، رئيس أو مرؤوس، وزير أو أجير، كما يجب أن تطبق فى كل الأوقات، فلا يمكن تحديد إجازة أسبوعية أو موسمية من القانون، أو تنفيذه على طريقة ورديات العمل فى المواعيد الرسمية، لأنه بقدر تجرد القاعدة القانونية وشمولها الجميع على قدم المساواة، بقدر احترام الناس للقانون مهما كانت درجة عدم الموافقة عليه أو الرضا بأحكامه، فإذا وجد الجميع أنهم متساوون فى العقوبة ورغم العناء من جراء تطبيق القانون فإن الجميع لن يملك سوى احترامه واحترام القائمين على تنفيذه. الأمر مختلف تماما فى مصر عامة، وفيما يتعلق بالمرور على وجه التحديد، ومشكلة المرور أنها تشارك فى تفاقمها جهات عدة، ومن ثم يجب أن تتحمل المسئولية عن حلها، فهى ناجمة عن كوارث الطرق والكبارى، وعدم وجود أماكن ركن للسيارات، والسماح باستيراد سيارات ومركبات تفوق قدرات الشوارع وسعتها بمراحل عدة، وغيرها من أسباب ربما تكون الحكومة مجتمعة طرفا فيها، إلا أن وزارة الداخلية هى المتورط الأساسى فى مواجهتها، مثلها مثل كثير من المشكلات والتى عادة لا يرى المسئولون سوى الحلول الأمنية والتى دائما ما تثبت عدم كفايتها، فرغم الجهود الكبيرة التى تبذلها وزارة الداخلية فى التصدى لهذه المشكلة فإنها تتفاقم إلى حد أصبح كوميدياً، على طريقة شر البلية ما يضحك، حيث نجد مشاهد عجيبة أصبحت متكررة بصور تثير الاستياء فى البداية، ثم سرعان ما تألفها وتصبح مصدرا للضحك، منها وجود كم هائل من السيارات المخالفة سواء على كوبرى أو فى ميدان كبير أو شارع رئيسى، وتجد عددا محدودا من السيارات تم وضع كلبشات على عجلها، والسؤال هنا: لماذا لم يستكمل وضع الكلبشات على السيارات المخالفة جميعها؟ هل نفدت الكلبشات المتوافرة مع اللجنة المرورية أم أن ميعاد الوردية انتهى وسلمت لوردية أخرى ولم يكن للضابط التالى نفس الدافعية لإنفاذ القانون؟ وإذا اعتبرنا أن الإجابة نفاد الكلبشات، لماذا يتكرر نفس المشهد مع المخالفات؟ حيث تجد غابة من السيارات المخالفة ومع ذلك تجد إعلان المخالفة على زجاج عدد من السيارات، والآخرون ينعمون بالهروب من عدالة القانون، وسواء كنت من تعساء الحظ الذين أصابهم سهم القاعدة القانونية أو سعداء الحظ الذين لم يصبهم الدور، يظل السؤال ما المعيار الذى بموجبه يعاقب البعض ولا يعاقب الآخرون على نفس المخالفة؟ وقد يتشكك البعض فى أن هذا قد يكون مدخلا لمطالبات غير قانونية، أو قرارا من الضابط المسئول للقيام بمهام أخرى، مثل استكمال «جيم» على التليفون أو الشجار مع زوجته بالتليفون أيضاً، وهناك مشهد عاطفى يتكرر كثيرا من الأمناء أو صغار الضباط، وهو فى الوقت الذى يحرر فيه مخالفة عن الحديث فى المحمول أثناء القيادة يكون هو يتحدث فى هيام مع شخص آخر فى المحمول، ومشاهد أخرى عدة. فى الحقيقة، جميع السادة الضباط درسوا القانون، ويعرفون أن التطبيق العشوائى للقاعدة القانونية يخلق ثقافة عامة من عدم احترام هذه القاعدة، مما تكون نتائجه أسوأ من التغافل التام عن التطبيق، فعندما بدأت جهود وزارة الداخلية فى ضبط الشارع بعد غياب قسرى لفترة لم تكن قصيرة، استقبل الناس الضباط والأفراد باحترام وترحاب، رغم تضرر البعض من تنفيذ القانون، لكن هذا التضرر لم يقابله سخط بل قابله اعتراف بالخطأ والرغبة فى مزيد من الحسم لمزيد من التصحيح، لذا من المهم أن تكون الحملات المرورية فى إطار خطة منظمة ومستمرة، وبها رقابة على القائمين على التنفيذ، حتى لا تتحول إلى عشوائية تثير مزيدا من السخط أو الضحك.