كشفت أفعال وردود أفعال حول مصرع فتاة وشابين أعلى جبل باب الدنيا بسيناء أننا لم ندرك بعد قيمة الإنسان، أغلى ما فى الحياة، لم ندرك قيمة أنفسنا كمصريين وبخاصة الشجعان منا والمبادرون. لا نقدر قيمة الشجاعة حق قدرها، ولا نحترم المختلف عنا سواء كان شخصاً أو رأياً بما يستحقه ويليق به باعتباره يدفع بنا إلى الأمام خطوات ويجلب لنا جديداً ونافعاً، ونحن كجماعة لا تزال تفضل الثبات والقعود أكثر من الحركة والانتقال والتغيير، كانت هذه طبيعتنا طوال التاريخ، فلم نخرج من ديارنا حتى جاء محمد على وأرسل بالفرض نخباً فى بعثات لتحصيل العلوم والفنون، واستمر سعى أعداد محدودة من خيرة خريجى الجامعات على هذا الخط بحثاً عن علم أفضل، ثم بدأت هجرة جماعات فى ستينات القرن الماضى لتحصيل المال بالعمل فى الدول التى ظهر فيها البترول شرقاً أو الهجرة شمالاً وغرباً، كما فعل بعض الأقباط أو الأفراد بحثاً عن أمن وعدل أكثر. المصريون كجماعة لم يهاجروا خارج بلادهم إلا مدفوعين تحت ضغط أو فقر، وليس برغبة أو بإرادة حرة، بعضهم قلّد المسافرين، وسافر بسبب الغيرة الاجتماعية وبحثاً عن سلم صعود بجلب المال، كما أنهم لم يعرفوا السياحة ببلادهم إلا متأخرين وبأعداد لا تناسب تعدادهم. وفى حادثة جبل باب الدنيا نجد مجموعة طموحة من الشباب والفتيات تشى ملامحهم ومظهرهم بالجدية والثقة والعصرية والاستقلال وأعمارهم بين العشرين كالفتاة «هاجر» أو فوق الثلاثين كمحمد رمضان، سعوا جميعاً إلى ممارسة السياحة فى بلادهم لدعمها وتنشيطها، فى ظل ظروفها الصعبة، فسافروا إلى جهات متعددة، ثم إنهم مارسوا رياضة تسلق الجبال كرياضة مغامرة وإقدام وقوة ونفتقدها فى بلادنا، مثل رياضات مغامرة أخرى كسباق السيارات والملاكمة مثلاً، ثم إنهم يبحثون ويتعرّفون على جغرافية وطبيعة تضاريس وجمال بلادهم، وبدلاً من أن نفرح بهم ونكرمهم كمصريين مبادرين تشى تكلفة الرحلة 730 جنيهاً بظروفهم، انبرى البعض فى لومهم وتقريعهم بفلسفة (إيه اللى وداهم هناك؟) نفس الفلسفة التى سمعناها ضد بنات متظاهرات خرجن يطلبن الحرية، وسمعناها أيضاً من مسيحيين ضد متظاهرين قُتل منهم 27 فى أحداث ماسبيرو خرجوا احتجاجاً على حرق كنيسة! فى كل هذا الخروج الشجاع لا تكون المنافع مادية ملموسة لتغرى بالتقليد والاتباع وحزم الحقائب، لكونه مصحوباً بالمغامرة، خروج من الذات الضيقة إلى عالم أرحب، ومن المكان المحدد إلى دنيا جديدة ونشوء خلق وقيم مختلفة. من لديه شجاعة الفعل وتحمل الضريبة؟ الكثيرون القاعدون قد يشعرون بالحسد من الجسارة والاقتحام فى ممارسة حق الحياة ومن سعادة الدهشة فى البحث ونتيجتها فى القوة والمعرفة والأمل. حوصر هؤلاء الصرعى بين البيروقراطية واللوم والإدانة. قال مدير إدارة الأزمات بسيناء: «ماعندناش إمكانيات نبحث بالليل والطيارة كبيرة والممر ضيق». وقال صالح موسى الدليل فى رحلات سيناء فيما هو سبب موتهم: «الإمكانيات ضعيفة، وفى الحالة المماثلة التى تحدث لأجانب بنتصل ب(اليو إن)، عندهم طيارة أصغر بتيجى تاخدهم». دول بيعيشوا طبعاً؟!