إذا غابت يختل التوازن السبت: أن لا نعمل.. ونتوقف عن العمل.. وإن عملنا فالعمل بلا روح ولا إتقان.. هذه العبارة أصبحت وكأنها عنوان كبير أو"مانشيت عريض" بلغة الصحافة، لواقعنا و طرائق عيشنا وسلوكيات حياتنا في الآونة الأخيرة بالذات..فصارت كأنها-وللأسف العميق- من المسلمات.. لكن أن لا يسعدنا أن يعمل الآخرون.. فهذه مأساة.. وفي جحيمها أتذكر العبارة التي صدر بها عميدنا د.طه حسين كتابه"المعذبون في الأرض": إلي الذين لا يعملون ولا يسعدهم أن يعمل الآخرون" لماذا لا يسعدون؟ انه سؤال استنكاري لا استفهامي..سؤال مؤرق و موجع.. يكشف عن ثقافة غير مبالية..إذا جاز أن ننشر كلمة"ثقافة" حتي علي اللصوص و المخربين"ثقافة السرقة والإجرام" وقد هانت علينا الكلمة الرائعة و المروعة! وفي هذا السياق استقطبتني عبارة أستاذ الفلسفة د. سعيد توفيق في مؤتمر الشعر المصري قبل أيام:"العمل الثقافي فعل ثوري" فالثقافة" عمل" و"فعل" معا، وتتجلي هنا جملة يوسف إدريس الشهيرة:" أهمية أن نتثقف ياناس.." لكن أين ثقافة العمل وثقافة السعادة بالعمل؟! الذي أراه.. حسب ظني و ليس كل الظن إثما أن العمل أصبح في ذيل أولوياتنا- ان كان لنا أولويات- وقضينا علي جوهر الحديث النبوي الشريف:"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" و لم يقل" أن يعمله". ما أنا بالواعظ ولا بصاحب العمامة، إنما أنا كائن بشري يتحسر علي فقدان هذه القيمة. التي في غيابها يختل التوازن ويتم العصف بالنظام الثابت للأشياء، وهو ما يحدث الآن وغدا و..عشر سنوات قادمة، والله أعلم!. مشايخ الطرق.. السياسية ! الأثنين: للمرة الثانية والألف أيضا..وفي سواد ما يحدث من شتات وتشتت فيما يسمي باللجنة التأسيسية للدستور الذي لم يخلق مثله في البلاد.. أنعي لكم مشايخ الطرق السياسية، وقد أحرقتهم الصيحة الثانية من المد الثوري الشعبي بلا استثناء ، تماما مثلما أحرقت الذين يزعمون أنهم خبراء ومستشارون وناشطون وماشطون ومسرحون ومخادعون، ويخدعون الشعب وما يخدعون إلا أنفسهم، وهم يعلمون نعم.. أنعي لكم - من جديد- موت ما يسمي وهما وتضليلا ب (القوي السياسية) وما هي بقوي ولا سياسية، فقد سقط هؤلاء الممثلون علي المسرح السياسي، وانتزعت الأقنعة فظهرت الوجوه مثيرة للغثيان الاجتماعي، لينسدل الستار علي العبث الذي مارسه صبيان السياسة طوال هذا العام الذي يعد أطول عام في تاريخنا نعم.. أنعي لكم موت الدعوات المسمومة التي تنفثها ما تسمي بالجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني، وقد تعرت حتي من أوراق التوت، لتجتمع علي مطلب »خبيث« وهو الحد من نفوذ المؤسسة العسكرية والمؤسسة الدينية وإبعاد تلك المؤسستين تدريجياً عن الحياة السياسية في مصر والتسول بأهمية تمويل ودعم المنظمات غير الحكومية في شتي المجالات لتصبح قوة قادرة علي الحوار بشكل ندي مع باقي السلطات في مصر. نعم.. أنعي لكم موت ما يسمي بالأحزاب، وكلها كرتونية بلاستيكية تتلاعب بنفسها قبل التلاعب بالآخرين، وقد تآكلت من الصدأ حتي الجديدة منها التي تتشبث بتجريف الحاضر لبناء الماضي، ومع ذلك يريدون وبإصرار تشتيت الوجود المصري وتفتيته، رغم علمهم أن مصر محاصرة بالمناورات والمليارات والمغامرات والاختراقات والاحتراقات. نعم.. أنعي لكم موت الذين كانوا في غطاء عن ذكر المجتمع وقضاياه الحقيقية، وخرجوا من كهوفهم وهم ألوف يغتصبون بيوت الله ليجلسوا علي كراسي الزوايا ويحتلوا المنابر، وقد أوقدوا حروب الفتن علي أسطح وسائل الإعلام يستغلون البسطاء في الريف والمناطق الشعبية، يطفئون أنوارهم، ويذبحون آمالهم، ويستحيون طموحاتهم، ويصلبونهم حيواتهم علي جذوع البلطجة السياسية والدينية والدنيوية، وكلها جماعات مختزلة في أفراد معدودين، لا برامج ولا رؤي، ولا حلول، ولا بينات، ولا شواهد ولا مشاهد،فكم توهموا أنهم أوصياء علينا! يتحدثون باسم السماء، ويزعمون أنهم حاملو توكيلات العناية الإلهية نعم.. أنعي لكم موت كل الذين سارعوا باقتسام الغنائم قبل الأوان بأوان، فانصبت عليهم سوط عذاب، وكل الذين التهموا التورتة، فاشتعلت بطونهم نارا وسعيرا. لكن .. أبشركم أيضا وبكل فناعة أنه بإندلاع الموجة الثانية الراهنة من المد الثوري يكون الشعب المصري قد فجر كلمته الحقيقية، فهو القوة الوحيدة والواحدة لا تقبل التأويل ولا التضليل، قوة المواطنين بذكائهم ودهائهم، ببساطتهم وتعقيداتهم، بصبرهم وثورتهم، بحيلهم وعافيتهم، هم الملايين الذين لا يحيون لكي يستمتعوا بالحياة، هم يحيون لكي يبقوا أحياء كفئات مسحوقة وجماعات قهورة، اجتماعيا ونفسيا واقتصاديا، سواء كانت هذه الفئات الكادحة في أعماق الريف، أو القابعة في قاع المدن وتنضوي كلها تحت الفئات المهمشة والمهشمة التي تعيش علي حافة المجتمع، وقد أقصيت عن الحياة، فلجأت إلي الحيلة في المقاومة، من أجل لحظة حياة بلا استلاب وقهر، وحرمان وفقر متي (نهجر) ل (نهاجر) ؟! الخميس: متي (نهجر) ل (نهاجر) النظرة الجامدة للأمور التي تجمد الزمان والمكان والإنسان عند نقطة بعينها أو مرحلة بذاتها، فالجمود شرك، ل(نهاجر) الي الأفق الواسع في الرؤية الطبيعية للأشياء بمرآة لا هي محدبة ولا هي مقعرة، وانظر اي المعسكرات الفكرية الاقليمية التي تهيمن علي عالم اليوم متي (نهجر) لعبة جلد الذات التي تسوط كياننا لصالح خصومنا فيعيثون فينا( لنهاجر) الي اليقين بالذات والثقة بالنفس، ونخترق حتي لو نحترق فالمهم هو الفعل وكفانا القول المفرغ من المحتوي، وأين نحن من مبدأ كبر مقتا أن نقول ما لا نفعل، وانظر الي فضائح موقع ويكليكس؟ متي (نهجر) عبودية الآخر الذي يوهم بأنه الأقوي والمسيطر وأنه وأنه(لنهاجر) أنه ليس هكذا، بل إن كيده ضعيف وقوته وهمية، إلي عبادية الخلق والابداع بممارسة الخطأ والصواب، وانظر الي ترويج أكذوبة الأقزام والعمالقة؟ متي (نهجر) صيغة»المفعول به وفيه ولأجله» وهي الصيغة التي تجثم علي صدورنا (لنهاجر) الي صيغة «الفاعل» أو حتي نائب «الفاعل» لنؤكد ذاتنا وشخصيتنا وقدرتنا وعظمة نفخة الروح الإلهي فينا، فلا ننظر اي الحياة الدنيا من موقع الذم بل المدح والحث علي حب الحياة. متي (نهجر) أصنام العصر وأوثانه، أفرادا وجماعات، التي تتماثل أمامنا في أشكال ملتوية ومتلونة (لنهاجر) إلي التذكر والاستبصار فلا يمسنا طائف من الأباطيل، واستجلاء الحق وصولا الي الحقيقة في كل شء حولنا؟. متي (نهجر) الخداع والمخادعة (لنهاجر) الي المكاشفة والمصارحة، لربما تضيق المسافة الضوئية بين التصورات والتصديقات، فقد يعتدل الميزان. متي (نهجر) أنفسنا الأمارة بالسوء (لنهاجر) الي نفوسنا الراضية والمطمئنة، عسي أن نقر ونستقر موجة دافئة في حضن اليقين، وما أخطر اليقين إن ظل مراوغا؟ متي (نهجر) التحزب البغيض، والتطرف المقيت ،والتحجر البالي ،كنباتات سامة لاتقبلها أرضنا الطيبة (لنهاجر) الي التحاور والتجاور والتجادل بالتي هي أحسن، وانظر الي كميات المتناقضات بين الشفافية المطلقة والأكاذيب المطلقة؟. متي (نهجر) أشواك علاقاتنا (لنهاجر) الي أشواق منظومتنا العرفية والمعرفية والأخلاقية والجمالية، وكفانا انغلاقا واقتتالا، فلا نمكث في غرفة الذات المستغلقة، ولا نهرول في شارع العصر العجيب، سعيا الي تحقيق التوازن، و لعلنا ندرك معني قدر لرجلك قبل الخطو موضعها؟. متي ..؟ متي..؟ متي..؟ ! لأنكم الناس أيها الشعراء الثلاثاء: ماذا يفيد الشعر في عصر التكنولوجيا ، بل ماذا يعني وجود الكلمة الشعرية في عصر الصورة بثقلفتها الرائعة والمروعة، وقد اصبحت العواطف الانسانية مهدرة تحت سنابك من لا عاطفة تنبض لديه، ولا يتململ قلبه ولا يخفق؟ وماذا يقول الشعراء والكومبيوتر قد صار قادرا علي تأليف الشعر، وممارسة الحب والزواج ، شأنه في ذلك شأن أشياء كثيرة ومرعبة يؤلفها؟ بل.. هل يستطيع الشعر والشعراء الاحتفاظ بمقولة (الشعر ديوان العرب) في عصر كثرت فيه الأساليب وتكاثرت الوسائل، واصبح جزءا من «الميموري» اوذاكرة الكومبيوتر، تستطيع ان تستوعب مليون بيت من الشعرفي «سي دي» واحد، بل اكثر من ذلك ان كل أمهات الكتب وآبائها وكل المراجع والمصادر تأتي علي دسك كومبيوتر، ثمنه نصف جنيه، ناهيك عن ان ليس لنا الآن ديوان!! فالديوان كان أيام كنا وكان.. ايام الفروسية البطولات الحقيقية لا الوهمية.. هذه أسئلة فيها قدر كبير من الاستفزاز، لاسيما أنها تصدر عن (نفس أمارة بالشعر)، وانها أيضا تطرح في أجواء يحلق فيها الشعراء علي أجنحة القصيدة، مثلما ينفذ العلماء من اقطار السموات والأرض(لأن إمكانية النفاذ واردة في سورة الرحمن بالتنزيل الحكيم). غير أني تعمدت الطرح في هذا المناخ من قبيل التأكيدعلي أن الاجابة ماثلة للعيان، والسؤال نصف الجواب لكن أكثر الناس في عصر ثقاقة الهامبورجر والساندويتش لا يعلمون في هذا الزمن ولا يريدون، وأنّي لهم ذلك. وانظرفي هذا المهرجان الذي نحتفل فيه بالشعر، ونحتفي بالشعراء ، وهم شريحة نقية من حملة مصابيح الحب والتنوير، ومشاعل الصدق والتحديق ، في زمن عز فيه مقابلة الذات والتصالح مع النفس أيا كان نوعها، أمارة بالسوء، او راضية، أومرضية ، أو لوامة ، أو ملهمة فجورها وتقواها، أو .. أو .. لا ..الشعر هو الانسان .. هو الروح المهيمن.. هو القلب المتوهج بالأمل والألم، والنفس المسكونة بالعذاب، والمشحونة بالعذوبة.. هو الحياة . ويعد الفيلسوف(أفلاطون) هو المسؤول الاول عن الغاء العلاقة بين الفنان عموما والشاعر خاصة وبين الواقع، ومن ثم استبعد الشعراء من جمهوريته في الفلسفة، لأنهم مثل الرسامين ينقلون الواقع ويحاكونه فقط ، والحقيقة عنده تكمن في الافكار المجردة او الصور، ولذلك فإن عمل الفنان لا يعتبر شيئا ذا قيمة، لكن ليس بالضرورة أن يكون مرذولا.ويقتصر دوره علي محاكاة الآلهة او انصاف الآلهة والابطال السطوريين في الفكر الاغريقي (!). وفي الفكر العربي وجدت هذه الفكرة هوي في نفوس الذين تأثرا بالفكر الاغريقي أثناء فترة الاحتكاك بالثقافات الاجنبية لا سيما في العصر العباسي ، ووجدوا سندا في فهمهم الوهمي للآيات 422/522 /622 /722 من سورة الشعراء: »والشعراء يتبعهم الغاوون ألم ترأنهم في كل واد يهيمون وانهم يقولون ما لايفعلون الا الذي آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون«. من يحدق في النفس الانسانية وفي الآفاق الكونية ، يدرك بلا عناء مدي الحاجة الماسة الي من يوقظ في الناس أحاسيس المودة والرحمة و..الانسانية ، تلك التي تبدو كأنها علي وشك الانقراض ! . من غير الشعراء ينتزع الأقنعة التي تلتصق بالوجوه التصاقا يحول بينها وبين حقيقتها وانسانيتها وجوانيتها ووجدانيتها وحتي عقلانيتها؟ . من غير الشعراء.. تتسع قلوبهم لعذابات العالم وأشواقه؟.