لا أريد أن أسرف فى ذكر المزيد من العمليات الإرهابية، ولكن الإعلام وهو يؤدى دور الضد دون قصد يخدم بعض أهداف الإرهابيين لأنهم يعتبرون ما يفعلونه نوعاً من البطولات يفتخرون بها، الشىء الآخر أن هناك بعض الأخطاء وقع فيها إعلاميون تحت سحر السبق الصحفى والخبطة الإعلامية وأنا أرتب أفكارى أثناء التجهيز لورقة بحثية عن الإرهاب والإعلام قفزت إلى ذاكرتى مقولة لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة، مارجريت تاتشر «بأن الإعلام هو الأكسجين للإرهاب»! تلك المقولة الصادمة وضعتنى فى مواجهة مع أدائنا المهنى كإعلاميين مصريين منذ بداية تسرب فيروس العنف فى أربعينات القرن الماضى، وصولاً إلى الإرهاب الذى نعيشه. والحقيقة أننى وجدت نفسى أمام مجموعة من الظواهر والدلالات المهمة، ربما أولها كما أن الإعلام فضح وعرى حركات العنف والإرهاب فى مصر، بل وفى العالم أيضاً، إلا أنه دون قصد دعم وقوى وسوق هذه التنظيمات الإرهابية! رحت أقارن بين مجموعة من الحوادث الإرهابية وربطها بسياقها الزمنى، وأقصد هنا بسياقها الزمنى الفترة وعلاقتها بتطور التقنيات ووسائل الإعلام، فاكتشفت أن الأحداث الإرهابية التى وقعت فى الأربعينات مثل اغتيال القاضى الخازندار والنقراشى بلا ذاكرة لأنه وقتها لم تكن هناك وسيلة إعلامية سوى الصحافة المكتوبة والإذاعة، وأقصد بالذاكرة هنا ليس هناك فيديو مصور مثلاً يوضح الحادث، كما تم فى محاولة اغتيال عبدالناصر فى المنشية عام 54 لأن هذا الحادث حفظ بسبب تلك اللقطات المصورة حتى لو كانت أبيض وأسود. وهكذا تستطيع أن تطبق ذلك على ما حدث فيما سمى بعملية الفنية العسكرية عام 74 ومحاولة أعضاء منظمة التحرير الإسلامى احتلال مستودع الكلية الفنية العسكرية فى القاهرة، وهكذا اختطاف وقتل الشيخ الذهبى عام 77 هى نماذج لأحداث إرهابية اختفت من الذاكرة لأن وسائل الإعلام وقتها كانت متواضعة. العكس نراه فى اغتيال السادات فالكل يعرف هذه الحادثة لأن هناك فيديو مصوراً يوضح بالتفصيل لحظة قتل السادات بكل تفاصيلها. لا أريد أن أسرف فى ذكر المزيد من العمليات الإرهابية، ولكن الإعلام وهو يؤدى دور الضد دون قصد يخدم بعض أهداف الإرهابيين لأنهم يعتبرون ما يفعلونه نوعاً من البطولات يفتخرون بها، الشىء الآخر أن هناك بعض الأخطاء وقع فيها إعلاميون تحت سحر السبق الصحفى والخبطة الإعلامية، وهنا أذكر ما قام به مراسل سى إن إن «بيتر أرنت» عام 97 حيث كان أول من التقى بأسامة بن لادن وأجرى معه حواراً تليفزيونياً ومن وقتها هرول الجميع سعياً لعمل سبق صحفى، المتخصصون فى الحركات الإرهابية اعتبروا هذا الحوار تحديداً هو أكبر خدمة لتنظيم القاعدة وكان بمثابة حملة علاقات عامة للتنظيم، وبعد 11 سبتمبر وتحديداً حين راحت «الجزيرة» تذيع تسجيلات «بن لادن» أصبح هناك بناء إعلامى للتنظيم وفريق تقنى. وتبعاً لذلك وقعنا جميعاً فى خطأ غير مقصود هو الانجرار إلى فخ تسويق تنظيمات إرهابية مثل «أنصار بيت المقدس» أو كتائب الفرقان أو غيرهما، وذلك عن طريق التسرع فى إذاعة وعرض الفيديوهات التى ينشرها التنظيم وإذاعة بيانات التبنى. لماذا؟ لأن الأهداف المتعارضة تتساوى فى هذه الحالة، فنحن كإعلاميين نسعى إلى فضح ممارسات هذه التنظيمات الإرهابية، ونكرر أسماء هذه التنظيمات حتى يعرفها الناس، فى المقابل هذا التنظيم يريد ذلك يريد منك أن تنشر اسمه وتقدمه للشعب، ويريد من كل مواطن أن يحفظ اسمه، لأنه يسعى إلى تحقيق غاية مهمة وهى التخويف والترهيب، والأجدى فى ظنى مهنياً وضع ميثاق شرف إعلامى فى التعامل الإعلامى مع الظواهر والتنظيمات الإرهابية، أوله عدم الانجرار إلى ذكر أسماء التنظيمات الإرهابية، ثانياً التركيز على الفعل الإرهابى دون الوقوف عند من قام به، ثالثاً التركيز على الضحية وليس على من قام بالتنفيذ، وهنا لا يجب اتباع المدرسة الروسية فى ذلك وهى إظهار تفاصيل الضحايا والجثث تحت مبرر إظهار بشاعة الإرهابيين، واتباع وسيلة عدم المبالغة فى إظهار الدم والقتل تبعاً لما هو معمول به فى الاتفاقات الدولية. الشىء الآخر وهو المهم فى اعتقادى العمل على إنشاء «مؤسسة وطنية لرصد العنف ومحاربة الإرهاب»، هذه المؤسسة تكون المظلة التى يتوحد تحت رايتها كل المعنيين من رجال الأمن والإعلام ورجال الدين المعتدلين ومسئولى مناهج التعليم. هذه المؤسسة تقدم تقارير شهرية وسنوية وأسبوعية عن الأداء الإعلامى، تقوم بالتدريب المشترك بين كوادر الإعلام والأمن، وهذا ما أتمناه وهو وضع ميثاق شرف إعلامى يقره الجميع بالتوافق لتحديد الطريقة المثلى التى يجب أن يتعامل بها الإعلاميون مع الظواهر والأفعال والتنظيمات الإرهابية.