هل وصل المشير السيسى إلى ذلك الحد الذى يمكن أن يقال عنه إنه «بطل درامى»؟ من الناحية العملية: لم يصل بعد، وقد لا يصل، فحتى كتابة هذه السطور ما زال الرجل «وزيراً مهماً» فى حكومة تافهة وعاجزة ومتخاذلة ولا تستحق شرف أن يكون «السيسى» واحداً من طاقمها. وما فعله «السيسى» فى «30 يونيو» وما بعدها يشبه «بروفة جنرال» لعمل مسرحى ضخم، يفترض أن يلعب فيه دور البطولة، إنما ثمة مخاوف من أن يكون «السيسى» بطلاً مطلقاً، وأن يكون اللاعبون الآخرون مجرد «سنيدة»، لذا أسعدنى كثيراً قرار حمدين صباحى بالترشح للرئاسة، لأن لعبة الحكم تحتاج إلى «شريك قوى» له جمهور، وله خطاب، ويتقبل الهزيمة بروح رياضية، أى من دون أن يعتقد أن «الدولة» - ممثلة فى «السيسى» - هزمت «الثورة» التى يمثلها. وكنت أتمنى أن يركب عبدالمنعم أبوالفتوح رأسه ويرتكب حماقة عمره ويترشح للرئاسة، لأن اللعبة تحتاج إلى «شرير» ومن ثم فهزيمته ستكون ضربة قاضية وأخيرة لما يسمى «الإسلام السياسى». أما أن يتحامق الفريق سامى عنان ويستجيب لوسواس الزعامة الذى تمكن منه فجأة، ويرشح نفسه للرئاسة.. فهذا ما لا أتمناه، لأن من العار أن يقال عن مرشح ينتمى - شئنا أم أبينا - إلى المؤسسة العسكرية أنه سيمثل «الإخوان»، على الرغم من أن حظوظه لن تزيد على حظوظ «رمضان عبدالحافظ» مرشح الرئاسة الذى قال إنه سيحل مشكلة العنوسة فى سنتين! هذا من الناحية العملية، أما من الناحية العاطفية فالأمر يختلف، إذ ما من أحد فى مصر أو خارج مصر يتطلع إلى «بطل درامى» مثلما يتطلع إلى المشير السيسى. يقول البعض -أو يحلم- بأن فيه من عبدالناصر حسه الوطنى و«حنيّته» المفرطة على الفقراء: الموقف المعاند من أوروبا والولايات المتحدة، والخطاب الرقيق، المفعم بالشجن، تجاه الشعب المصرى.. «تتقطع الإيد اللى تتمد عليكم». ويقول البعض الآخر -أو يحلم- بأن فيه من السادات حسه الماكر وثباته الانفعالى وقدرته الهائلة على المناورة، وهو ما كشفت عنه معاركه الضارية مع نظام حكم جماعة الإخوان قبل 30 يونيو، والتى انتهت بإسقاطهم وفضحهم وخلخلة نفوذهم محلياً وإقليمياً. لكن السؤال: إلى أى مدى يمكن أن تنجح صيغة حكم «مهجنة» وعاطفية، فى إنقاذ بلد منهار ومستهدف ويعيش غلياناً ثورياً منهكاً؟. هل سينجح «السيسى» لمجرد أن فيه قبساً من روح عبدالناصر وروح السادات، وهل هذا يعنى أن برنامجه الرئاسى سيكون إعادة إنتاج لبرنامجيهما؟. هل تحتاج مصر إلى بطل درامى أم إلى رجل دولة؟ أظن أن مصر تحتاج إلى كليهما. تحتاج إلى بطل درامى ليغفر له الجمهور إذا أخطأ، وهو حتما سيخطئ، وسيخرج عن النص، وسيرتجل، وسيكون مطلوباً منه أن يتحمل نتيجة خطئه (عبدالناصر بعد نكسة 67)، وأن يكون مستعداً لنهاية مأساوية (السادات فى أكتوبر 81)، وتحتاج فى الوقت نفسه إلى رجل دولة، لا مكان فيها لفاسد أو خائن. دولة مواطن، يكون الرئيس فيها موظفاً بالأجر، وخادماً لهذا المواطن، حتى -وبالذات- فى أشد حالاته بؤساً وتواضعاً وضعفاً.. دولة يكون المواطن فيها صانع قرار وليس آخر من يعلم، ولا تمييز فيها بين حظ رجل أعمال وحظ جامع قمامة. «السيسى» فى مأزق: هذا صحيح، فحمله ثقيل، وأعداؤه كثر، ولسان حال محبيه: «اللهم اكفه شر أعداء الداخل.. أما أعداء الخارج فهو كفيل بهم».. وأعداء الداخل ليسوا جماعة الإخوان فقط، بل كل أعداء «الدولة» وعلى رأسهم أولئك الذين يقولون بإلحاح: «إن الحكم إلا للثورة». «السيسى» فى مأزق: هذا صحيح، وصحيح أيضاً أن «السيسى» نفسه مأزق. من الذى يحكم إذا لم يكن ذلك الرجل الذى وضع رأسه على كفيه ومد يده القوية فى حلق الإخوان وانتزع مصر قبل أن يهضموها ويحولوها إلى غائط فى مراحيض التنظيم الدولى؟. من الذى يحكم إذا لم يكن ذلك الرجل الذى أنزل المصريين بالملايين أربع مرات خلال سبعة أشهر؟. من الذى يحكم إذا لم يكن ذلك الرجل الذى يتكئ على أقوى مؤسسة حكم فى تاريخ مصر وأكثرها وطنية وانضباطاً؟ تخيل أن «السيسى» -والعياذ بالله- قرر أن يستجيب للنحانيح والخائفين من الآثار الجانبية ل«فكرة الدولة» وأطفال الشوارع الذين يسمون أنفسهم «ثواراً» وقرر أن يظل فى موقعه.. وزيراً للدفاع؟.. تخيل!! كل الطرق أصبحت تؤدى إلى «السيسى»: هذا صحيح، وصحيح أيضاً أن «السيسى» فى مفترق طرق. البيوت لا تخلو من سيرته: حباً إلى حد التعبد، وكرهاً إلى حد الشيطنة. المقاهى تذيبه سكراً فى شاى المتعبين، لكن قعدات المثقفين تحرقه بخوراً فى هوائها المستعمل. أكشاك النازحين من القرى والنجوع البعيدة تعلق صورته باعتبارها صك ملكية، وفلول الإخوان ومرتزقة الثورات يحفرونها لأولادهم وبناتهم على مقابض السيوف ويقولون لهم: «هذا عدو الله وعدوكم».. السؤال إذن: على من نخاف.. على «السيسى» من مغبة الحكم وشروره، أم على مصر وشعبها الطيب إذا خذله؟!.