تجمعنى ب«حمدين صباحى» صداقة سطحية: أراه ويرانى بالصدفة. نتحدث قليلاً فى شئون عامة ثم يذهب كل منا إلى حال سبيله.. ولا أتذكر أننا تهاتفنا أو تواعدنا على لقاء، لكننى أكن له احتراماً وتقديراً لسببين، أولهما أننا تخرجنا فى كلية واحدة هى «إعلام القاهرة» وإن كان يسبقنى بدفعتين أو ثلاث، وثانيهما أن كلاً منا ينتمى فكراً ووجداناً إلى تجربة عبدالناصر.. وعلى قلة لقاءاتنا كنت أشعر دائماً بالفخر، لأن حمدين زميل دراسة وناصرى. وكنت متعاطفاً معه بشدة فى جولة الانتخابات الرئاسية الأولى فى 2012، وحزنت لخروجه من سباق الإعادة، إذ كان ممكناً أن يجنّب مصر والمصريين كارثة الوقوع فى براثن جماعة إرهابية خائنة، لكننى سعدت رغم ذلك بحصوله على حوالى 4٫5 مليون صوت، وقلت كما قال الكثيرون وقتها إن لدينا وجهاً سياسياً ووطنياً مشرفاً يمكن المراهنة عليه فى أول انتخابات رئاسية قادمة حتى إذا كانت غير نزيهة، وأن بضع سنوات من الأشغال السياسية الشاقة يمكن أن تنضجه وتجعله رئيساً لمصر عن جدارة واستحقاق. لم أنتخب «حمدين» أو غيره فى ماراثون 2012، لأن كل المرشحين كانوا فى نظرى ممثلين ثانويين ل«بطل مطلق» واحد هو مرشح الإخوان، وقد تبيّن فيما بعد أن الإخوان كانوا يختبئون وراء أربعة مرشحين آخرين خلافاً لمرشحهم المعلن، وعندما فاز محمد مرسى بكعكة الحكم لم يكن أشد المتشائمين يتوقع أن ينتهى حكمه المشئوم بعد سنة واحدة، وبهذه الطريقة الدراماتيكية، ولم يكن سقوط الإخوان وانهيار تجربتهم فى الحكم هو النتيجة الوحيدة المهمة لثورة 30 يونيو.. بل كان الأهم أن كل الوجوه السياسية التى تصدّرت المشهد بعد 25 يناير. بمن فى ذلك «حمدين» وبقية المرشحين فى انتخابات 2012 فقدت الكثير من مصداقيتها بالنسبة للمواطن المصرى، ولا أظن أن أياً منهم يملك الآن جرأة أو معطيات تؤهله لترشيح نفسه فى انتخابات الرئاسة القادمة، خصوصاً إذا كان البطل المطلق فى هذه الانتخابات هو الفريق أول عبدالفتاح السيسى.. ثمرة 30 يونيو الناضجة. من حق «حمدين» أن يستثنى نفسه من إجماع وتوافق جماهيرى كاسح وواضح على شخصية «السيسى»، ومن حقه أيضاً أن يتصدى مبكراً لهذا الإجماع، وأن يحلم بالمقعد الذى جلس عليه جمال عبدالناصر، لكننى أنصحه وأرجوه ألا يغامر بما تبقى لديه من رصيد سياسى وجماهيرى، وأن يحسب حسبته جيداً ويسأل البسطاء الذين يفتخر بتمثيلهم والدفاع عن شعاراتهم وحقوقهم فى 25 يناير و30 يونيو: مَن الأجدر والأقدر على حكم مصر فى السنوات الأربع أو الخمس المقبلة على الأقل.. هو أم «السيسى»؟! أنصحه صديقاً لصديق أن يحسب «وزنه» السياسى جيداً، وأن يدرك أن مصر تحتاج الآن إلى رجل دولة أكثر مما تحتاج إلى مرشح ثورى، وأن «طالب الولاية لا يولى كما يقولون». يعلم الله أننى أكثر من يتمنى «حمدين» رئيساً لمصر، فهو ابن أيامى، على الأقل (الفارق بيننا بضع سنوات)، وفيه رائحة جمال عبدالناصر، لكن مصر أكبر وأهم كثيراً منه ومن كل الأوزان والأحجام التى تتدحرج صعوداً وهبوطاً على سلم السياسة ومع كل تقديرى ل«حمدين» فإننى أطالبه: ليس فقط بالتخلى ولو مؤقتاً عن شهوة الحكم التى كادت تؤتى ثمارها من قبل، بل بدعم وتأييد الفريق السيسى والضغط بكل قوة لإقناعه بترشيح نفسه للرئاسة، ولا أظن أن «حمدين» أو أياً من المنخرطين فى «تياره الشعبى» يمكن أن يجادل أو يشكك فى حاجة مصر إلى رجل دولة مثل «السيسى» ولو كنت فى مكان «حمدين» لاخترت أن أكون واحداً من طاقم حكمه. وأن أنتهز هذه الفرصة لأتعلم كيف «أدير» دولة فى حجم وأهمية مصر! منذ بضعة أيام ظهر «حمدين» مع الإعلامى يوسف الحسينى فى برنامجه «السادة المحترمون» على قناة «أون تى فى» وانصبت أسئلة الجزء الأول من الحوار على مرشح الرئاسة القادم، وكان طبيعياً أن يكون «السيسى» -تلميحاً أو تصريحاً- محطة رئيسية. سأل «الحسينى» «حمدين»: ماذا لو ترشح «السيسى» لرئاسة مصر؟ فأجاب ولم يجب، قال إن «السيسى» سيكون الأوفر حظاً، وأقر بأن الشعب سيختاره، لكنه -أى «حمدين»- شدد واستمات فى حقيقة أن «السيسى» أعلن أنه لن يترشح، ومن ثم فالسؤال فى تقديره «مقحم.. ولا أراه مفيداً فى هذه اللحظة»، والإجابة عنه «تربك المشهد الثورى»، على حد قوله. وفى المقابل طالب ما سماه «قوى الثورة المدنية» بالتوافق على مرشح مدنى، على أساس أن حلم الثورة لا بد أن يصل إلى السلطة! بدا لى «حمدين» وكأنه يتحدث عن نفسه، أو كمن يسوّق نفسه مبكراً ظناً منه -ربما- أنه الوحيد الذى تتوافر فيه مواصفات المرشح الثورى، وأنا فى الحقيقة لا أرى للثورة (والمؤكد أن «حمدين» يقصد 25 يناير) مرشحاً يستحق أن يكون رئيساً لمصر، وليس بالضرورة أن يكون كل من شارك فى 25 يناير أو 30 يونيو صالحاً لإدارة هذه الدولة.. وإلا سيصبح أحمد ماهر أو توفيق عكاشة رئيساً لمصر! وإذا كان حمدين يرى أن السيسى «بطل شعبى» فإننى لا أرى تناقضاً بين هذه «البطولة» وجدارته بحكم مصر، فضلاً عن أن «السيسى» أكثر ثورية منه ومن كل الذين يزدحم بهم المشهد السياسى الراهن. أريد أخيراً أن أسأل «حمدين»: ما الذى لديك من مواصفات رجل الدولة؟ ما زالت أذكر ل«حمدين» وقفته الشجاعة وهو طالب أمام الرئيس الراحل أنور السادات فى لقائه باتحاد طلاب جامعة القاهرة منتصف سبعينات القرن الماضى، وهو اللقاء الذى أطلق نجوميته كوجه سياسى ووطنى واعٍ، وأطلق نجومية عبدالمنعم أبووشين «أبوالفتوح فى ذلك الوقت»، لكن هذا لا يكفى لصناعة رجل دولة! وإذا كان مُصرّاً على ما يعتقده فى نفسه فإن عليه أن يواجه -بشجاعة طالب الجامعة- أسئلة محرجة من نوع «انتى بتشتغلى إيه؟».