أمريكا ألقت قنبلتين نوويتين فوق مدينتى هيروشيما ونجازاكى، مما أدى إلى موت وتشويه الملايين، وقال بعدها الرئيس الأمريكى هارى ترومان وهو يشرب قدح القهوة المغموس فى دماء الأطفال: «العالم الآن فى متناول أيدينا» وفى الحقيقة لم أستطع مغادرة هذا القبر اليابانى إلا بعد أن وضعت عليه عشر وردات حدثتنى نفسى الأمارة بالسوء وطلبت منى أن أعمل عملا من أعمال الدبلوماسية أسعى من خلاله إلى تحقيق طموحاتى، ولمَ لا؟ ألست كغيرى من النخب ذات المفهومية، أحمل فى نفسى طموحات شخصية! وعندما سألت نفسى عن أفضل الأعمال التى يجب أن أقوم بها قالت نفسى العاقلة: أمريكا العظمى يا فتى تحارب الإرهاب فى العالم كله، لذلك يجب أن تشجعها، فاذهب بنفسك إليها حاملا باقة ورد تضعها على أطلال بنايتين أمريكيتين عزيزتين على نفوسنا قام الإرهاب بتدميرهما منذ سنوات، ونظرا لأنك «إخوانى قديم» استرسلت نفسى العاقلة فقالت وهى تتخابث: لعل أرواح القتلى تستريح عندما ترى هذه الورود الداعية للسلام، كما قد تستريح السفارة الأمريكية وتحمد لك هذا الصنيع، وامتثالا لأوامر النفس ذهبت إلى عم دسوقى بائع الورد الذى يجلس على ناصية شارعنا حيث اشتريت منه باقة ورد معتبرة، وذهبت إلى شركة السياحة لحجز أول مقعد فى أول طائرة متجهة إلى أمريكا العظمى، وعلى الطائرة جلست أنتظر اللحظة الحاسمة، تلك اللحظة التى سأضع فيها باقة الورد فى مكانها المناسب، ويبدو أن الطائرة ضلت الطريق إذ هبطت بى فى مكان ما، وإذا بى أمام شاهد قبر كُتِب عليه «هنا يرقد جثمان الهنود الحمر؛ حيث قامت زعيمة الشر المسماة الولاياتالمتحدةالأمريكية بإبادة ملايين الهنود الحمر وهم أهل أمريكا الأصليين، وقد قامت الحكومة الأمريكية الرشيدة المحبة للسلام منذ نشأتها بإصدار قرار بتقديم مكافأة مجزية مقدارها مائة جنيه مقابل كل فروة مسلوخة من رأس كل هندى أحمر، ثم أصدرت بعد ذلك قانوناً بطرد الهنود من مستوطناتهم إلى غرب أمريكا وذلك لإعطاء أراضيهم للمهاجرين الأوروبيين الطيبين المحبين للسلام، وعرفت هذه الرحلة تاريخياً برحلة الدموع، وتتويجا لنشر السلام قام قائد أمريكى يحمل قلبا ناصع البياض برمى بطانيات كانت تستخدم فى مصحات علاج الجدرى إلى الهنود الحمر بهدف نشر المرض بينهم فكان أن انتشر الوباء، وتم فناء السكان الأصليين فى القارة الأمريكية». وما أن قرأت شاهد قبر الهنود حتى سارعت بوضع عشر وردات على القبر، وتمنيت ألا ينال العرب هذا المصير الأليم، ثم كان أن عدت إلى الطائرة بباقى الورد الذى كنت أحمله، وبعد فترة هبطت طائرتى فى مكان ما وبعد أن خرجت أستطلع الحال وجدت شاهدا لقبر كُتِب عليه «هنا قبر المواطن اليابانى المسكين الذى بطشت به يد الأمريكان البشعة الدموية، ففى ليلة من ليالى الحرب العالمية الثانية، دمرت طائرات السلام الأمريكية ما مساحته نصف مدينة طوكيو، حيث قامت ببرود شيطانى بإسقاط القنابل الحارقة، فقتلت مائة ألف شخص فى يوم واحد، وشردت أكثر من مليون نسمة، وقد أورد أحد الجنرالات الأمريكان الكبار الخبر لقادته وهو يضحك مبتهجا، حيث قال لهم: لقد تم حرق الرجال والنساء والأطفال اليابانيين ثم تم غليهم وخبزهم حتى الموت وكانت الحرارة شديدة جداً حتى إن الماء وصل فى القنوات إلى درجة الغليان وذابت الهياكل المعدنية وتفجر الناس فى ألسنة من اللهب، ثم التهم القائد الأمريكى سندوتش هامبورجر مع زجاجة كولا نخب السلام العالمى». إلا أن هذا لم يكن كافيا لتسعد أمريكا المحبة للسلام، فقد قامت بإلقاء قنبلتين نوويتين فوق مدينتى هيروشيما ونجازاكى، مما أدى إلى موت وتشويه الملايين، وقال بعدها الرئيس الأمريكى هارى ترومان وهو يشرب قدح القهوة المغموس فى دماء الأطفال: «العالم الآن فى متناول أيدينا» وفى الحقيقة لم أستطع مغادرة هذا القبر اليابانى إلا بعد أن وضعت عليه عشر وردات. وللمرة الثانية عدت بباقى الورد إلى طائرتى التى حملتنى ثم هبطت بى فى مكان ما، وعندما خرجت من الطائرة وجدت نصبا تذكاريا كتب عليه «هنا قبر من هلك على يد الأمريكان من الكوريين والفيتناميين والصينيين والكمبوديين، حيث ذبحت الولاياتالمتحدة فى تقدير معتدل زهاء عشرة ملايين صينى وكورى وفيتنامى وكمبودى، وقد سببت حرب فيتنام وحدها مقتل 160 ألف شخص وتعذيب وتشويه 700 ألف شخص واغتصاب 31 ألف امرأة ونُزعت أحشاء الآلاف من البشر وهم أحياء، وأحرق الآلاف حتى الموت، وهوجمت مئات القرى بالمواد الكيماوية السامة، وقد قتل الجيش الأمريكى المحب للسلام فى «جواتيمالا» أكثر من 150 ألف فلاح والغريب أن هذه الجريمة حدثت فى غضون عام 1985 وكان العالم وقتها سكتم بكتم»، وبأريحية مصرية وضعت عشر وردات على هذا القبر المضمخ بدماء الجنس الأصفر، ثم عدت وقد اعترانى الملل إلى الطائرة، التى يبدو أنها حلفت ستين يمينا ألا تذهب لأمريكا العظمى مباشرة إلا بعد أن تجوب مقابر العالم كله، وبعد هنيهة هبطت بى فى مكان ما حيث وجدت نصبا تذكاريا كُتِبَ عليه «هنا هلك الآلاف من الصوماليين على يد الولاياتالمتحدة، ثم هلك من هلك من آلاف الأفغان الغلابة على يد الكاوبوى الأمريكى، ثم هلك من هلك من ملايين البشر العراقيين من الأطفال والنساء والرجال والعجائز على يد مبعوث الرحمة الأمريكانى الذى جاء لينشر السلام، هنا يرقد أسرى جوانتناموا وسجون أبوغريب، هنا العراق المحتل حيث ارتكب الأمريكان المجازر البشعة». وطبعا ولأن الدم يحن ولأن من هلك هنا على يد الأمريكان هم أهلنا وأحبابنا، فقد وضعت مائة وردة على هذا النصب التذكارى، وترحمت عليهم أجمعين، ثم كانت خاتمة المطاف حيث هبطت بى الطائرة أمام موقع البرجين الأمريكيين اللذين تم هدمهما من الأشرار، وعندما هممت بوضع وردة على أطلال البرجين نظرت فإذا بباقة الورد وقد فرغت بأكملها، وكان منتهى عجبى عندما رأيت «أوباما» عن بُعد يصافح من هدموا البرجين بامتنان شديد، فأصيب لسانى بالسكتة الكلامية.