مرة تلعب هى دور السمكة وألعب أنا دور الصياد. ومرة تلعب دور السنارة، وألعب أنا دور السمكة. كلانا يخشى أن يحترق بأمواج نيران العاطفة الساخنة؛ فلا يجد فرصة للنجاة.. تحت جفون الأمريكية الحسناء ينام حلم بعيد فى أن تكون جارية لرجل واحد. وتحت بشرة نفس الأمريكية الحسناء يستيقظ غيظ شرس من الرجل الذى تحبه ولكنه يلقى حلم الزواج بها بعيداً.
وهناك حالة من الرغبة فى الهرب تدفع المرأة إلى ممارسة الرياضة البدنية بعنف. إنها تريد الهرب من الزمن الذى يلقيها إلى الأمام. والأمام هو الشيخوخة التى لا يرغب فيها أحد.. وفى عقل الأمريكية غالباً يوجد «كمبيوتر» دقيق يحسب ثمن قلم أحمر الشفاه، ومواعيد الأوكازيونات رهيبة التخفيض فى المحلات الأنيقة. ومهمة هذا الكومبيوتر أن يوفّر حقّ علاج الأسنان وتنظيفها عن الطبيب، فالتأمين الصحى يعالج كل أوجاع الجسد إلا الأسنان. والأسنان فى أمريكا مهمة جداً. فالمطلوب أن تبرق دائماً، مثلها مثل الصدر. أسنان الأنثى الأمريكية وثدياها هما وسيلتان للإثارة. الأسنان تثير الإحساس فيمن حولها بأنها شابة، والثديان يجب أن يكونا فى منتهى الجمال حتى ترفع من روحها المعنوية كسبب أول، ثم لإثارة أىّ رجل، لجعله يحلم أنها تملك أنوثة فوق العادة، أنوثة لم تستهلكها المرأة بعد فى جولات الغرام الخاطفة أو فى إنجاب وإرضاع أكثر من طفل.
والصباح فى نيويورك يُظِللّ السماء الزرقاء بلون داكن هو لون المطر المتجمع فى شكل سحاب أسود. وكنت قد قررت أن أنزل من القرية الصغيرة التى أقيم بها إلى نيويورك. والمسافة هى أربعون كيلومتراً، وبصحبتى المرأة التى ألقاها القدر فى حياتى، فاطيما التى يشتعل من جمالها توهُّج أنثوى فوق التصور. وكانت إقامتنا معاً لعبة من ألعاب التطهر ومقاومة الرغبة فى الامتزاج.. التطهر هو ابن للخوف من آثار العلاقة الحميمة مع امرأة وحيدة.
والرغبة فى الامتزاج هى ابنة إحساسى العارم باندفاع الجولة الأخيرة من الشباب.. وكنا نتبادل أنا وهى أدواراً غاية فى الصعوبة والنعومة فى آن واحد.. مرة تلعب هى دور السمكة وألعب أنا دور شبكة الصياد. ومرة تلعب معى دور سنارة وأمارس أنا دور السمكة.. لكن كلاًّ منا احتفظ لنفسه بمسافة من عدم الثقة فى الآخر.. كل منا يعامل الآخر برغبة فى إظهار أفضل ما عنده.. لكن كلاًّ منا يعيد حساباته ليستكشف ما الذى سوف يحدث.. وكلانا يخشى أن تضطرم نيران العاطفة فلا نجد منها فرصة للنجاة.
قلت لفاطيما: هل تعرفين أن بداخلى خوفاً من أن اقتحم عواطفك حتى لا أجد نفسى مفضوحاً كذلك القسيس الأمريكى الذى خسر كل شىء عندما أقام علاقة عاطفية مع سكرتيرته؟
ضحكت فاطيما: وضحكتها نهر دافئ من صفاء قديم. أكاد أرى فى قاع ضحكتها شجرة ثرية الثمار وفيرة الظل قادرة على منح الدفء والأمان.
قالت: وأنا أخاف منك خوفى من أن تبدأ أشواقك لأبنائك فى تدمير سعادتى معك.
قالت: سنذهب إلى المسرح السياسى النهارى. هناك ألوان من الكوميديا المرتجَلة. لقد بدأ الأمريكيون يقلّدون الفرنسيين. فبعد أن صارت فرنسا متقدمة فى فن الكباريه السياسى، وجد الأمريكيون أنها فرصة لتقديم مسرحيات من هذا النوع يمكن أن تشاهدها على المقهى.
قلت هل يا ترى يمثّلون أدواراً يضحكون بها على أمريكا نفسها؟
قالت: أنظر وسوف ترى.
ما إن دخلنا نيويورك حتى أطلت مسارح «بوردواى» تلك المسارح التى تلمع منها الأسماء والاستعراضات، ومن خلالها يتحول الكائن المغمور إلى كائن مشهور، ومنها يمكن لفقيرة ما أن تصبح ثرية كما حدث مع «مارلين مونرو»، أو تستعيد امرأة كإليزابيث تيلور إمكانات الصعود على مسرح الحياة، قبل أن تلقى بها تجارب الزواج والطلاق إلى الإدمان، ومن الإدمان إلى القبر.
سألوها: ما السعادة بالنسبة للمرأة؟
أجابت «إليزابيث تايلور» وهى النجمة ذات العينين البنفسجيتين:
إن سعادة المرأة من الخامسة عشرة وحتى الخامسة والثلاثين أن تكون جميلة لا فى عيون الناس، ولكن أن تشعر بجمالها فى أعماقها. ومن الخامسة والثلاثين وحتى الخمسين عليها أن تشعر أنها قوية برجل تحبه ويمنحها عميق الإحساس بأنوثتها وتمنحه عميق الإحساس برجولته. أما بعد الخمسين فيجب على المرأة أن تثق فى كلمة واحدة هى المال. وأنا لم أشعر أننى جميلة فى يوم ما. لقد قالوا لى ذلك ولكن لم أصدق. حاولت أن أغرق فى هذا الوهم إلى درجة أنّ أسعد أدوارى على الإطلاق كان فيلم «قطة فوق سطح من صفيح ساخن». إنها المرأة الحائرة بين الوفاء لزوج أو الوفاء لحقوق الجسد. وكان الزوج عاجزاً وكان لجسد المرأة مطالب عارمة. ولم أشعر بمعنى الحب كجسد وكروح إلا مع ريتشارد بيرتون، وكل ما بعده هو مجرد تذكارات للقاء معه. نعم كنت أقول لكل واحدٍ ممن تزوجنى من بعده: «أنت فى هذا السلوك مثل ريتشارد بيرتون». وكان هذا يعنى أنه يسلك السلوك الذى يعجبنى. وكان كل رجل يريد أن يثبت أنه أقوى من «بيرتون»، وكنت أضحك وأقول لكل رجل يحاول أن يجتذبنى عاطفيًّا: «أنت مثل بيرتون»، أو أنت أقلّ من بيرتون، أو أنت أقوى من بيرتون. لا فائدة. بيرتون هو الترمومتر لأنوثتى».
وعندما قالوا لها: متى تمثّلين دور المرأة العجوز؟
قالت: لكل كائن بشرى طابع ما. وطابع أنوثتى سيظهر حتى ولو بلغت التسعين. إن لى «كاريزما» فأنا على الساحة الفنية منذ عام 1943 وحتى الآن. يكفى استقبال السود لى فى «بتسوانا» حيث أقمت مستشفى لهم. ويكفى أن ترى عيون الرجال الذين فى العشرين وهم ينتظرون على باب المسرح حتى أوقّع لهم على الأوتوغرافات.
وكان شَارع برودواى يشهد الكثير من المسرحيات التى تصنع نجوماً جديدة، ولا أدرى لماذا سرقت إليزابيث تايلور تذكاراتى وأنا فى هذا الشارع، تذكرتها وهى تدخل وتخرج من المصحّة للعلاج من إدمان الخمر. أتذكر كلماتها: «الخمر هى الجسر الذى ينقلنى إلى عالم الخيال. هناك أحس بعدم الخوف. أروع ما فى الموت، كما قال لى بيرتون أنه نهاية للخوف».
أقول لفاطيما: هل ما زالت برودواى تملك ذلك الصولجان الفنى الباهر؟
قالت: نعم إنها تملك أكثر من سلطان باهر. فما زال هناك أناس يفضلون المسرح على السينما. ولكن هذا الجمهور هو من السيّاح وليس جمهوراً من سكان نيويورك. فسكان نيويورك يجب أن يقوموا كل صباح فى السادسة، وأن تخرج المرأة فى السابعة، وأن تصل إلى العمل فى التاسعة، ولا وقت للاعتذار عن دقيقة واحدة. العمل فى نيويورك يمضى بنظام العبيد، ولذلك فالمسارح تمتلئ بالسياح. وهناك الأقمار الصناعية التى تنقل هذه المسرحيات إلى شبكات التليفزيون الخاصة بأكبر فنادق العالم. فطوكيو فمثلاً تلتقط بعضاً من هذه المسرحيات لتعرضها على جمهورها من السياح وكذلك باريس ولندن. إذن فهناك مال كثيف يأتى عبر هذه المسارح، وخصوصاً أن الشركات الكبرى صارت تتعامل مع المسارح كما تتعامل مع ملاعب كرة القدم؛ تقدّم دعماً كبيراً لكل مسرحية. والهدف هو أن تساهم الشركة فى تخفيض ضرائبها، وفى نفس الوقت تكسب من الدعاية لها. نعم، حتى الشركات الكبرى التى تمتلئ بالسمعة السيئة تدفع عن نفسها تلك السمعة بالمشاركة فى إنتاج المسرحيات، والهدف هو تحسين الصورة عند الجمهور المثقف.
هنا ضحكتُ أنا بصوت عالٍ، فتساءلت فاطيما: ما الذى يضحكك؟
قلت: لقد علّمَتْ أمريكا «النصب» لكل الناس، فهى حاربت الهنود الحمر وأبادتهم وأطلقت على ذلك اسم «بناء الحضارة والقوة». وهى التى لقّنت إسرائيل هذه الكلمة أيضاً، فقد وقف بيجين يقدّم أعضاء الكنيست للسادات وهو يقول «إنهم أبطال التحرير»، وردّ السادات على ذلك بأن دخل الكنيست مرتدياً ربطة عنق عليها رَسْمُ الصليب المعقوف. لقد كان يبحث عن منافسة إسرائيل على قلب أمريكا، فإذا كانت أمريكا قد فقدت شاه إيران فلقد أراد السادات أن يقدّم الطلب ليكون الشرطى الجديد لحماية البترول، وكان قد شق الصف العربى بهدف ذلك. إن التنافس على قلب أمريكا هو الذى دفع السادات إلى مغامرته. ولكن من غير المعقول أن تصدر مجلات فى باريس ولندن تدّعى أنها تعبّر عن الحرية والعقل والثقافة وتتلقى تمويلاً من شركات السلاح. لقد فعلت شركات السلاح ذلك ومع من؟ مع عقول عربية تريد أن تقوم بتنوير العالم العربى... إنه «النصب»... هذا هو جوهر اللعبة.
الشركات الكبرى هنا التى تمتص رحيق الحياة من البشر، تقدّم المال للمسرحيات.
والشركات التى تزرع الموت فى الشرق الأوسط هى التى تقدّم الإعلانات لمجلات تدّعى أنها تدافع عن الإنسان.
قالت فاطيما: ما دام الأمر كذلك فلنشاهد ما يعرضه مجموعة من الشباب الثورى الذى يرفض كل شىء على مقهى فى حى «القرية». صحيح أنهم يطلبون منك أجراً مرتفعاً، ولكن ستشاهد عرضاً مسرحيًّا نهاريًّا يمكن أن يسعدك.
المقهى الذى تتحدث عنه فاطيما ليس المقهى الذى تعودّنا أن نجده فى العالم العربى.
إنه مسرح صغير ومجهز بكل ما فى جعبة التقدم التكنولوجى من أدوات. والقاعة تختلف فى شىء واحد هو أنه فى جانب منها ترتفع مائدة للمشروبات. وتدخل المقهى - المسرح - بتذكرة.. وينفتح الستار عن جنرال أمريكى محاط بأبواب مصنوعة من صور ضخمة. الباب الأول هو باب «عشرة دواننج ستريت» مقرّ رئيس وزراء إنجلترا السيدة مارجريت تاتشر. يدق الباب. تخرج السيدة تاتشر بملابس النوم. وعلى كتفيها «روب» مصنوع من علم إنجلترا.
يخلع الجنرال قبّعته ويقدمها للسيدة تاتشر قائلاً: أعطنى بعضاً من دخل إنجلترا حتى تستمر الولاياتالمتحدة فى حماية إنجلترا.. وتضحك السيدة تاتشر قائلة للجنرال الأمريكى: يبدو أنك نسيت أن لى دوراً فى حماية أمريكا من الإفلاس.
ويتعجب الجنرال الأمريكى قائلاً لنفسه: هذه المرأة فقدت عقلها. فيما يبدو أنها لا تحتاج إلى طاقم أسنان فقط، ولكنها تحتاج إلى قطع غيار فى المخ.
ويفكر الجنرال فى الانسحاب من أمام باب رئيسة وزراء إنجلترا، لكنها تشدّه من كتفه الملىء بالرتب العسكرية قائلة: لا مانع من أن أدع يدى تلمس دماً متجمداً على كتفك فى شكل رتب عسكرية. لقد أخذت أنت هذه الترقيات من فيتنام، لا مانع من ذلك، ولا بد أن أقول للكل بأننى أنا التى قدمت لكم جورباتشوف كنجم سياسى صاعد يريد أن يلتفت إلى تحسين نوع الطعام للروس، ويريد تحسين موديلات الملابس الروسية، ويريد أن يهدّئ اللعب الصعب. وكان فى ذلك إنقاذ للخزانة الأمريكية من الفكرة المجنونة، فكرة إنفاق البلايين على حرب الكواكب. ولم آخذ أنا ثمناً لذلك من أمريكا حتى الآن.
ويُخرج الجنرال من جيبه دولاراً ويقدمه لمسز تاتشر قائلاً: شكراً لك، فقد أنقذت أمريكا من نفسها. لابد أن تفكرى فى مصاريف الدفاع عن إنجلترا.
وتدخل مارجريت تاتشر إلى منزلها ويتغير المشهد. يأتى باب معبد «ميجى» أشهر معابد اليابان، ويخرج منه المستر تكاشيتا رئيس وزراء اليابان وينحنى بأدبه المعهود ضامًّا يديه على الطريقة اليابانية.
ويقول الجنرال الأمريكى وهو يقدم قبعته إلى المستر تكاشيتا: أنت تعرف حدود العلاقة العميقة بين أمريكاواليابان. ولولا الجنرال ماك أرثر الذى مثّل الولاياتالمتحدة فى طوكيو بعد الحرب، لكانت اليابان الآن مجرد جزر خالية. إنه صاحب فضل على اليابان، وهو الذى أدخل اليابان فى مشروع مارشال فأنقذ اقتصادها من الدمار. والآن، أنت تعلم، أمريكا مدينة بما يفوق الخيال بسبب مصاريف الجيش الأمريكى. ولابد أن تشارك اليابان فى دفع تكاليف حمايتها من الدب الروسى.. وهنا يدعو تكاشيتا ذلك الجنرال ليدخل معه المعبد البوذى ليجد صوراً متعددة ومتلاحقة تُعرض بواسطة «بروجكتور» عن متحف ضحايا هيروشيما ونجازاكى.. صورة قدم طفل صغير التصقت بعين أمه، ونظّارة الأم مهشَّمة، وبعضّ من زجاج نظّارة الأم مغروز فى أنفها.. وصورة شيخ عجوز يصرخ طالباً الماء.. وصورة ملابس عسكرية تغطّى أعداداً من الجثث المشوهة.
ويقول تكاشيتا: ومن قال لك، سيدى الجنرال، إننا نريد أن تقوم الولاياتالمتحدة بالدفاع عنا؟ إن «الين» هو الذى يدافع عنا، ومعه الترانزستور. أنت تعلم أننا الدولة الثانية فى العالم فى مجال الأقمار الصناعية. صحيح أننا لا نقيم الدنيا ونقعدها عندما نطلق قمراً صناعيَّا، ولكنه صحيح أيضاً أن فى مقدرة اليابان أن تستأجر جيشاً كاملاً من روسيا مقابل أن نمدّ نحن روسيا بالتكنولوجيا المتقدمة. والصين يمكنها أن تعطينا ثلاثة ملايين مقاتل لقاء أن ننقل إليها بعضاً من أساليب زراعة الأرز. أنت تعلم أيها الجنرال أننا نزرع الأرز الآن فى منازل ضخمة من الزجاج. والهند يمكنها أن تقدم لنا جيشاً هى الأخرى. إن جيوش الدول الأخرى مع التكنولوجيا اليابانية يمكنها أن تهزم أىّ دولة فى العالم. ويحاول الجنرال الأمريكى أن يمشى ليدق باباً آخر، لكن تكاشيتا يقول له: أنت تعلم أن العمال الأمريكيين قد أقاموا احتفالاً ضخماً وحطموا فيه سيارة يابانية صغيرة. وظهرت صور ذلك الاحتفال الضخم تحت عنوان «أنقذوا اقتصاد أمريكا من العدو الأصفر». قل لهؤلاء العمال إننا نفكر فى تشغيل بعضهم فى مصانع السيارات اليابانية التى سنقيمها فى أمريكا نفسها، لذلك لا داعى للغضب. على الأقل لن نفصل واحداً منهم كما يفعل معهم أصحاب المصانع الأمريكية.
وهنا سأل الجنرال: أليس عندك رغبة فى المساهمة فى دفع نفقات الدفاع عن اليابان؟
فقال تكاشيتا: دعنى أعرض عليك، سيدى الجنرال، عرضاً مهمًّا. إن عندنا مشاريع تكسب مئات الآلاف من الدولارات، ويمكنها أن تعود بالربح على الجيش الأمريكى. ما رأيك فى أن يبدأ الجيش الكبير بإدارة «فنادق الحب السريع». أنت تعلم، سيدى الجنرال، أن جنود الجيش الأمريكى حالم ينزلون إلى بلد يبدأون فى البحث عن النساء. وقد قام اليابانيون باستيراد نساء من بلدان جنوب شرق آسيا الفقيرة للترفيه عن الجنود الأمريكيين.
والغرفة الواحدة فى مثل هذه الفنادق تستقبل كل نهار أربعة من الزبائن وفى الليل تستقبل الحجرة الواحدة اثنين من الزبائن. أى أن الغرفة تعمل بمكسب ستة أو سبعة أيام فى اليوم الواحد أى أن الفندق الواحد يكسب سبعة فنادق.
فقال الجنرال الأمريكى غاضباً: أتريد لنا دور القَوّاد؟
فأجابه تكاشيتا: ما الفرق بين قيادة العالم التى تمارسونها الآن؟ أليس المبلغ الذى تحتاجونه هو مليارات المليارات من الدولارات؟ لقد فشلتم فى الصناعة، بدليل أنه لا توجد ثلاجة أمريكية واحدة فى اليابان، ولا توجد سيارة أمريكية واحدة فى اليابان، ولا يوجد قميص رجالى أو نسائى أمريكى يباع فى اليابان. وأنتم تريدون المتعة دون عمل. كأنكم تعبتم من العمل، وتريدون الاكتفاء بإدارة العالم. تريدون أن نصطاد لكم السمكة لتأكلوا لحمها وتتركوا أشواكها؟ إن من لا يصطاد السمكة عليه أن يأكل الشوك لا اللحم، لأن القاعدة الطبيعية هى أن تصطاد السمكة حتى تأكل لحمها وتترك الشوك.
وهنا يقول الجنرال: لم أكن أعلم أن روح الانتقام نائمة تحت جلد اليابان.
فيجيبه تكاشيتا: ليست هذه روح الانتقام، ولكن هى دعوة من اليابان لكم لتعيدوا النظر فى المرآة. نحن المرآة لكم. ما صنعتم أنتم؟ قتلتم الآلاف بالقنبلتين الذريتين! وقدّمتم اللبان والسجائر للنساء من بعد الحرب. دخلتم البيوت لتذلّوا الرجال. ملأتم الدنيا ضجيجاً بقصص خرافية عن وحشية الجندى اليابانى ورقَّة الجندى الأمريكى. حاولتم قتل الثقافة الروحية لليابان جميعها. هذا هو ما فعلتم، وماذا كانت حالتكم من بعد ذلك؟ عجز فى الموازنة، وكسل عن العمل، وخطوات مرهقة من جيوش العاطلين الباحثين عن عمل، وثلاثون مليون أمريكى لا يجدون سكناً، بينما تقدّم اليابان إجازة مدفوعة الأجر وتذاكر سفر إلى أى مكان فى العالم لخمسة عشر مليون يابانى لمجرد أنهم متفوقون قليلاً فى إنتاجهم.. ومضى صوت تكاشيتا يعلو ويعلو، والجنرال الأمريكى يسد أذنيه، وتتلاحق أمام عينيه مشاهد من صرخات الناس لحظة إلقاء قنبلة هيروشيما، وتتبعها صور إضرابات عمال مصانع السيارات الأمريكية فى فرط كساد السوق، ومنافسة سيارات اليابان.. ويصمت المسرح قليلاً ويُظلم.
فأقول لفاطيما: فلنأخذ استراحة من محاكمة العالم للولايات المتحدة ولنرتح بعيدا عن تلك المسرحية.
تقول فاطيما: علينا أن نرى كيف يفكرون فى التمرد على أنفسهم ولنواصل فهم هذا الجنون.