قضت الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، اليوم الأحد، في الدعويين رقمي 38408 لسنة 73 ق، و38902 لسنة 73 ق، المقامة أولاهما من مرتضى أحمد منصور بشخصه وصفته رئيس مجلس إدارة نادي الزمالك، وثانيتهما من رئيس مجلس إدارة شركة المحور للقنوات الفضائية والإعلام بصفته، ضد رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بصفته، بقبول الدعويين شكلاً، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون عليه، وألزمت المدعيين مصروفات الشق العاجل من الدعوى. وأمرت المحكمة بإحالة الدعويين إلى هيئة مفوضي الدولة، لإعداد تقرير بالرأي القانوني في الموضوع. صدر الحكم برئاسة المستشار فتحي ابراهيم محمد توفيق، نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين شريف حلمي أبو الخير، وفتحي محمد هلال، ورأفت محمد عبد الحميد، وحامد محمود المورالي، ونوح حسين أبو حسين، وأحمد جلال زكي، ومحمد حمدي غيث، نواب رئيس مجلس الدولة. وكان رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أصدر قراره المطعون عليه رقم 21 لسنة 2019، معدلاً بالقرار رقم 24 لسنة 2019، متضمناً منع بث برنامج "الزمالك اليوم" المعروض على قناة المحور الفضائية لمدة شهر، وإلزام القناة بأداء مبلغ مالي مقداره خمسين ألف جنيهاً مصرياً أو ما يعادله بالعملة الأجنبية، وإنذارها بعدم عرض أي مادة إعلامية مماثلة خلال مدة منع البث. وبعد أن استعرضت المحكمة أحكام الدستور والقانون والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المتعلقة بموضوع النزاع، وكذا التطبيقات القضائية ذات الصلة الصادرة من المحكمة الدستورية العليا والمحكمة الإدارية العليا ومحكمة النقض ولجنة الأممالمتحدة المعنية بحقوق الإنسان، أوضحت المحكمة أنه من المعلوم بالضرورة أن حرية التعبير تنبع من فيض الكرامة الإنسانية التي أنعم بها المولى عز وجل على البشرية جمعاء، وهي تعد أحد الأعمدة الرئيسية في بنيان الحقوق والحريات الخاص بالنظام القانوني المصري، بحسبانها الأصل الذي يتفرع عنه العديد من الحريات الأخرى الاجتماعية والثقافية والفكرية، كحرية العقيدة وحرية الإبداع والنشر والصحافة وحرية البحث العلمي. وأن حرية التعبير تعتبر –وبحق- أحد أهم الوسائل الذي يتمكن من خلالها الفرد من تحقيق ذاته والمشاركة بفاعلية في مجتمعه، وهي بهذه المثابة ترتبط بعلاقة وثيقة بقيمة الانتماء والمفاهيم الخاصة بنمو المجتمعات وتقدمها. وتابعت المحكمة في حيثيات حكمها: "إلا إنه برغم ما لحرية التعبير من مرتبة عليا في مدارج النظام العام المصري، فإنها ليس لها من ذاتها ما يعصمها من التقييد، فهي ليست من الحريات المطلقة، ذلك أن أثرها لا يقتصر على صاحب الرأي وحده، بل يتخطاه إلى غيره، وقد يشمل المجتمع بأسره، ومن ثم فإنه يجوز تقييدها درئاً لغمط حقوق الآخرين، أو حال وجود مصالح أخرى ترجحها".
المحكمة: يجوز تقييد حرية الرأي والتعبير لضمان احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم وأفادت المحكمة أنه "يجوز قانوناً تقييد حرية التعبير لضمان احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، أو لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة، إذ أن التعبير عن الرأي يتعين أن يكون في إطار المقومات الأساسية للمجتمع واحترام حرية الحياة الخاصة للمواطنين وعدم الاعتداء على شرفهم وسمعتهم واعتبارهم أو انتهاك محارم القانون". وأكملت: "إن كان للناقد أن يشتد في نقد أعمال خصومه ويقسو عليهم ما شاء إلا أن ذلك كله يجب ألا يتعدى حد النقد المباح، فإذا خرج عن ذلك إلى حد الطعن والتشهير والتجريح فقد حقت على الناقد كلمة القانون". وأردفت: "يتعين حال العمل على تقييد حرية التعبير الالتزام بثمة ضوابط تتمثل في أن تكون القيود المفروضة محددة صراحة بنص القانون، وأن تكون ضرورية لضمان الحفاظ على الاعتبارات المتقدمة، وأن تكون متناسبة مع الهدف المنشود".
المحكمة: ما ورد ببرنامج الزمالك اليوم يعد سبا وقذفا في حق حكام مباريات الدوري وأوردت المحكمة تأسيساً لحكمها، أنها استمعت إلى محتوى القرص المدمج (CD) المرفق بالأوراق، والمسجلة عليه حلقة يوم الخميس الموافق 21 مارس 2019 من برنامج (الزمالك اليوم) سالف الذكر، والتي تمثل الأقوال التي وردت بها ما اعتبرته جهة الإدارة مخالفة تستأهل إصدار قرارها المطعون عليه. وتبين للمحكمة أنه ورد بتلك الحلقة ما يمكن اعتباره سباً وقذفاً في حق حكام مباريات الدوري الممتاز لكرة القدم المصري عامة، إذ تم وصفهم بأنهم "حكام فجرة" دون إقامة ثمة دليل على أنه قد صدر منهم جميعاً ما يسوغ معه نعتهم بهذا الوصف. وأكملت: "كما جرى التقليل من شأنهم وتشبيههم بأنهم مثل الطفل "الأهبل" الذي يرتدي شورت مدرسة الحضانة ويمسك بيده صفاره، وورد بتلك الحلقة أيضاً ما مفاده اتهام المدعو عصام عبد الفتاح بالخيانة وأنه: باع مصر علشان الفلوس في مدينة أبو ظبي، دون إقامة ثمة دليل على ذلك، وكذا تم توجيه اتهام إلى كل من المدعوين سيد عبد الحفيظ ومجدي طلبة وتامر النحاس ومحمد يوسف، وكذا طبيب فريق النادي الأهلي بأنهم (إخوانجية إرهابيين)، دون إقامة دليل على أن أي منهم ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية المحظورة قانوناً، وهو ما يعدو تشهيراً بكل المذكورين وحطاً من قدرهم وافتئاتاً على سمعتهم". وأكملت: "ترتيباً على ما تقدم، انتهت المحكمة إلى أنه لا تثريب على رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إن هو اعتبر أن الأقوال المذكورة سلفاً بما انطوت عليه من اعتداء على السمعة والشرف وحقوق الآخرين، تمثل في مجملها مخالفة قوامها الخروج على القيم المجتمعية وميثاق الشرف المهني ومعايير الأداء الإعلامي، وهو إن أصدر لذلك قراره المطعون عليه متضمناً ما سلف بيانه من جزاءات، وكانت تلك الجزاءات منصوص عليها صراحة في القانون، وضرورية لضمان عدم تكرار هذا المسلك مستقبلاً ومن ثم الحفاظ على القيم والاعتبارات المراد حمايتها، وكذا كانت تلك الجزاءات متناسبة مع المخالفة المرتكبة". وأردفت: "إذ توافر في شأن هذا القرار ما تطلبه القانون من إجراءات وضمانات بالعرض على المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وموافقة هذا المجلس بالجلسة المعقودة بتاريخ 23/3/2019 والحاضر بها تسعة من أعضاء المجلس وفقا لما هو ثابت بمحضر الاجتماع المرفق بالأوراق، فإنه يكون قد صدر –بحسب الظاهر من الأوراق ودون التوغل في الموضوع- ممن يملك سلطة إصداره قانوناً، سليماً، محمولاً على أسبابه، ملتزماً بالشرائط التي تطلب القانون توافرها في القيود الجائز إيرادها على الحق في حرية التعبير، ومن ثم فلا مأخذ للمحكمة عليه، وهو الأمر الذي ينتفي معه ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون عليه، ويغدو هذا الطلب والحالة هذه خليقا بالرفض، دون حاجة للتعرض لركن الاستعجال لعدم جدواه". ورفضت المحكمة ما نعاه المدعي في الدعوى الأولى على القرار المطعون عليه من أنه ينطوي على انتهاك للحق في حرية التعبير، إذ أن حرية التعبيرعلى أهميتها وعلوها في مدارج النظام العام. كما أوضحت المحكمة، ليست من الحريات المطلقة، ويجوز تقييدها لعدة اعتبارات، منها الحفاظ على سمعة الآخرين وحقوقهم، ولا يمكن الاحتجاج بحال أن الأقوال التي وردت بالبرنامج المشار إليه تستظل بالحماية القانونية المقررة لحرية التعبير، خاصة وأن أي من المدعيين لم يقدم أمام المحكمة ما يفيد صحة تلك الأقوال.