صدمة ثالثة تلقتها رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، بعدما رفض مجلس العموم البريطاني اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكست" للمرة الثالثة، حيث صوت 286 عضوا لصالح الاتفاق ورفضه 344، وصوت أعضاء البرلمان على شق من الاتفاق، والذي يحدد شروط انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. وبعد هزيمة ماي الثالثة، لم يبق أمام مجلس الوزراء سوى 14 يوما حتى الثاني عشر من أبريل المقبل، وهو الموعد الذي يتعين فيه على المملكة المتحدة أن تشير إلى ما إذا كانت ستخوض انتخابات البرلمان الأوروبي 2019، بحيث يتسنى للمملكة المتحدة في غضون تلك الفترة أن تمرر الاتفاق أو أن "تحدد مسلكا آخر"، وأي إرجاء لما بعد ذلك سيكون "عُرضة لحق الفيتو من قبل دول الاتحاد الأوروبي". وبعد ظهور النتائج قالت رئيسة الوزراء تيريزا ماي "إنه لأسف عميق أن مجلس العموم لم يستطع مرة أخرى دعم الخروج من الاتحاد الأوروبي بشكل منظم، ما يخلف مجموعة من الآثار الخطيرة، حيث إن يوم مغادرة بريطانيا سيكون 12 أبريل، بعد 14 يوما"، فيما قال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك: "على ضوء رفض مجلس العموم اتفاق الانسحاب، قررت الدعوة لاجتماع المجلس الأوروبي في ال10 من أبريل". أما جيريمي كوربن زعيم حزب العمال المعارض فقال: "كان للنواب الفرصة للتقرير بشأن اتفاق أفضل لمستقبل البلاد، يجب أن يتغير الاتفاق وإذا لم تقبل رئيسة الوزراء ذلك فإن عليها الرحيل الآن ويجب أن يكون هناك انتخابات عامة"، وقالت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستيرجن: "هذه ثالث هزيمة لصفقة رئيسة الوزراء السيئة وإن عليها أن تقبل الآن أن الصفقة ماتت". رفض مجلس العموم البريطاني لخطة "بريكست" للمرة الثالثة، هو تصويت ضد تيريزا ماي أكثر منه ضد "بريكست" ذاته، وفقًا للسفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، لافتًا إلى أن الوضع أصبح شائكًا وصعبًا للغاية في بريطانيا بعد الرفض الثالث من البرلمان لخطة الخروج من الاتحاد الأوروبي. وأضاف بيومي ل"الوطن" أن بريطانيا تواجه الآن عدة مشكلات، تتمثل في الانقسام الشعبي حول "بريكست"، حيث إنه في حالة إجراء استفتاء ثان من الوارد جدا التصويت ضده عكس المرة الأولى، بالإضافة إلى الانقسام داخل مجلس الوزراء البريطاني نفسه، والاختلاف داخل مجلس العموم حول قبول "بريكست" من عدمه. مساعد وزير الخارجية السابق يرى أنه لن يحدث استفتاء آخر حول "بريكست" في بريطانيا، بسبب عدم وجود وقت له، وعدم وجود توافق حوله وإصرار ماي وتمسكها بخطة "بريكست"، مشيرًا إلى احتمالية الخروج من الاتحاد الأوروبي دون وجود اتفاق على ذلك. "بيومي" أردف أن عدم استعداد الاتحاد الأوروبي لتقديم تنازلات أخرى وتمديد المهلة أكثر من ذلك، ربما يعد أحد العوامل التي تدفع نحو الخروج دون اتفاق، مؤكدًا أن تكلفة الخروج بهذه الطريقة ستكون مرتفعة للغاية، حيث إنه يوجد الآلاف من البريطانيين يعملون في مختلف أنحاء أوروبا، فضلا عن الأملاك والاستثمارات، وهو ما يضع تيريزا ماي وحكومتها على المحك. أما أحمد العناني، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، يرى أن رفض مجلس العموم البريطاني للمرة الثالثة خطة تيريزا ماي بشأن "بريكست"، يضع حكومتها وتاريخها السياسي بأكمله في مهب الريح، مؤكدًا أن الرفض الثالث يدل على وجود تعنت كبير من البرلمان والأحزاب لإحراجها. الاتحاد الأوروبي لن يتفاوض مرة أخرى من أجل مهلة جديدة، وتيريزا ماي تصمم على موقفها بشأن "بريكست" ولن تجري استفتاء ثاني، تمسكًا بنتائج الأول ودعمًا للديمقراطية، ومجلس العموم يحاول إحراجها برفض خطتها، أمور شرح بها العناني ل"الوطن" المأزق الخطير الذي تقع فيه ماي وحكومتها حاليًا. عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أردف أن بريطانيا أصبحت أقرب الآن للخروج من الاتحاد الأوروبي دون وجود اتفاق، وهو ما يهدد بضرب بريطانيا واقتصادها ومصالحها المشتركة مع دول القارة، لافتًا إلى وجود أمور عديدة جوازات وتأشيرات السفر لمواطنيها والمصالح الاقتصادية وحدود أيرلندا، ستصبح مهددة، وهو ما يضع حكومة ماي في مأزق خطير. وكان التصويت الأول على خطة "بريكست" في 15 يناير الماضي، والذي شهد صفعة قوية لرئيسة الوزراء، بأن صوت مجلس العموم البريطاني بأغلبية ساحقة بالرفض حول اتفاق "بريكست"، بغالبية 432 صوتا مقابل 202 الاتفاق بشأن "بريكست"، الذي توصلت إليه ماي مع الاتحاد الأوروبي. وفي المقابل، قدم زعيم المعارضة العمالية جيريمي كوربن مذكرة لحجب الثقة عن حكومة ماي، واصفا هزيمة الحكومة بأنها "كارثية" استنادا إلى نتيجة التصويت على اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولكنها نجت منها واستمرت في منصبها. وفي 12 مارس الجاري، تلقت ماي صفعة ثانية قوية، بعد رفض البرلمان البريطاني الاتفاق الذي توصلت إليه الاتحاد الأوروبي، للخروج من التكتل، حيث صوت البرلمان ضد الاتفاق المعدل على "بريكست" الذي توصلت إليه، بأغلبية 391 صوتا مقابل 242، بعدما أخفقت المحادثات التي أجرتها في اللحظات الأخيرة مع زعماء الاتحاد، قبلها بيومين، في تبديد مخاوف منتقديها. وفي منتصف ديسمبر الماضي، أصدرت محكمة العدل حكما يسمح لبريطانيا بالتراجع عن قرارها، من دون الحصول على موافقة الدول الأعضاء، حيث تضمن حكمها أن "المملكة المتحدة لها حرية إلغاء الإخطار بعزمها الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، من جانب واحد"، مضيفة: "مثل هذا الانسحاب، الذي تقرر وفقا لمتطلباتها الدستورية الوطنية، سيكون له تأثير على بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي بموجب شروط لم تتغير من حيث وضعها كدولة عضو"، بحسب ما أوردت وكالة "فرانس برس" . وتتضمن خطة تيريزا ماي، ذات ال600 صفحة، أطرا للتفاهم حول "اتفاق الانسحاب" و"الإعلان السياسي" الذي يحدد أطر العلاقات في مرحلة ما بعد "بريكست"، خصوصا على الصعيد التجاري، حيث يعتبر اتفاق الانسحاب خصوصا قضية الفاتورة التي يفترض أن تدفعها لندن للاتحاد الأوروبي بدون أرقام، وينص على حل مثير للجدل لتجنب العودة إلى حدود فعلية بين جمهورية أيرلندا ومقاطعة أيرلندا الشمالية البريطانية.