فكرت مليا كيف اتخذ الرئيس مرسى هذه القرارات الجريئة ولماذا هى فى هذا التوقيت بالذات ولماذا أبقى على المشير فى وزارة قنديل، ثم أطاح به سريعا وهل حسب للأمر حسابه وهل كان مستعدا لأى رد فعل ممكن أن يتخذ -لا سيما أنه قد تردد بقوة أن القرار كان مفاجئا- ولماذا وقع الاختيار على السيسى بالذات وزيرا للدفاع وهل قدر قوه خصمه -لاسيما وأن الأمر كان من الممكن أن يصل إلى انقلاب عسكرى كما فى تصور البعض- لكننى سرعان ما استعادت ذاكرتى أحداثاً تاريخية لتلهمنى الإجابة عن كل هذه التساؤلات التى كانت تسيطر على تفكيرى بعض الوقت فالتاريخ يقول لنا قبل أن تتخذ أى قرار لا بد أن تكون حكيما فى اتخاذه وأن تتخذ كل الاحتياطات والإجراءات والافتراضات المتوقعة حال اتخاذ أى قرار وإذا كان القرار متعلقا بشخص آخر فلا بد أن تقدر قوه خصمك وما مدى رد فعله ومدى جاهزيتك لاستقبال رده فمثلا (بلقيس) ملكة سبأ عندما أتاها كتاب من نبى الله سليمان (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم. ألا تعلوا على وأتونى مسلمين) لم تتخذ قرارا فرديا وفوريا بمحاربته أو حتى التغليظ فى الرد عليه وإنما (قالت يا أيها الملأ أفتونى فى أمرى ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون) فاتخذت أسلوبا رشيدا وحكيما وهو الشورى والمشاورة فى أمر لم تعرف هى حدود قوته فكان لا بد أن تحسب للأمر حسابه (ما كنت قاطعه أمرا حتى تشهدون) تذكرت أيضا الصين عندما كانت مستضعفة فكانت مهبطا للحشيش والمخدرات القادمة من أوروبا وأمريكا وكانت أمريكا وأوروبا تتخذها سوقا رائجة للمخدرات والأفيون وعندما ضاق إمبراطور الصين بهذا ذرعا قال (لا يجرؤ أحد على الشخير قرب سريرى) فلأنه لم يقدر قوته وحدود قوه خصمه ومدى رد فعله فكان أن حرقوا له القصر بما فيه السرير ومرت الأيام وأصبحت الصين قوه عظمى فى العالم، فحدث وأن قصفت أمريكا سفارة الصين خطأ فى تشيكوسلوفاكيا فحاصر الصينيون سفارة أمريكا فى الصين حتى أن رئيس أمريكا وكان وقتها كلينتون -على ما أذكر- قال اتصلت برئيس الصين سبع مرات فلم يرد على وكانت أمريكا وقتها تترجى الصين لفض الحصار عن السفارة الأمريكية هناك ولم تهدأ الصين إلا باعتذار رسمى من أمريكا. نعم إنها موازين القوة وأن التحدى لا يكون تحديا إلا إذا كنت فى مستوى المتحدى أو أكثر منه عدة وعتادا بالأمس حرقوا سرير الرجل والآن يترجون ويفاوضون، فالذى أتصوره أن مرسى فى هذه الأيام الأولى من حكمه كان لم يثبت أقدامه بعد ولم يعرف كيف تسير الأمور ولم يتغلغل فى أركان الدولة بعد فأراد أن يستوعب الأمر جيدا وألا يقدم على اتخاذ مثل هذه القرارات إلا بعد أن يقوى عوده ويشتد ويضع يده على مقاليد الأمور ويقدر حدود رد الفعل ويستطيع أن يقول -أنا الرئيس- لأن مثل هذه القرارات كانت من الممكن أن تطيح به سريعا إذا ما اتخذت فى وقت سابق لكن المهم الآن أن تترجم كل هذه القرارات - التى ربما نتفق جميعا على جديتها وجرأتها وموافقتها الصواب- إلى واقع عملى يعيشه الناس ويلتمسونه من تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية وأن تستعيد مصر ريادتها التى أطاحات بها مواكب الأقزام فنحن -حقا- نحتاج إلى نقله حقيقية يشعر بها المواطن فى الصحة والغذاء والتعليم والسياسة والاقتصاد وفى شتى مناحى الحياة وإلا فستبقى كل هذه القرارات لم تأت أكلها بعد.