قبل أن تعدد لى مميزات مصر وتقول: الأهرامات والنيل وأبوالهول، سأرد عليك وما دخلك أنت بكل هذا؟ وإن لك علاقة ستكون عكس ما فعله أجدادك.. فى مصر من الأشياء العجيبة والغريبة ما يفوق كل سلبيات الدنيا.. ففى أى بلد يكون «الموظف» بلا عمل، أو يتقاضى راتبه من خارج وظيفته؟ فى أى بلد يكون الشخص الواحد عضواً فى عشرين هيئة و«يقبض» منها جميعاً؟ فى أى بلد يخاف الناس من الضحك، فيقولون: «اللهم اجعله خيراً»؟ فى أى بلد يكون للقاضى خمسة أبناء جميعهم قضاة؟ فى مصر يصنع الناس بطلهم ليقتلوه.. فعلوا ذلك مع «عبدالناصر» وها هم يفعلونه مع «السيسى».. المنافقون والدجالون والقوادون واللصوص جاهزون لإفساد أى بطل.. «عبدالناصر» كان وطنياً، لكنه فشل فى الكثير من القضايا، لأنه لم يختر كل رجاله من كفاءات الوطن.. انحاز «ناصر» فى كثير من الوقت إلى من نافقوه، وعادى وخاصم من صارحوه.. هؤلاء هم من دفعوا ب«السادات» إلى طريق التهلكة حين أقنعوه أن يحارب الأفكار بالإرهاب.. هؤلاء أنفسهم من زينوا ل«مبارك» حب البقاء للأبد، فأعطاهم الوطن ليلتهموه فى بطونهم.. «السيسى» رجل وطنى لكن منافقيه يسدون المنافذ أمام من يحبونه من أجل الوطن.. الجماعات التى تؤيد وتبارك وتجمع التواقيع الوهمية والتوكيلات المضروبة تؤذى من أحبه الناس لشجاعته وصدقه ووطنيته.. لا يحتاج «السيسى» إلى مهللين وطبالين لكى يؤيده الناس.. «السيسى» جرب أن يخاطب الناس من دون وسطاء ومنادين، فخرجوا له حين دعاهم.. «السيسى» عرف كلمة السر مع الناس «الصدق» وكفى.. فى مصر وحدها عرف العمال كل شىء عن ثقافة الإضراب والاحتجاج، لكنهم لم يتعلموا ثقافة العمل والإنتاج.. الاحتجاج دون عمل قلة أدب. لا يوجد عامل أو صانع يتقن عمله، كما يحب الله، وفوق ذلك يحتجون من أجل زيادة الرواتب والحصول على مزيد من الامتيازات والتأمينات والضمانات.. لا فرق بين العمال هنا واللصوص الذين يأخذون ما لا حق لهم فيه.. فى مصر وليس فى أى بلد آخر يحصل العمال والموظفون على أرباح تعادل مرتب سنة رغم أن شركاتهم أو مصانعهم أو هيئاتهم خاسرة وتستدين لكى تدفع لهم رواتبهم والويل لمن يتأخر فى تلك الشركات أو المصانع أو الهيئات عن دفع «الأرباح من الخسائر وليس من المكاسب».. ليس مهماً أن تغرق مؤسساتهم فى الديون، المهم «القبض». فى مصر يوجد ثوار ولا توجد ثورة.. الثورة تكون ضد التخلف والاستبداد.. الثورة تسقط نظاماً ظالماً وتبنى دولة القانون.. الثوار كالمراهقين يتظاهرون ويتمردون من دون أن يعرفوا ماذا سيفعلون بعد أن تتحقق أهدافهم: يثورون ثانية وثالثة، ويهدمون المتهدم ويقاومون المُقاوم، ويكررون الهتاف نفسه والشعارات نفسها من دون أن يلتفتوا إلى أنهم لا يتلاعبون بكرة فى أقدامهم، بل يتلاعبون بوطن يحتاج إلى من يمد له يد العون لا من يثقله بحجارة ليغرق. الثورة لم تحقق أهدافها، وهل أهدف الثورة تتحقق بإسقاط الدولة، ثم كيف تتحقق أهداف الثورة والبلد كله يمارس فعل الثورة؟ كيف تتحقق الأهداف بعدما أصبحت كلمة «ثائر» مهنة أو حرفة؟ كيف تتحقق أهداف الثورة والوطن يمد يده لكى يأكل؟ كيف تتحقق أهداف الثورة والناس تعطل العمل وتربك الشوارع؟ مصر فقط يتباهى فيها الناس بكسرهم للقانون ويفرحون بمخالفته ويعتبرون أنفسهم أقوياء حين لا يلتزمون بالقواعد والآداب العامة، مع أن مخالفة القانون عار وجريمة. مصر البلد الوحيد فى العالم الذى يحكمه رئيس فى العلن ورؤساء أو عصابات فى السر.. «مبارك» وفى سنوات حكمه الأخيرة كان رئيساً على شاشات التليفزيون بينما «شلة الخراب» أو عصابة الحزب الوطنى كانت تحكم وتتحكم فى كل شىء من توظيف أبناء الأحبة وأقاربهم إلى سرقة «قوت الوطن».. «مرسى» كان رئيساً أمام الميكروفونات ومن فوق منابر المساجد، بينما كان مكتب الإرشاد هو الحاكم الفعلى للبلاد والمتحكم الوحيد فى العباد.. «مرسى» كان رئيساً سعيداً بتناول وجبة من البط وشعبه على شفا قتال أهلى.. «مرسى» من أجل شهوة الخطابة لم يستمع إلى صوت واحد ممن يعارضونه.. عدلى منصور رئيس بخطابين وثلاثة اجتماعات، بينما هناك شلل تحكم وتتحكم فى كل شىء بمصر.. انظروا إلى تشكيل الحكومة والمجلس الأعلى للصحافة والمجلس القومى لحقوق الإنسان.. شِلل لا تقل طمعاً وبشاعة وفساداً عن جماعة الإخوان ورجال الحزب الوطنى. الآن مصر تبدأ مرحلة جديدة، فهل يمكن أن نغير من أنفسنا حتى يغير الله ما بنا من سوء حال؟ هل يمكن أن نستيقظ ونستبعد المنافقين والكذابين ومثيرى الفتن عبر الفضائيات وفى الصحف؟ هل يمكن أن نحب القانون ونتشرف ونتباهى بعدم مخالفته؟ هل يمكن أن نقول إن فى مصر وليس بلد آخر شعباً يصنع المعجزات ويبهر العالم بالعمل، وليس بالطوابير التى تكاد تلقى بنا فى التهلكة؟