وصل «أبرهة الأشرم» إلى مدينة الطائف، فسلم له أهلها، بل وأرسلوا معه دليلاً يصحبه إلى مكة، واشتد الطاغية فى السير، ولما أصبح على مقربة من مكة، أرسل جنده يغيرون على حدودها ويغتصبون كل ما تقع عليه أيديهم من مال وإبل. وبعث رسولاً من طرفه إلى عظيم مكة وسيدها يحمل إليه رسالة واضحة يطالب فيها «أبرهة» أهل مكة بالتسليم، وأن يخلّوا بينه وبين البيت الحرام حتى يهدمه، فإن فعلوا ذلك فهم آمنون، وإن لم يفعلوا فستكون الحرب التى لا تُبقى ولا تذر. اجتمع أهل مكة تحت رئاسة «عبدالمطلب بن هاشم» كبيرها وعظيمها وجد النبى محمد صلى الله عليه وسلم، وأخذوا يتدبرون أمرهم، وطُرح السؤال: هل يقاتلون جيش الطاغية ويذودون عن البيت الحرام؟ قال أحدهم إن الدفاع عن البيت أمر واجب علينا، مهما كلفنا ذلك من ثمن، وعلق آخر: وماذا عن بأس أبرهة وجسامة الفيلة التى تتصدر جيشه وقوة جنده؟ إنه قادر على حصد أرواح أهل مكة كلهم، ولن يُغنى دفاعهم عن «البيت» شيئاً، إذ سيهدمه فى النهاية بعد أن يبيدهم جميعاً. احتدم النقاش بين الناس، ثم هدأوا فجأة عندما بدأ الصوت الرصين يتكلم، صوت عبدالمطلب، سألهم الشيخ سؤالاً واحداً: أليس هذا البيت هو بيت الله؟ أجابوه بلى.. هو بيت الله، فقال: إذن خلّوا ما بين الطاغية وبين الكعبة واعلموا أن للبيت رباً يحميه. كان الشيخ «الهاشمى» عميق الإيمان بما يقول، فآمن القوم برأيه على الفور، فتركوا دورهم واعتصموا بجبال مكة. على الجانب الآخر أرسل أبرهة من يأتى له بسيد مكة وزعيمها كى يتحدث إليه، فجاءه الرسول ومعه «عبدالمطلب». وعندما رأى أبرهة الشيخ هابه واحترمه وأحسن استقباله وكاد يُجلسه إلى جواره على سرير ملكه لكنه خاف من غضب الحبشة.. طلب أبرهة من «الترجمان» -أى المترجم- أن يسأل الشيخ عن حاجته، كان «الأشرم» يتوقع الإجابة، ويفهم أن عبدالمطلب سيطلب منه أن يرجع عن هدم البيت الذى يعظمونه ويوقرونه، وكان يجهز الرد على ذلك بينه وبين نفسه، لكنه فوجئ بالشيخ يطلب منه أن يرد عليه مائتين من الإبل أصابها جنوده عندما أغاروا على تخوم مكة. اندهش أبرهة من الطلب غير المتوقع، واستغرب الأمر أشد الاستغراب، وقال لشيخ مكة: أتسألنى فى مائتين من الإبل ولا تسألنى عن البيت الذى جئت لأهدمه؟ هنالك رد عليه عبدالمطلب بالرد الذى خلّده الزمن.. قال الشيخ: نعم أسألك أن ترد علىّ إبلى لأنها لى.. أنا رب (أى صاحب) الإبل.. أما البيت فله رب يحميه. من جديد لم يفهم الأحمق الرسالة، ولم يدرك أن عبدالمطلب أراد أن يقول له إنك ستدخل بعد سويعات فى حرب مع الله، خصومتك أصبحت مع الخالق الأعظم الذى جعل بيته مثابة للناس وأمناً. وهو فعل لا يأتيه إلا أحمق طار عقله وفقد رشده.. قابِل بقى يا أبرهة! كانت «الأبابيل».. لينتصر الإيمان بالفكرة على طغيان القوة!