لا يخفى عن أي متابع لواقع الأحداث على الأراضي المصرية، أن بلادنا الحبيبة قد نزل بها عطب شديد لا يزال يسبب آلم كبير، أكبر من قدرتنا على التحمل، مشاهد الدماء والصدام كادت تفقدنا حسنا الإنساني، حتى اقترب الشبه بيننا وبين أهل الغاب، حيث لا عقل والقوة هي مؤشر الميزان . تسليمًا للأمور التي حدثت بمصر باطنها وظاهرها، فقد دخلت بلادنا عهدًا جديدًا كنا به نحلم، ونخاطب خيالنا أن يكون عصرًا متفتحًا يتفجر أملًا وحياه آفاقها الكرامة والعدل، لكن ربما رست سفينة الثورة على ميناء خاطيء وغريب، ندعو الله أن يكون ذلك بصفة مؤقتة، صارت البلاد هامدة مهيئة لكافة الاحتمالات، فما كنا نظنه غير وارد الحدوث أصبح بديهيًا وجوده أمام أعيننا. كل منا روحه تكمن بين أطرافة وتكوينات جسده، كما خلق الله تعالى، وهكذا أيضًا الأوطان، لها روح تموت وتنتهى عند نزعنا إياها، روح الوطن هو هويته وثقافته، والصفة الغالبة على أفراد الشعب المكون الأساسى لوجوده، روح البلاد هو ما يميزها عن غيرها عن سائر الأماكن، وما يعطيها صك التميز والاختلاف في التناول والشعور والدليل، هو ذلك الفكر والإحساس، الذي ينتابنا إذا ما اغتربنا عن أهالينا وبلادنا، فالوطن يسكن النفوس. تواجه مصر، طعنات قاتلة تصيبها من كل جانب، ربما أكثرها مرارة القادمة من بني جلدتنا ومن يقتسمون معنا الأرض واللغة وربما الملامح، روح بلادنا تحترق وتسلب منها، فالوعي ينهار والثقافة تتغير وتتبدد وتتحول إلى مسخ غريب الشكل، لا يرى غير التباس الأمور مزاجًا يناسبه، وكذلك الهوية المصرية بأبعادها الدينية الوسطية، تواجه حربًا لجذبها داخل أجواء أخرى، تقودها إلى ساحة من التطرف والخلاف الفكري الذي يتطور سريعًا لصدام كثيرًا ما يتسم بالعنف. كل ذلك فضلًا عن الاختلال الذي طرأ على الميول والأهواء العامة للشعب المصري، فأصبح العنف منهجًا في حياته اليومية وحلًا سريع التحضير للانتهاء من الأزمات، وضيفًا مستمر الوجود على كافة الشاشات، مؤكد أن ذلك تراكم عبر سنين ماضية، إلا أن الميول الشاذة تعاظمت وظهرت معالمها واضحة خلال السنوات المعدودة، التي عقبت التفاعلات الثورية الماضية. بلادنا يأخدونها حيث اللارجوع واللاعودة، إنهم لا يدركون ما يصنعوا بالبلاد والعباد إما جهلًا أو إجرامًا، فبأياديهم العابثة يحرقون روحًا طاهرة نقية، هي روح مصر، وعلى جيش مصر العظيم أن يفطن لبواطن الأمور، وتفاصيل المؤامرات الموجهه لبلادنا، يحرقونها وهم غير مدركين أن النار ستمتد لهلاك الجميع، إذا سمحنا لأنفسنا أن نستمر في دور المشاهدين، النار التي تأكل قلوبًا آمنت بربها ثم ببلادها لا يمكن أن تظل عاكفة على التنظير، بينما آخرون يحملون سلاحًا ويدمروا الأخضر واليابس وكل ما تطوله أيديهم. الملفات ذات الطابع الأمني، والتي تكون للأجهزة الأمنية العسكرية منها والشرطية اختصاص فيها، وتكليف بالانتهاء من جذور الفتنة والتطرف، إلا أنه يجب علينا الاعتراف بشجاعة، أن الأفكار المسمومة حاضرة في خلفية الأحداث، وقديمًا قالوا الفكر لا يهزم إلا بالفكر. الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية، وكل رموز المجتمع المنتشرين في مجالات العلم والسياسة والأدب، وكل من يمثل القوة الناعمة للوطن، عليهم أن يتحركوا في تجاه نشر نور المعرفة القيمة، لتبقى الأفكار المتطرفة شاذة لا تجد من يعتنقها. مصر الكنانة، خزائن الأرض وأجمل بقاعها، أرضها ومستقبلها وأيضًا روحها الطاهرة، أمانة في أعناقنا، حتمًا سنسئل عما فعلناه تجاها أمام الله عز وجل.. وبشكل واضح نحن، وهنا أقصد الشعب المصري بقواعده الشعبية ونخبته في كل مكان، ليس أمامنا غير العمل حتى لا نكون ذكرى سيئة للأجيال القادمة، وتكون حقبتنا وذكرانا عندهم تحمل قدرًا معقولًا من الاحترام.