تستضيف العاصمة الإماراتية أبوظبي، هذا الأسبوع لقاء قمة تاريخي بين الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، وقداسة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان، وهو ما يعد اللقاء الخامس الذي يجمع بين الرمزين الدينيين الأكبر في العالمين الإسلامي والمسيحي. ونجح الإمام الطيب والبابا فرانسيس في نسج علاقة أخوية عميقة بينهما، قائمة على التلاقي الفكري، والإيمان العميق بالقيم الإنسانية المستمدة من تعاليم الأديان، والسعي بدأب من أجل تشييد جسور الحوار والتعايش بين البشر على اختلاف أديانهم وثقافاتهم، إضافة لتمتع كلاهما بمسحة شخصية تميل للزهد والبساطة والتعاطف العميق مع الفقراء والمحرومين. وفي ضوء ذلك، شهدت العلاقة بين الأزهر والفاتيكان في السنوات الأخيرة نقلة غير مسبوقة، بدأها الإمام الطيب في مارس 2013 عندما بادر بتهنئة البابا فرانسيس بتقلد رئاسة الكنيسة الكاثوليكية، مؤكدا أن عَودة العَلاقات بين الأزهر والفاتيكان مرهون بما تُقدِّمه مؤسسة الفاتيكان من خطواتٍ إيجابية جادّة، تُظهِر بجلاءٍ احترامَ الإسلام والمسلمين. وجاءت تلك المبادرة تجاوبا مع تأكيد البابا فرانسيس، خلال لقاء جمعه مع سفراء 180 دولة عقب تنصيبه، أهمية الحوار مع الإسلام. ونجحت تلك المبادرات المتبادلة في إنهاء فترة من الجمود والتوتر في علاقة الأزهر والفاتيكان، للإعلان رسميا في 24 من نوفمبر 2014 عن استئنافَ الحوار بين الجانبين، وإعادة تفعيل لجنة الحوار المشترَك، والبناء على القَواسِم المشترَكة التي تنطلق منها الديانتان الإسلامية والمسيحية، لتعزيز التعايش المشترَك والاندماج الإيجابي للشعوب، وتوحيد الجهود لمواجهة الأفكار المتطرفة من أجل العيش في عالم ملئ بالمحبة والتسامح والأخوة والسلام. وعقد اللقاء الأول بين الرمزين الدينيين الكبيرين في الفاتيكان، في 23 مايو 2016، حيث قال البابا فرانسيس للصحفيين عقب اللقاء إن "الرسالة من الاجتماع هي لقاؤنا بحد ذاته"، فيما أشار البيان الصادر عقب اللقاء إلى أنه ركز على تنسيق الجهود من أجل ترسيخ قيم السلام ونشر ثقافة الحوار والتسامح والتعايش بين مختلف الشعوب والدول، وحماية الإنسان من العنف والتطرف والفقر والمرض، حيث يقع على المؤسسات الدينية العالمية مثل الأزهر والفاتيكان عبء كبير في إسعاد البشرية ومحاربة الفقر والجهل والمرض. أما اللقاء الثاني بين البابا فرانسيس والإمام الطيب، عقد في القاهرة في أبريل 2017، حيث شارك البابا في مؤتمر الأزهر العالمي للسلام، واحتلت صورة عناق البابا والإمام الأكبر صدارة وسائل الإعلام العالمية، فيما شدد شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الكاثوليكية في كلمتيهما خلال المؤتمر على القيم الإنسانية التي تحملها تعاليم الأديان، ورفضها للعنف والكراهية. وتكرر لقاء الطيب وفرانسيس للمرة الثالثة في السابع من نوفمبر 2017، لكن هذه المرة في مقر البابا بالفاتيكان، حيث حرص البابا فرانسيس على استضافة الإمام الأكبر على مائدة غداء في مقره الخاص. وشدد الإمام الطيب على استعداد الأزهر لتقديم "كل ما يملك من خبرة من أجل تعاون بلا حدود لنشر فكرة السلام العالمي، وترسيخ قيم التعايش المشترك وثقافة حوار الحضارات والمذاهب والأديان"، واصفا البابا بأنه "رمز نادر في أيامنا هذه، إذ يحمل قلبا مفعما بالمحبة والخير والرغبة الصادقة في أن ينعم الناس، كل الناس، بالسلام والتعايش المشترك". وكان اللقاء الرابع بين شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان في 16 أكتوبر 2018 بالفاتيكان، حيث أبدى البابا فرانسيس تقديره لتلك الزيارة الودودة من الإمام الأكبر، مقدرًا الدور المهم لفضيلته في دعم قيم السلام والحوار عبر العالم، مؤكدًا أن الفاتيكان يتطلع لمزيد من التعاون والعمل المشترك مع الأزهر الشريف، فالعالم في حاجة لجهود من يشيدون جسور التواصل والحوار، وليس لمن يبنون جدران العزلة والإقصاء. وبدوره أعرب الطيب عن سعادته بهذا اللقاء الودي الذي يجمعه ب"أخيه وصديقه" البابا فرانسيس، الذي يجسد أنموذجا لرجل الدين المتسامح والمعتدل، والمهموم بقضايا ومعاناة الفقراء والمستضعفين والمشردين، وهو أمر يشاطره الأزهر الشريف الاهتمام به؛ كونه يمثل جوهر تعاليم الأديان، التي ما نزلت إلا من أجل خير البشر وسعادتهم، ولحثهم على التراحم والتعاطف فيما بينهم. ولم تقتصر علاقة البابا فرانسيس والإمام الطيب على اللقاءات المشتركة، بل امتدت لتشمل العديد من المكالمات الهاتفية في المناسبات المختلفة والتي كان آخرها اتصال البابا فرانسيس بشيخ الأزهر لتهنئته بعيد مولده الذي يوافق 6 يناير، فيما سبقه اتصال من شيخ الأزهر لتهنئة البابا بأعياد الميلاد وبعيد مولده، الذي يوافق 17 ديسمبر.