عارض الأنصار الرسول (ص) أثناء غزوة الخندق حين أراد أن يعقد معاهدة بينه وبين غطفان وأهل نجد فيعطيهم ثلث ثمار المدينة كيما يتخلوا عن مؤازرة قريش فينفك الحصار، حيث خالفه سعد بن معاذ وسعد بن عبادة حين قام الرسول باستشارتهما، ونزل الرسول على رأيهما. وفى فترة الخلافة الراشدة ظل سعد دون أن يبايع أبا بكر وعمر حتى مات وهما لم يرغماه على ذلك، وعلى بن أبى طالب لم يبايع أبا بكر، إلا حين رأى خطر الردة، وحين عاد لم يكره على ذلك. وتعرضت هذه الممارسات التى تنتصر لحق المعارضة إلى من حاول التشكيك فيها، مستنداً إلى أحاديث منسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، منها: «اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبدحبشى، كأن رأسه زبيبة» و«عليك السمع والطاعة فى عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك»، و«اسمعوا وأطيعوا، فإنهم عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم» و«من أهان السلطان أهانه الله» و«من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية». لكن هناك من يربط بين ظهور هذه الأحاديث وبين سعى بعض الفقهاء لتعزيز شرعية بنى أمية وبنى العباس، وكذلك الخوف من منازعة ظلم وجور حاكم المسلمين فى وقت تتعرض فيه دولة الإسلام لخطر خارجى يريد النيل من قوتها وانتهاك حرمتها. وهناك من حاول أن يفسر هذا الاختلاف والخلاف من زاوية موجبات وجود سلطة، فها هو ابن تيمية يقول: «يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين إلا بها، فإن بنى آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من الحاجة رأس حتى قال النبى صلى الله عليه وسلم: «إذا خرج ثلاثة فى سفر فليؤمروا أحدهم»، وقال: «لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم». ولهذا كان السلف الصالح كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل، وغيرهما، يقولون: «لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطان»، وقيل «ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان». ولذا فإن «الحكم شىء يقتضيه العقل والشرع معاً». وإلا عمت الفوضى، وشاع الهرج والمرج وتقاتل الناس على كل شىء. ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن الصبر على الحاكم لا يعنى الخنوع، إنما هو الصبر الذى ينطوى على شجاعة واحتمال ومواجهة ونضال للانتصار للحق، ومغالبة الظالمين، وعندها تتجاوز المعارضة السياسية حدود المشروعية والحق الإنسانى إلى حيث تبلغ مرتبة «الضرورة الواجبة شرعاً»، ويصبح التقصير فى أدائها أو النكوص عنها إثماً مجرماً يستحق العقاب». ( نكمل غداً)