النصيحة هى الدين، أمرت بها المسيحية، وجعلها الإسلام عنواناً للدين، ومقرونة به «الدين النصيحة»، ولا يجوز لأحدنا الصمت وهو يرى أن الاعتقاد قد أصبح عند كثير من المنتمين للحركة الإسلامية يشوبه الميل إلى التكفير، فيجعل الواحد منهم من الاختلاف معه خروجاً عن الدين لا لبس فيه، ويمكنك أن تقرأ ذلك فى الحوار معهم أو فى خطبهم أو حتى فى تعليقاتهم على المواقع الإلكترونية مثل «اللهم اعصمنا من الفتنة»، أو «لماذا بعت دينك؟»، أو «اللهم ردك إلى الإسلام رداً جميلاً»، ذلك أنه قد حدث تطابق وتعانق فى نفسية هؤلاء بين انتقاد إدارة هذه الجماعة، وهى إدارة خاطئة ولا شك، أو حتى انتقاد الجماعة نفسها وبين الإسلام نفسه، وهذا هو الاعتقاد الملتبس الذى قد يؤدى إلى اعتقاد الخوارج، ذلك أنهم أصبحوا يشيرون إلى أنفسهم بأنهم هم الفئة الناجية أصحاب الحق، وأنها هى الإسلام، وهو نفس الاعتقاد الذى ذهب ب«شكرى مصطفى» إلى أن يطلق على جماعته اسم «جماعة المسلمين»، فاستحل قتل العالم الشيخ «الذهبى» عام 1976، ومن هنا فإننا ننصح هؤلاء الذين خلطوا بين الخلاف فى الرأى مع جماعة تخطئ وتصيب وترتكب المعاصى كما تفعل الخيرات فيجعل الخلاف معها خلافاً مع الإسلام، وهذا الخلط هو أخطر ما نراه فى هذه الأيام. فأما عن المقدمة الأولى فإننا ومن واقع معايشتنا لجماعة الإخوان فنحن نقول إننا شهدنا الكثير من الخطايا ترتكب داخل الجماعة باسم الإسلام وشهدنا من يقوم بالاستيلاء على أموال الدعوة وقمنا بالتحقيق فيها وألزمنا أصحابها برد هذه الأموال، كما شهدنا من قام بالاستيلاء على أموال كانت مخصصة للشعب الفلسطينى، ولم نكن نسكت عن هذه الجرائم حتى استفحل الأمر ورفض البعض رد أموال الدعوة وأراضيها ومدارسها التى كتبت باسمه صورياً فاستحلها هو أو ورثته ونظراً لغيابى وانتهاء علاقتى بالإخوان منذ عام 2004 فإننى قد أرسلت نصيحة إلى هؤلاء الأشخاص أطالبهم برد الأراضى إلى أصحابها ولم أفعل ذلك وحدى بل شاركنى فيه العشرات ممن هم أبناء التنظيم حتى الآن وممن هم قد ابتعدوا عنه. أما المقدمة الثانية فهى أن جماعة الإخوان لم تعترف يوماً بالديمقراطية ولا بشرعية الصندوق، ولن أطرح إلا الوقائع الثابتة، فقد كنت عضواً فى برلمان عام 1987 الذى تم التصويت فيه على بيعة الرئيس مبارك فكانت بإجماع الحزب الوطنى والمعارضة والإخوان وتمت الموافقة من الجميع عدا أربعة كنت أنا منهم، بل لعلى بالغت فى موقفى فرفضت أن أقف له عند استقباله فى اجتماع مجلسى الشعب والشورى وتم التحقيق معى آنذاك داخل الجماعة لأننى خالفت قرارها وأجرى هذا التحقيق المرحوم المستشار «مأمون الهضيبى»، وكان بجواره المرشد الأسبق «مصطفى مشهور»، ورحم الله الجميع، ولم يشفع لى دفاعى أمامهما بأنه رئيس غير شرعى، إذ إنهما تحدثا فى مواجهتى عن مصلحة الدعوة التى يجب من أجلها أن نتغاضى عن مسألة الشرعية وحتى عن الفساد وانتهاك حقوق الإنسان التى كانت مرتبطة بنهاية العشر السنوات الأولى لحكم مبارك وشهود هذه الواقعة كثيرون منهم المهندس محيى الدين عيسى والأستاذ مجدى حسين، وكذلك الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، والدكتور عصام العريان، والدكتور حسن الحسينى، والدكتور مجدى قرقر، وغيرهم الكثير، وأغلب هؤلاء كانوا معنا فى كل هذه الأحداث، وكان قد سبق التصويت على انتخاب الرئيس مبارك حالة رفض وتذمر داخل جماعة الإخوان، فاجتمع مكتب الإرشاد بأعضاء البرلمان من الإخوان وعددهم ستة وثلاثون عضواً، وأضاف مكتب الإرشاد إليهم خمسة عشر عضواً، فضلاً عن أعضاء مكتب الإرشاد أنفسهم، واجتمعنا جميعا فى مقر الدعوة بالمنيل، وقد كان المقر وقتئذ محل إقامة المرشد العام الأسبق، الأستاذ حامد أبوالنصر، رحمه الله، وتم الهجوم على المعارضين لانتخاب الرئيس هجوما شديدا واتهامهم بأنهم لا يوقرون قرار الجماعة وأنه ليس للجماعة أن تبرر قرارها، وبالطبع دافع الرافضون لهذا الانتخاب عن قرارهم، وكنت أنا منهم، ومع ذلك كان القرار هو مبايعة الرئيس حسنى مبارك رغم كل ما ذكر من عدم مشروعيته وفساده، إلا أنه فى يوم جلسة الانتخاب فى البرلمان وبعد التصويت أخبر الدكتور رفعت المحجوب الأستاذ مأمون الهضيبى، رحمهما الله، أن أربعة من الإخوان المسلمين رفضوا تأييد الرئيس حسنى مبارك، ومن هنا أشارت أصابع الاتهام إلى شخصى المتواضع. وأما عن المقدمة الثالثة فهى تشير إلى حقيقة أن جماعة الإخوان كانت تبنى فقهها على أنها جماعة لا تعتمد فى مشروعية القيادة داخلها على الصندوق، وهذا أمر تتحدث عنه لائحة الإخوان الأخيرة، التى يستطيع أى إنسان إذا جعل قيادة رأيه من عقله وليس من عاطفته أن يستنتجها من اللائحة، وهى منشورة، ويرى أن نسبة التعيين فى أى مرحلة من مراحل الانتخابات التصاعدية هى عشرون فى المائة من أعضاء الجمعية العمومية التى تنتخب، وبالتالى يكون النجاح فى الشعبة مثلا من نصيب المعينين الذين يتجمع حول تأييدهم كل من تم تعيينه فيتم تصعيدهم إلى المرحلة الأعلى والتى يكون أغلبها من المعينين أيضاً، ثم ينتقلون إلى المرحلة الأعلى وهى مكتب شورى المنطقة فيفوز بعضويته أغلب المعينين وهكذا حتى نصل إلى مجلس الشورى العام، مع ملاحظة أن كل مجلس فى كل مستوى يضاف إلى عدده أيضاً عشرون فى المائة بالتعيين حتى مجلس الشورى العام يضاف إليه أيضاً عشرون بالمائة من المعينين وحتى مكتب الإرشاد لم يتم انتخاب إلا النفر القليل منهم وكان منهم الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، بينما كان المهندس خيرت الشاطر مثلا من المعينين وليس من المنتخبين، إذن فهذا هو حال لائحة الإخوان التى تظهر لك أيها الأخ البرىء أن قواعد الجماعة تسير من التعيين إلى التعيين وهى لا تعترف بأى شرعية للصندوق، بل إن فكرة الانتخاب نفسها وفكرة إعداد اللائحة لم تنشأ إلا فى عام تسعين بعد أن ضج الإخوان بطريقة التعيين ولك أن تعلم أيها القارئ العزيز أن قسم المهنيين بالجماعة قد أعد لائحة انتخابية للقسم ولم تنفذ إطلاقا إلا فى نقابة المحامين وفى مرة واحدة وقد أخبرنى الأستاذ محمد عاكف -بعد خروجى من السجن فى عام 2003- أخبرنى فضيلته بأن الجماعة قد ألغت اللائحة وألغت الانتخابات وأن قرارها هو إبعاد كل المنتخبين عن قسم المحامين وهو ما حدث بالفعل. وإلى هنا أيها القارئ العزيز فلقد أجبرتنى الفتنة التى أراها على هذا الحديث وأنا أحمل كل المسئولية على أبناء جيلى ممن أعرف أنهم لا يزالون فى الإخوان ولكنهم يرفضون ذلك الذى يجرى ومع ذلك يؤثرون الصمت ويعلم الله أنهم إذا ما تحدثوا ووقفوا ضد هذه الفتنة فإنهم سيجنبون الوطن ويلات كثيرة وربما ينقذون جماعة الإخوان التى أصبحت بسبب تلك القيادة غير الراشدة «جماعة المولوتوف».